بحث متقدم
الزيارة
6298
محدثة عن: 2013/08/26
خلاصة السؤال
أین کان الله تعالى قبل ان یخلق الکون و کیف کان سبحانه یجری رحمته و فیضه فی تلک الحالة؟
السؤال
اذا کان العالم حادثاً فأین کان الله تعالى قبل ذلک و کیف کان سبحانه یجری رحمته و فیضه فی تلک الحالة؟
الجواب الإجمالي

استنادا الى الآیات و الروایات أنه لا وجود لأی شیء قبل حدوث الکون الا الله تعالى، و من هنا فصفات الرحمة و الفیض الالهیة (و ان کان لا مجال لطرح القبلیة و البعدیة الزمانیة بالنسبة لها) کانت قبل خلق العالم مستهلکة فی ذاته تعالى فلا تمایز بین تلک الصفات و أن الله تعالى غنی عن الفیض و خلق الآخرین و هو تعالى عین الرحمة و الجمال و العشق.

 

الجواب التفصيلي

۱. حدوث العالم

 

ذهبت کافة الادیان الالهیات بما فیها الدین الاسلامی الى حدوث العالم؛ یعنی لن یکن ثم کان. و البحث عن زمانیة الحدوث او ذاتیته لا یتنافى مع أصل الحدوث المتفق علیه لدى الجمیع أی حدوث ما سوى الله بل هو یؤکد ذلک.

 

2. الله قبل خلق العالم

 

هناک مجموعة من الروایات الواردة عن المعصومین (ع) تتعرض للاجابة عن السؤال المطروح و عن البعد الزمانی و المکانی لله تعالى، منها:

 

" سئل أمیر المؤمنین علیه السلام: أَینَ کَانَ رَبُّنَا قَبْلَ أَنْ یخْلُقَ سَمَاءً وَ أَرْضاً؟ فَقَالَ (ع): أَینَ سُؤَالٌ عَنْ مَکَانٍ وَ کَانَ اللَّهُ وَ لَا مَکَانَ"[1] یعنی أن نفس المکان أمر حادث مخلوق من قبل الله تعالى و الله موجود حتى مع عدم وجود المکان.

 

3. صفات الله تعالى و فیضه قبل خلق الکون

 

اذا قلنا بانتفاء الزمان و المکان عن الله تعالى (لانه خالق الزمان و المکان) هنا یثار السؤال التالی: این یکون الله تعالى فی تلک المرحلة؟ و کیف کان سبحانه یجری فیضه مع عدم وجود المفاض علیه المتمثل فی الکون و ما فیه.

 

الاجابة عن السؤال المذکور وردت فی کلمات الرسول الاکرم (ص) و قد شرحها العرفاء بصورة موسعة جدا نشیر الى اجمالیها:

 

"حدثنا عبد الله، حدثنی أبی، ثنا یزید بن هرون، أنا حماد ابن سلمة، عن یعلى بن عطاء، عن وکیع بن حدس، عن عمّه أبی رزین، قال: قلت یا رسول الله، أین کان ربنا عز وجل قبل أن یخلق خلقه؟ قال: کان فی عماء، ما تحته هواء وما فوقه هواء، ثم خلق عرشه على الماء".[2]

 

کما مر سابقا آنه لا یصح السؤال عن مکان الله تعالى وزمانه فلا یقال "أین الله تعالى؟" لانهما من مخلوقاته تعالى، أی لم یکونا فکانا، الا اذا کان المراد من السؤال عن کیفیة فیاضیته تعالى فی تلک المرحلة الخالیة من الخلق؛ و حینئذ نقول فی  بیان المراد من "عماء" الوارد فی الحدیث الشریف.

 

توضیح ذلک، أن العرفان و ان کانوا یعتبرون عالم الوجود و تجلیات الحق تعالى لا حصر لها حتى و ان کانت فی الخارج، لکنهم مع ذلک یشیرون الى خمس مراتب او خمس حضرات:

 

الاولى ما ورد التعبیر عنها فی الروایة بـ"العماء". و قد عبّر عن هذه المرتبة بتعبیرات اخرى من قبیل: عالم الاطلاق، عالم اللاهوت، غیب الغیوب، الغیب المطلق و....؛ و کما ورد فی القرآن الکریم: "وَ عِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَیبِ لا یعْلَمُها إِلاَّ هُوَ"[3].

 

و أما سائر المراتب التی تلی تلک المرتبة فهی: الجبروت، الملکوت، عالم الشهادة و المرتبة الجامعة و هی حضرة "الانسان" فالمجموع خمس حضرات.

 

و فی توضیح مفاد "العماء" نقول: ان الله تعالى فی هذه المرتبة یتصف بالعزة الکاملة غنیا عن کل شیء و بأی نحو کان، و ان جمیع اسمائه و صفاته فی هذه المرحلة مستهلکة و فانیة فی هذا المقام فلا مجال لوصفه بصفة أو اسم من تلک الصفات و الاسماء فی تلک المرحلة، و قد اشارت الى هذا المعنى الآیات المبارکة التالیة:

 

1. "فَإِنَّ اللَّهَ غَنىِ‏ٌّ عَنِ الْعَالَمِینَ"[4]

 

2. "سُبْحَانَ رَبِّکَ رَبّ‏ِ الْعِزَّةِ عَمَّا یصِفُونَ"[5]

 

و من الروایات المشیرة الى هذا المقام:

 

1. «کان الله، و لم یکن معه شی‏ء».[6]

 

و قد شرح بعض العرفان بالنحو التالی: و الآن کما کان علیه. و هذا الکلام مع تصدیقه لکلام النبی الاکرم (ص) ذکر فی الوقت نفسه وجها آخر فی تبریر الحدیث و توجیهه.

 

2. جاء فی الحدیث القدسی: "کنت کنزا مخفیا، فأحببت أن اعرف، فخلقت الخلق"[7]

 

من هنا و استنادا الى الآیات و الروایات: ان صفات الرحمة و الفیض الالهیة (و ان کان لا مجال لطرح القبلیة و البعدیة الزمانیة) قبل خلق العالم مستهلکة فی ذاته تعالى فلا تمایز بین تلک الصفات و أن الله تعالى غنی عن الفیض و خلق الآخرین و انه تبارک و تعالى عین الرحمة و الجمال و العشق.

 

و حسب التعبیر العرفانی: ان الله تعالى کان فی مقام العزة المطلقة فلم یکن ما سواه، و یتحد فی هذا المقام کل من العشق و العاشق و المعشوق. ثم شاءت ارادته سبحانه خلقَ الغیر (حدوث العالم) ففتح خزائن الغیب امام الکنز و أظهر صفاته و أسماءه تعالى فی تجلیاته.[8]

 

 

[1] الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی، ج1، ص89، دار الکتب الاسلامیة، طهران، 1365ش.

 

[2] رواه أحمد حنبل فی مسنده، ج 4، ص 11.

 

[3] الانعام، 59.

 

[4] آل عمران، 97.

 

[5] الصافات، 180.

 

[6] الآملی، سید حیدر، نقد النصوص، ص 67، وزارة الثقافة و الارشاد الاسلامی، طهران، الطبعة الثانیة، 1370 ش.

 

[7] الآملی، سید حیدر، جامع الاسرار، ص 102.

 

[8] فخر الدین العراقی، لمعات، ص 4.

 

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

أسئلة عشوائية

  • ما الفرق فی عدالة إمام الجمعة و الجماعة؟
    4917 الحقوق والاحکام 2011/11/20
    مکتب آیة الله العظمی السید الخامنئی (مد ظله العالی):العدالة عبارة عن ملکة نفسیة باعثة علی ملازمة التقوی المانعة من ترک الواجبات أو فعل المحرّمات الشرعیة، و یکفی حسن الظاهر لإحراز و إثبات العدالة؛ و یجوز بناء علی الأقوی إقامة الصلاة جماعة لمن لا یعتبر نفسه عادلاً، مع کون المأمومین ...
  • ألا يعتبر الطلاق انتهاكاً لحقوق الإنسان؟
    2441 طلاق 2021/08/23
    الطلاق حق من حقوق الإنسان. لأن في الطلاق، لا يفقد أحد حقه. الطلاق هو أحد الحلول التی قدمته جميع الأديان والمدارس للزوجين اللذين لا يستطيعان لأي سبب من الأسباب ان یستمران في العيش معًا کی ینفصلا عن بعضهما، لعلهما یحققا حياة أفضل ومزيدا من النجاح من خلال زواج ...
  • هل یجوز الصلاة اثناء الاذان؟
    5302 الحقوق والاحکام 2012/01/16
    للوصول الی الجواب ینبغی ذکر امرین:1- یجب علی کل مکلف ان یصلی کل یوم فی خمسة اوقات:[1] الصبح و الظهر و العصر و المغرب و العشاء. [2]2- یجب علی کل مکلف أداء ...
  • لماذا ذکر الله مثال الأربعة فی قوله "ما یکون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم"؟
    6487 التفسیر 2012/12/15
    السؤال هو أن فی الآیة المبارکة (أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ یَعْلَمُ ما فِی السَّماواتِ و ما فِی الْأَرْضِ ما یَکُونُ مِنْ نَجْوى‏ ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رابِعُهُمْ و لا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سادِسُهُمْ و لا أَدْنى‏ مِنْ ذلِکَ و لا أَکْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُم...)
  • ما هو موقف الرسول (ص) من المرأة؟
    5030 درایة الحدیث 2009/07/30
    لایوجد جواب الجمالی لهذا السؤال، النقر الجواب التفصیلی ...
  • ما المقصود من فکرة ان الاسلام صالح لتلبیة متطلبات العصر مع توضیح ذلک بالمثال؟
    7512 الکلام الجدید 2008/07/21
    کان علماء الاسلام یطرحون بحوثهم حسب متطلبات الزمان و المکان و یلبون حاجة الناس فی الاجابة عن البحوث المستجدة من دون ان یتعرضوا لعرض الاسلام کنظام متجانس الاطراف و کفکر مدون له ابعاده المتکاملة، الا انه فی عصرنا الحاضر تصدی بعض المفکرین امثال الشهید المطهری و الشهید محمد باقر الصدر ...
  • من هو الحارث بن هشام بن المغیرة؟
    4571 التاریخ 2015/06/22
    الحارث بن هشام بن المغیرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، أبو عبد الرحمن القرشی المخزومی، و أمّه: أمّ الجلاس أسماء بنت مخربة بن جندل بن أبیر بن نهشل بن دارم التمیمیة، و هو أخو أبی جهل لأبویه و ابن عم خالد بن الولید و ابن عم ...
  • ما هی حقیقة حوض الکوثر؟
    9782 التفسیر 2007/06/20
    الکوثر یعنی الخیر الکثیر، و یمکن أن تذکر له مصادیق کثیرة، مثل: حوض الکوثر، نهر الکوثر، الشفاعة، النبوة، الحکمة و العلم و النسل و الذریة الکثیرة و....و للکوثر مصداقان أحدهما فی الدنیا (فاطمة الزهراء علیها السلام) و الآخر فی الآخرة (حوض الکوثر).حوض الکوثر:هو نبع ماءٍ زلال فی ...
  • ما هو الحکم الشرعی لاسواق الفارکس؟
    8326 الحقوق والاحکام 2011/02/14
    اسواق الفارکس اسواق یتم التعامل فیها من خلال العملات المتعددة (الریال، الدولار، الیورو، الباوند، الین، الدینار و...) و یتم خلالها شراء العملات بعضها بالبعض الآخر فمن توقع بان قیمة العملة الفلانیة فی طریقها الى الصعود یشتری تلک العملة لیبیعها عند تحقق ارتفاع القیمة، او یبیع العملة التی یمتلکها لارتفاع قیمتها ...
  • ما هی الدیانة التی کان علیها النبی الاکرم (ص) قبل بعثته؟
    6052 الکلام القدیم 2009/07/14
    ذکرت فی هذا المجال عدة نظریات یبدو ان النظریة القریبة من الصحة هی ان النبی الاکرم (ص) کان صاحب شریعة خاصة به و کان یتعبد بها لوحده حتى بعث بالرسالة العامة. ...

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279546 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257552 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128295 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113480 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89088 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59993 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59670 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56941 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49975 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47261 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...