بحث متقدم
الزيارة
5881
محدثة عن: 2008/12/15
خلاصة السؤال
هل الاصرار على الذنب یوجب تشدید العقوبة؟
السؤال
هل العقوبة المترتبة على اقتراف الذنب کالزنا و استماع الحرام و ... مرة واحدة کمن أدمن ذلک و اصر علیه؟
الجواب الإجمالي

الاصرار على الذنب یستعمل فی معنیین:

1- تکرار الذنب.

2- عدم التوبة من الذنب بعد ارتکابه و عدم الاستغفار منه.

ثم إن للاصرار على الذنب تبعات و آثاراً ثقیلة و صعبة جداً. و لقد أکدت الآیات و الروایات على مذمومیته و قبحه، بل فی بعض المصادر أشیر الى الآثار الخطیرة المترتبة على ذلک منها: تحویل الذنوب الصغائر الى کبائر، الخروج من دائرة التقوى، الشقاء، عدم قبول الاعمال، جرّ الانسان الى حافة الکفر و الالحاد و ... کذلک من آثار تکرار الذنب و الاصرار علیه تشدید العقوبة و المجازات الدنیویة منها و الاخرویة فعلى سبیل المثال من ارتکب کبیرة و اقیم علیه الحد مرتین یقتل فی الثالثة.

الجواب التفصيلي

فی البدء لابد من تحدید الضابطة للاصرار على الذنب و بیان المراد منه.

ان الاصرار على الذنب یستعمل فی معنیین:

1- تکرار الذنب، ان القدر المتیقن و المسلّم لمعنى الاصرار هو تکرار الذنب بلا اقتران بالندم، و بنحو یرى العرف أن ذلک مداومة على الذنب، و من الواضح أن المصر على الذنب لایشعر بالندم على ما اقترفه من ذنب.

2- ارتکاب الذنب و لو لمرة واحدة و لکن بلا قصد التوبة و التصمیم على الانابة و الاستغفار، فقد روی عن أَبی جعفر (ع) فی قَول اللَّه عَزَّ و جلَّ "و لَمْ یُصِرُّوا عَلى‏ ما فَعَلُوا وَ هُمْ یَعْلَمُونَ" قَال: "الإِصرار هو أَنْ یذنب الذنبَ فَلا یستغفر اللَّهَ و لا یحدِّثَ نفسَهُ بِتوبة فذلکَ الإِصرارُ".[1] و روی عن النبی الاکرم (ص) انه قال: «ما أصر من استغفر و إن عاد فی الیوم سبعین مرة».[2]

من هنا یعلم ان الاصرار على الذنب انما یصح عندما لایقترن بالتوبة و الاستغفار و الانابة.

آثار الاصرار على الذنب

لقد ذمت الآیات و الروایات المصر على ذنبة و اشیر فی بعضها الى الآثار المترتبة على ذلک، و هی:

1- تحویل الصغائر الى کبائر:

فقد روی انه: "لا صغیرة مع الاصرار و لاکبیرة مع الاستغفار".[3] یعنی ان المصر على ذنبه و ان کان ذنبه صغیرا الا ان اصراره یحوله الى کبیرة، و العکس صحیح ای من ارتکب الکبیرة و استغفر و أناب و تاب الى الله یتوب الله علیه و یمحو ذنبه.

2- الخروج من دائرة التقوى: قال تعالى فی بیان صفات المتقین: "وَ الَّذِینَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ ذَکَرُواْ اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَ مَن یَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا اللَّهُ وَ لَمْ یُصرُِّواْ عَلىَ‏ مَا فَعَلُواْ وَ هُمْ یَعْلَمُون".[4]

3. عدم قبول الاعمال: روی عن الامام الصادق (ع) انه قال: "لا و اللهِ لا یقبلُ اللَّهُ شیئاً مِنْ طاعته على الإِصرار على شی‏ءٍ مِنْ معاصیه".[5]

4. الشقاء و التعاسة: عن أَبِی عبد اللَّهِ (ع) قَالَ: قَال رسولُ اللَّهِ (ص):" مِنْ علامات الشَّقَاءِ جمودُ الْعَیْنِ وَ قَسْوَةُ الْقَلْبِ وَ شِدَّةُ الْحِرْصِ فِی طَلَبِ الدُّنْیَا وَ الْإِصْرَارُ عَلَى الذَّنْبِ".[6]

5. استسهال الذنب و عدم الشعور بقبحه.

6. جر الانسان الى حافة الکفر و الالحاد: قال تعالى فی کتابه الکریم: " ثُمَّ کانَ عاقِبَةَ الَّذِینَ أَساؤُا السُّوآی أَنْ کَذَّبُوا بِآیات اللَّهِ وَ کانُوا بِها یَسْتَهْزِؤُنْ".[7]

7. تشدید العقوبات الدنیویة و الاخرویة: فقد روی: "انَ أَصْحَابُ الْکَبَائِرِ کُلِّهَا إِذَا أُقِیمَ عَلَیْهِمُ الْحَدُّ مَرَّتَیْنِ قُتِلُوا فِی الثَّالِثَة".[8] و فی روایة اخرى "الزَّانِی إِذَا زَنَى جُلِدَ ثَلاثاً و یُقْتَلُ فِی الرَّابِعَةِ".[9]

اتضح من خلال ذلک کله انه لابد من الاسراع الى التوبة و المبادرة الى الانابة و الاستغفار حتى لو کان الذنب صغیرا، و العزم على عدم العودة الیه، لان الاصرار على الذنب و تکرار ارتکابه یجر الانسان رویدا رویدا الى الابتعاد عن الله تعالى و یجعل على القلب خشاوة سوداء تمنعه من التوبة و تسلب منه توفیق الانابة.



[1] محمد بن یعقوب الکلینی، الکافی، ج 2، ص 288، بابُ الْإِصْرَارِ عَلَى الذَّنْبِ، حدیث 2.

[2] انوار التنزل، ج 2، ص 39.

[3] کافی، ج 2، ص 288، بابُ الْإِصْرَارِ عَلَى الذَّنْبِ، حدیث 1.

[4] آل عمران، 135.

[5] الکافی، ج 2، ص 288، َبابُ الْإِصْرَارِ عَلَى الذَّنْبِ حدیث 3.

[6] الشیخ الحر العاملی، وسائل الشیعة، ج 15، ص 337، حدیث 20680.

[7] الروم، 10.

[8]  الکافی، ج 7، ص 191، الحدیث 2.

[9] نفس المصدر، الحدیث 1.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279429 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257213 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128130 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113221 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    88984 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59825 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59537 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56849 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49714 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47157 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...