بحث متقدم
الزيارة
5615
محدثة عن: 2011/05/16
خلاصة السؤال
هل أن فعل بعض المعاصی کالانتحار یؤدی الی دخول الانسان تلقائیا الی جهنم؟
السؤال
هل ان فعل بعض المعاصی یؤدی الی دخول الانسان تلقائیاً الی جهنم؟ و کمثال علی ذلک، اذا ارتکبت معصیة الانتحار، فهل یؤدی ذلک الی دخوله جهنم بصورة تلقائیاً؟
الجواب الإجمالي

 کما ان رمی الانسان بنفسه من مرتفع من دون استخدام مظلة انقاذ أو أی مستلزمات آخری یؤدی الی تحطم جسم الانسان، و کما ان رمی النفس فی بحر عمیق من دون معرفة بفن السباحة، سیؤدی بطبعه الی غرق الانسان، و فی کلا الموردین لن یکون هناک طریق للعودة، فان بعض المعاصی ایضاً بملاحظة وجود خصوصیة فیها و هی انعدام احتمال التوبة، فانها تلقی بمرتکبها فی طریق جهنم الذی لا عودة فیه. و ینبغی ان یعلم بالطبع ان کلمة (اتوماتیکیاً او تلقائیاً) انما یمکن اطلاقها فی هذه الموارد بالتعبیر المسامحی فقط، حیث اننا نعلم ان مثل هذه النتیجة هی الاثر المباشر لذلک السلوک.

الجواب التفصيلي

قبل البدء بالجواب لابد من الالتفات الی هذه الملاحظة و هی ما المراد من (کلمة اتوماتیکیاً أوتلقائیا)؟ فهل ان مرادنا تسریة هذه العبارة الی الموارد التی تکون نتیجة مباشرة لسلوک معین ایضاً، و نقول کمثال علی ذلک ان الانسان اذا دخل النار فانه یحترق اتوماتیکیاً و سیفنی بدنه و...؟

ان الله تعالی بعد ان خلق الناس حرم علیهم بعض التصرفات و جعل اقترافها مؤدیا للدخول فی جهنم. و نحن نعلم ان بعض المعاصی تشبه الطعام الفاسد یؤدی الاکثار منها الى فساد بصورة تدریجیة، و بعضها الآخر یحطم حیاة الانسان المعنویة کالانفجار المدمر فلم یمهله فرصة للتدارک. و من جانب آخر و نظراً للرحمة الالهیة الواسعة فقد فتح أمام الانسان بعض السبل التی یؤدی سلوکها الی الغاء بعض العقوبات أو تخفیفها.

و یعد تدارک الاضرار، و طلب العفو من المتضررین بسبب المعصیة، و بالتالی التوبة الی الله، من تلک السبل لتدارک المعصیة.

و بدیهی ان تکون هذه الموارد المتدارکة و خصوصاً التوبة، حاصلة قبل موت الانسان، و إن التوبة التی تقع عند الموت او بعده لا اثر لها.[1]

انطلاقا من ذلک کله، نعود الی معصیة الانتحار التی اشیر الیها فی متن السؤال.

فقد ورد عن الامام الباقر(ع) قوله "إِنَّ الْمُؤْمِنَ یُبْتَلَى بِکُلِّ بَلِیَّةٍ وَ یَمُوتُ بِکُلِّ مِیتَةٍ إِلَّا أَنَّهُ لا یَقْتُلُ نَفْسَهُ"[2]. و یقول الامام الصادق (ع) ایضاً فی هذا المجال: "مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ مُتَعَمِّداً فَهُوَ فِی نَارِ جَهَنَّمَ خَالِداً فِیهَا"[3].

و بعبارة أخری یمکننا ان نقول بتعبیر مسامحی، ان الانتحار معصیة تدخل الانسان تلقائیاً فی جهنم، و لکن لماذا؟

1-                  کما تقدم ذکره، فان امکان الغاء و تخفیف عقوبة المعاصی انما یحصل بالتوبة، و هذه التوبة یجب ان تقع قبل الموت، و لکن معصیة الانتحار تسلب من الانسان امکانیة الحیاة و تفوت علیه فرصة التوبة. و بعبارة أخری: ان الشخص حینما یرتکب مثل هذه المعصیة فانه یکون قد فوت آخر فرصة له فی الغاء العقوبة او تخفیفها، و یؤدی ذلک بطبعه الی دخوله جهنم.

2. ان الحیاة هبة ثمینة قدمت للانسان من قبل الله. و هذه الهدیة و الهبة فی الواقع تعد فرصة یمکن للانسان بواسطتها ان ینال اعلی درجات الکمال، و المنتحر باتلاف نفسه یفرط بهذه الفرصة الثمینة، و احتراقه فی النار هو فی الحقیقة نتیجة مباشرة لاتلافه هذه الفرصة، کما ان من یلقی بنفسه فی النار فان احتراق بدنه نتیجة مباشرة لسلوکه غیر المناسب. فکما ان سلب الحیاة جریمة لا تغتفر، کذلک سلب فرصة الحیاة من الآخرین ایضاً لها عقوبة لا یمکن الرجوع فیها. یقول الامام الصادق(ع): "لَا یَزَالُ الْمُؤْمِنُ فِی فُسْحَةٍ مِنْ دِینِهِ مَا لَمْ یُصِبْ دَماً حَرَاماً. و قَال: لا یُوَفَّقُ قَاتِلُ الْمُؤْمِنِ مُتَعَمِّداً لِلتَّوْبَةِ[4].

و بعض الذنوب مع انها لا تفوت امکان التوبة و لکنها تقلل من فرص نیلها، روی عن أبی عبد الله (ع) و قد سئل عن الرجل إذا شرب المسکر ما حاله؟ قال: "لا یقبل الله صلاته أربعین یوما و لیس له توبة فی الأربعین فإن مات فیها دخل النار"[5].

و فی الختام یمکننا ان نستنسج انه: نعم ان بعض الذنوب تؤدی الی دخول مرتکبها الی جهنم بصورة اتوماتیکیة، و لکن لیس بحیث ینتزع منها مفهوم الجبر، و التقلیل من مسؤولیة الشخص تجاه معصیته، بل ان هذا الدخول الاوتوماتیکی هو نتیجة مباشرة للسلوک الذی صدر من قبل العاصی، کما ان التحطم الاوتوماتیکی لبدن الشخص الذی یلقی بنفسه من مرتفع، لا ینفی مسؤولیته فی ذلک، و علی مبنی تجسم الاعمال او عینیة العمل و الجزاء، فان الجنة و النار فی الواقع هی نفس عمل الانسان و ان الانسان فی الحقیقة هو الذی یصنع باعماله الجنة و النار، و لیس انه قد قام بعمل و انه طبقاً لاتفاق مسبقاً سینال جزاؤه من جنة او نار. و علی هذا المبنی فان عبارة (اوتوماتیکیاً) ستفقد معناها فیما یرتبط بالذنوب.



[1] انظرالنساء ،18.

[2] الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی،ج3، ص112، ج8، دار الکتب الاسلامیة، طهران،136 5هش.

[3] نفس المصدر، ج7، ص45، ح1.

[4] نفس المصدر، ج7، ص272، ح7.

[5] الشیخ الصدوق، ثواب الاعمال، ص244، دار الرضی للنشر، قم،1406هق.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

  • ما هو الادلة التی تثبت صدور حدیث الغدیر؟
    6882 الکلام القدیم 2009/02/03
    واقعة الغدیر من الوقائع المعروفة التی اعلن فیها النبی الاکرم (ص) تنصیب الامام علی (ع) للخلافة بعد رسول الله (ص)، و لقد کان الحدث بمقدار من العظمة حتى انه رواه مائة و عشرة من الصحابة. لکن هذا لا یعنی انحصار الناقلین ممن کان مع الرسول فی تلک القضیة بهذا العدد، ...
  • ما هو رأی الإسلام بخصوص وجود کائنات حیة على الکواکب الأخرى؟
    10341 التفسیر 2008/05/18
    لایوجد جواب الجمالی لهذا السؤال، النقر الجواب التفصیلی ...
  • أرجوا ان تبینوا لی شیئاً مما یتعلق بمسجد جمکران و سبب بنائه.
    8217 تاريخ کلام 2008/07/27
    مسجد جمکران هو أحد الأمکنة المقدسة و المنتسبة إلی صاحب الزمان (عج)، و تأسیس هذا المسجد قبل اکثر من ألف عام بأمر من الامام (عج) فی الیقظة (لا فی المنام)، اما ما یختص بسبب البناء فیمکننا الاشارة الی الموارد التالیة:اولاً: ان للمجسد مقاماً خاصاً فی الثقافة الاسلامیة، فان القیمة ...
  • لماذا أجاب القرآن عن السؤال فیما یخص الأنفال عن ملکیتها؟
    5575 التفسیر 2010/07/15
    مع ملاحظة القرائن و الشواهد و دراسة التفاسیر لدى السنة و الشیعة یمکن الوصول الى نتجة مؤداها أن ماهیة (الأنفال) کانت معروفة قبل نزول الآیة، بل قبل ظهور الإسلام، و لذلک لا معنى للسؤال عنها، و إن السؤال عنها الوارد فی أول سورة الأنفال إنما هو عن ...
  • عدم نجاسة کل من المذی و الوذی و الودی
    8506 الحقوق والاحکام 2009/01/03
    هذه الامور الثلاثة: المذی و الوذی و الودی، و الأوّل هو ما یخرج بعد الملاعبة، و الثانی ما یخرج بعد خروج المنیّ، و الثالث ما یخرج بعد خروج البول، کلها طاهرة.نعم اذا اختلط الودی بالبول أو اتصل به فهو نجس من هذه الناحیة.کذلک قال الفقهاء انه اذا استبرأ ...
  • ما المقصود من أن الأئمة لیس لهم استقلال وجودی؟
    5372 الکلام القدیم 2011/06/14
    یأتی هذا البحث فی ذیل الأبحاث الخاصة بمقامات الأئمة (ع) حیث إننا نعتقد على أساس الروایات بمقامات خاصة للأئمة فی علمهم و قدرتهم و ولایتهم و مسائل أخرى ما قد یؤدی إلى توهم البعض باستقلالهم الذی یستلزم الشرک و من هنا تطرح قضیة عدم الاستقلال لرفع ذلک التوهم.
  • لماذا لم یؤلف الإمام کتاباً فی زمن الغیبة من أجل هدایة الناس؟
    7258 الکلام القدیم 2009/05/09
    لایوجد جواب الجمالی لهذا السؤال، النقر الجواب التفصیلی. ...
  • لماذا نذكر في الركوع اسم "العظيم" و في السجود اسم "الأعلى"؟
    21555 الکلام القدیم 2012/05/17
    السبب الرئيسي لترديدنا هذين الذكرين و هما "سبحان ربّي العظيم و بحمده" و "سبحان ربّي الأعلى و بحمده" في الركوع و السجود، هو الأمر الإلهي، فقد أكدت الروايات على الأمر بهذا الفعل. لكن و مع كونها أمراً إلهياً، من الممكن أن نعثر لها على حكم ما.
  • ما هی منزلة الألفاظ فی الوحی الإلهی؟
    6185 التفسیر 2009/12/01
    لکل شیء أربعة أنحاء من الوجود: الوجود اللفظی و الوجود الکتبی و الوجود الذهنی و الوجود الخارجی. و للوحی أیضاً هذه الأنحاء الأربعة من الوجود، و کمثال علی ذلک نقول حول الوجود الخارجی للقرآن أن هذا القرآن نزل علی النبی عن طریق الوحی بنفس هذه الألفاظ و له ...
  • هل صحیح أن الامام أمیر المؤمنین (ع) خاطب ولده العباس (ع) بقوله: "إنک ذخر لولدی الحسین"؟
    6535 تاريخ بزرگان 2011/10/06
    لاریب أن العباس بن علی (ع) جعل من نفسه وقفاً فی خدمة الاسلام و فی خدمة أخیه الحسین (ع) و تشهد مواقفه العظیمة یوم عاشوراء على مدى الاخلاص الذی کان یتحلى به تجاه أخیه الحسین (ع)، الأمر الذی جعل له منزلة خاصة حتى بین الشهداء و کما شهد بذلک ...

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    281402 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    261503 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    130443 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    118797 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    90293 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    62004 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    61826 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57938 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    53506 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • هل أن أكل سرطان البحر هو حرام؟
    49918 الحقوق والاحکام 2019/06/10
    لقد ورد معيار في أقوال و عبارات الفقهاء بخصوص حلية لحوم الحيوانات المائية حيث قالوا: بالاستناد إلى الروايات فان لحوم الحيوانات البحرية لا تؤكل و هذا يعني إن أكلها حرام[1]. إلا إذا كانت من نوع الأسماك التي لها فلس[2]، و ...