بحث متقدم
الزيارة
6330
محدثة عن: 2010/06/28
خلاصة السؤال
لماذا کان الامام علی (ع) یساعد الخلفاء قبله؟
السؤال
لماذا کان الامام علی (ع) یساعد الخلیفة الثانی وهو یعلم موقفه من السیدة الزهراء (س)؟ و لقد کانت هذه المساعدة بحد من الکثرة حتى أن الخلیفة الثانی کان یردد دائماً " لولا علی لهلک عمر" الامر الذی اتخذ ذریعة من قبل المخالفین لانکار شهادة الزهراء(س)! بل سمعت أن الحسنین علیهما السلام اشترکا فی الفتوحات الاسلامیة فی عصر! أرجو توضیح ذلک.
الجواب الإجمالي

لقد وضع الامام (ع) - طیلة حیاته- نفسه الشریفة و قدراته کافة فی خدمة الاسلام وتطوره و الحفاظ علیه وصیانته من أی خطر یحدق به. و إن تعاون الامام علیه السلام مع الخلفاء ینطلق من هذا الهدف السامی والهم الکبیر الذی کان یحمله (ع) وذلک لکی یقطع الطریق أمام النفعیین و المتربصین بالاسلام والمسلمین؛ ولکن هذا لا یعنی بحال من الاحوال أنه (ع) یرید أن یضفی الشرعیة على الخلفاء أو یؤید شخصیتهم الحقیقیة، بل کان علیه السلام یسجل اعتراضاته علیهم فی المواقع المناسبة. ویمکن إجمال العلل التی دعت الامام للتعاون مع الخلفاء بالامور التالیة: 1- المنع من تضییع حقوق الناس؛ 2- التعریف بحقیقة الاسلام؛ 3- الحفاظ على الوحدة الداخلیة مقابل الاخطار الداخلیة و الخارجیة.

الجواب التفصيلي

لایخفى على أحد مدى الإیثار و التضحیة التی یتحلى بها الامام (ع) من أجل الحفاظ على الاسلام. ففی الوقت الذی کان الدخول فی الاسلام یؤدی بصاحبة الى التعرض الى أشد المحن و الآلام و لم یکن الدخول فی الاسلام بالامر الهین ولایعد نزهة بل کان یعد مغامرة ومجازفة، فی تلک الفترة العصیبة نرى الامام (ع) أول من إعتنق الاسلام بعد الرسول (ص) وکان فی ذلک الوقت صبیاً، وتحمل مع النبی (ص) کل الصعاب والمشاکل. فمن المواقف التی عاشها (ع) مبیته فی فراش النبی (ص) لیقیه بنفسه ولیفشل على المشرکین خطتهم فی اغتیاله (ص). و فی الفترة المدنیة کان الرجل الاول فی المعارک التی خاضها المسلمون ضد المشرکین و کانت مواقفه البطولیة والفدائیة مشهودة للقاصی والدانی، وهکذا واصل (ع) مواقفه فی حمایة الدین والدفاع عنه الى آخر أیام حیاته المبارکة فلم یبخل ولم یتوان فی إعلاء کلمة الدین الحنیف وبذل الغالی و النفیس فی هذا المجال.

من هنا لابد أن یدرس موقف الامام (ع) فی مساندة الخلفاء من هذه الزاویة والخصوصیة التی یحملها (ع)

فاذا عرفنا أن فلسفة الامامة لیست مجرد الحکومة بل من مهام الامام حفظ الاسلام و التصدی لکل ما یؤدی الى انحرافه أو القضاء علیه، و السعی لهدایة البشریة بالاضافة الى المرجعیة العلمیة والثقافیة للمسلمین فلیس بغریب حینئذ على علی بن أبی طالب وبنیه أن یجندوا کل إمکانیاتهم وطاقاتهم فی سبیل نشر الإسلام، وإعلاء کلمته. فإذا اتجه الإسلام فی طریقه، فلیس لدیهم ما یمنع من أن یکونوا جنوداً فی سبیله، حتى ولو مسهم الجور والأذى وقد قال أمیر المؤمنین أکثر من مرة: والله لأسالمنَّ ما سلمت أمور المسلمین ولم یکن جور إلا علیَّ خاصة» " [1]

ویمکن اجمال العوامل التی دعت الامام (ع) لمساندة الخلفاء و التعاون معهم فی الامور الثلاثة التالیة:

1- حفظ حقوق الناس من الضیاع:

شاهد الامام (ع) فی کثیر من الاحیان تعرض حقوق الناس للضیاع بسبب الاجتهادات الخاطئة الامر الذی دعاه للتدخل فی الامر و الحفاظ على تلک الحقوق. فعلى سبیل المثال لما " أمر عمر برجم امرأة حامل کانت قد زنت فنهاه علی - علیه السلام - وقال له: إن کان لک علیها سبیل فلیس لک على ما فی بطنها سبیل أمهلها إلى أن تضع وترضع. فامتثل عمر وقال: "لولا علی لهلک عمر ". [2] ولاریب انه لولا تدخل الامام (ع) فی هذه الحادثة وامثالها لقتل انسان بریء بسبب الاجتهاد الخاطئ.

 

2- التعریف بالاسلام الواقعی

کانت لارشادات الامام (ع) ومواقفه التصحیحیة فی الامور القضائیة وغیرها الدور البارز فی التعریف بحقیقة الاسلام و تعرف الناس على احکامه الصحیحة.

 

3- الحفاظ على الوحدة الاسلامیة وصیانتها من التهدیدات الداخلیة والخارجیة

لم یکن الامام (ع) یفکر بحقوقه الشخصیة، بل کان جل اهتمامه وتفکیره منصباً على الاسلام و المجتمع الاسلامی. فبعد رحیل النبی الاکرم (ص) واجه الاسلام موجة من الاخطار الخارجیة و الداخلیة.   ف من الواضح لکل مطلع على أوضاع الامّة الإسلامیّة أنّ الدولةالإسلامیّة الحدیثة التأسیس کانت محاصرة من جهتی الشمال والغرب بأکبر إمبراطوریّتین هما الامبراطوریّتان الرومانیة، وإلایرانیة.هذا من الخارج.

وأمّا من الداخل؛ فقد کان الإسلام والمسلمون یعانون من جماعة المنافقین الذین کانوا یشکّلون العدوّ الداخلی المبطّن لضرب الاسلام من الداخل و التآمر علیه لتمزیق الوحدة الداخلیة. من هنا نرى الامام یقف وبکل صلابة للتصدی لتلک الاخطار التی احاطت بالامة، وقد کتب الى أبی موسى الاشعری قائلاً: "   وَ لَیْسَ رَجُلٌ فَاعْلَمْ أَحْرَصَ عَلَى جَمَاعَةِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ (ص)وَ أُلْفَتِهَا مِنِّی". [3]

انطلاقاً من ذلک کله کانت مساندة الامام ومؤازرته وتقدیمه النصح و المشورة للخلفاء من قبله، ولقد اشار (ع) الى هذه الحقیقة حیث قال: "   أمّا بعد، فإنّ اللّه سبحانه بعث محمّدا، صلّى اللّه علیه و آله و سلّم، نذیرا للعالمین، و مهیمنا على المرسلین، فلمّا مضى علیه السّلام تنازع المسلمون الأمر من بعده، فو اللّه ما کان یلقى فى روعى و لا یخطر ببالى أنّ العرب تزعج هذا الأمر من بعده صلّى اللّه علیه و آله و سلّم عن أهل بیته و لا أنّهم منحّوه عنّى من بعده فما راعنى إلّا انثیال النّاس على فلان یبایعونه، فأمسکت یدی حتّى رأیت راجعة النّاس قد رجعت عن الإسلام یدعون إلى محق دین محمّد، صلّى اللّه علیه و آله و سلّم، فخشیت إن لم أنصر الإسلام و أهله أن أرى فیه ثلما أو هدما تکون المصیبة به علىّ أعظم من فوت ولایتکم الّتى إنّما هى متاع أیّام قلائل یزول منها ما کان کما یزول السّراب أو کما یتقشّع السّحاب، فنهضت فى تلک‏ الأحداث حتّى زاح الباطل و زهق، و اطمأنّ الدّین و تنهنه‏". [4]

یستفاد من کلامه علیه السلام أن الامام علیه السلام لما رأى و منذ الایام الاولى أن حیاة الاسلام فی خطر تصدى للذب عنه سواء على مستوى الحروب الدفاعیة أو حروب فتح البلدان فکان یقف الى جانب الخلفاء یرشد ویسدد بل قد ارسل أبناءه للاشتراک فیها کما ذکرت ذلک بعض المصادر التاریخیة. [5] الا انه لایوجد دلیل معتبر یثبت اشتراک الحسنین علیهما السلام فی فتح بلاد فارس.

والجدیر بالذکر أن الامام مع کل اسناده و دعمه للخلفاء کان یوجه اللوم والنقد الیهم إن وجد الفرصة مواتیة لذلک فکان یسجل اعتراضه علیهم.

لمزیط الاطلاع انظر:

1- الامام علی (ع) و الفتوحات الاسلامیة، رقم السؤال 1791 (الموقع: 3915).

2- سکوت الامام وعدم مخالفته عند تصدیقه للخلافة، رقم السؤال 1585( الموقع 2851).



[1] جعفر مرتضى العاملی، الحیاة السیاسیة للامام الحسن (ع)، ص11.

[2] العلامة الحلی، کشف المراد، ص 512،  الطبعة العاشرة ، مؤسسة النشر الاسلامی، قم، 1425ه.ق.

[3] نهج البلاغ ة،   رقم الکتاب 78،من کتاب له (ع) إلى أبی موسى الأشعری‏.

[4] نهج البلاغ ة، من کتاب له ع إلى أهل مصر مع مالک الأشتر- لما ولاه إمارتها، رقم الکتاب 62.

[5] دحلان، الفتوحات الاسلامیة، ج 1، ص 175، ناشر مصطفی محمد، مصر.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279478 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257351 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128206 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113333 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89037 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59893 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59599 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56892 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49836 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47202 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...