بحث متقدم
الزيارة
6747
محدثة عن: 2012/05/05
خلاصة السؤال
ما هو الفرق بین الاشرار و الفجار فی حدیث أمیر المؤمنین علي (ع): (مجالسة الاشرار تورث سوء الظن بالاخیار)؟
السؤال
ما هو الفرق بین الاشرار و الفجار في حدیث أمیر المؤمنین علي (ع): (مجالسة الاشرار تورث سوء الظن بالاخیار).
الجواب الإجمالي

الشر هو عبارة عن الشيء الذي یتجنبه الجمیع، کما ان الخیرهو ما یرغب فیه الجمیع. و القوم الاشرار هم الناس المثیرون للفتن. و قد فسر البعض ایضاً الشر بانه نقیض الخیر، أي انه هو السوء و الفساد و الظلم. و أما لفظ (الفجور) فهو في الاصل بمعنی الشق الواسع في داخل الشيء، و یطلق الفجور ایضاً علی الذنوب، لانها تتسبب في انحراف و انشقاق غطاء دین الانسان و ستاره. و قد استعمل هذان اللفظان بصورة مترادفة ایضاً في القرآن و الروایات.

الجواب التفصيلي

ورد في روایة عن أمیر المؤمنین (ع) أنه قال: "مجالسة الاشرار تورث سوء الظن بالاخیار..." فقد جعل الاشرار في قبال الاخیار، و الابرار في قبال الفجار. و بناء علی هذا فنحن نتعرض اولاً الی توضیح معاني هذه الالفاظ و مصادیق موارد استعمالاتها ثم نذکر الفرق بینها.

الاشرار جمع شریر و هي صفة مشبهة من الشر. و قد وردت هذه اللفظة في القرآن مع مشتقاتها 31 مرة، منها 29 مرة  مشتقة من کلمة (الشر) و موردان منها من (الشرر) و (الاشرار). و بناءًعلی قول الراغب في المفردات فان الشر عبارة عن الشيء الذي یتجنبه الجمیع، کما ان الخیر هو الذي یرغب فیه الجمیع. و القوم الاشرار هم الناس المثیرون للفتن.[1] و فی مجمع البحرین فسر الشر بانه نقیض الخیر أي هو السوء و الفساد و الظلم.[2]

و أما لفظة (الفجور) فقد ورد في القرآن مع مشتقاتها 24 مرة و هي في الاصل بمعنی الشق الواسع في داخل الشيء. و یری الراغب ان الفجور یطلق علی الذنوب ایضاً، لانها تتسبب في انحراف و انشقاق غطاء دین الانسان و ستاره.[3]

و قد استعملت هذه الکلمة في القران الکریم في معناها الحقیقي و الالتزامي، و من موارد ذلک ما یلي:

مصادیق استعمال الفجور في المعنی الحقیقي:

1- "وَ فَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً" [4].

2- "وَ فَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَرا"[5].

3- "فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْنا"[6].

مصادیق معنی الفجور في المعنی الالتزامي:

1- "أَمْ نَجْعَلُ الَّذينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقينَ كَالْفُجَّارِ" [7].

2- "إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَ لا يَلِدُوا إِلاَّ فاجِراً كَفَّاراً".

3- "بَلْ يُريدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَه"‏[8].

و قال بعض المفسرین في تفسیر الآیة المبارکة "ان کتاب الفجار لفي سجین":. إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ جمع فاجر، و هو العاصي للّه سبحانه، سواء كان بالكفر أو الإثم، و المراد بكتابهم ما أدرج فيه أسماؤهم و خصوصياتهم لَفِي سِجِّينٍ و هو السجل على جهة التخليد فيه، يعني أنه قرر لهم السجن الأبدي، و هكذا سجل أسماؤهم بأنهم في سجين‏[9]. و قد استعملت کلمة الاشرار و الفجار في الروایات ایضاً في المعنیین (الکفار و العصاة)[10].

و اما الحدیث الذي ورد في السؤال فاننا نورد النص الکامل له ثم نقوم بتوضیحه:

نقل المرحوم الصدوق هذه الروایة بالنحو التالي:عن محمد بن قيس، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر، عن أبيه، عن جده ( علیهم السلام) قال: قال أمير المؤمنين (ع): مجالسة الأشرار تورث سوء الظن بالأخيار و مجالسة الأخيار تلحق الأشرار بالأخيار، و مجالسة الفجار للأبرار تلحق الفجار بالأبرار، فمن اشتبه عليكم أمره و لم تعرفوا دينه فانظروا إلى خلطائه فإن كانوا أهل دين الله فهو على دين الله و إن كانوا على غير دين الله فلا حظ له في دين الله، إن رسول الله (ص) كان يقول من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر فلا يؤاخين كافراً و لا يخالطن فاجراً، و من آخى كافراً أو خالط فاجراً كان كافراً فاجراً[11].

إن استعمال الکلمات المتشابهة أمر شائع في کلام المعصومین (ع) و في ذلک یوجد احتمالان:

  1. ان یکون الاستعمال لاجل التأکید، و بناءً علی هذا فمن الممکن ان تکون الکلمتان (الاشرار و الفجار)  مترادفتین.یقول أمیر المؤمنین علي (ع) في حدیث: " إن الأخيار يقتلون الأشرار و الأشرار يقتلون الأخيار، فويل لمن قتله الأخيار، و طوبى لمن قتله الأشرار و الكفار" [12].

ففي هذا الحدیث ذکر الاشرار و الکفار جنب الی جنب مع ان هناک فرقاً في المعنی بین هاتین الکلمتین.

2- ان کلمة الفجار و إن استعملت مترادفة مع کلمة الاشرار، و لکن ربما کان المراد من الاشرار هم الذین اشتهروا بهذا الاسم بسبب کثرة اعمالهم الشریرة، و أما الفاجر فهو من لم تصل مخالفاته الی تلک الدرجة، و یصدق عنوان الفاجر علی مطلق مرتکبي المعاصي و لو لم تصل معاصیهم الی حد الاشتهار. و المراد بسوء الظن بالابرار بسبب مجالستهم للفجار في الروایة مورد البحث، هو انهم بسبب هذه المعاشرة و المجالسة فانهم سیکونون بنظر الناس من المشهورین بالسوء. و أما في الحالة المعاکسة " مجالسة الاشرار مع الابرار" و التحاقهم بالاخیار فانه سیلحقهم بالاخیار، و في الغالب یکون الامر کذلک، فان تأثیر الاخیار علی غیرهم اکثر. و ربما کان الحاق الفجار بالابرار ایضاً هو بسبب ان الفجار لیسوا کالاشرار من جهة التلوث بالذنوب، و لهذا تؤدي مجالستهم للابرار الی الابتعاد عن الفجور و الالتحاق بالابرار.

 


[1] الراغب الاصفهاني،الحسین بن محمد، المفردات فی غریب القرآن، ص448، دار العلم والدار الشامیة، دمشق، بیروت، 1412ق.

[2] الطریحي، فخر الدین، مجمع الببحرین، ج3، ص344، مکتبة المرتضوي، طهران، 1375ش.

[3] المفردات، ص448.

[4] القمر: 12.

[5] الکهف: 33.

[6] البقرة: 60.

[7] ص: 28.

[8] القیامة: 5.

[9] الحسیني الشیرازي، السید محمد، تقریب القرآن الی الاذهان، ج5، ص636، دار العلوم، بیروت، 1424ق.

[10] لاحظ: المجلسي، محمد باقر، بحار الانوار، ج73، ص214، مؤسسة الوفاء، بیروت، 1404ق، الکلیني، محمد بن یعقوب، الکافي، ج8، ص12، دار الکتب الاسلامیة، طهران، 1365ش.

[11] الشیخ الصدوق، صفات الشیعة، ص5، منشورات الاعلمي، طهران.

[12] الاربلي، علی بن عیسی، کشف الغمة، ج1، ص208، مکتبة بني هاشمي، تبریز، 1381ش.

 

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279478 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257348 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128204 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113332 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89037 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59893 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59599 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56891 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49836 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47201 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...