بحث متقدم
الزيارة
4726
محدثة عن: 2016/07/19
خلاصة السؤال
ما رأیکم الطیب بما ذکره الشیخ مرتضى الانصاری (قدس) فی قاعدة التسامح؟
السؤال
ما مدى صحة روایة نطح السیدة زینب علیها السلام بالمحمل؟ قال أحد السادة (موقع المشکاة): و روایة النطح مثل روایة قتل الشمر لسیّد الشهداء (ع) فهی روایة غیر صحیحة السند و لکن ذلک لا یضر بها و لا بصحة نقلها. قال الشیخ مرتضى الأنصاری قدس سره فی التنبیه الرابع من رسالته التسامح فی أدلة السنن بعد نقله لعبارة الشهید الثانی قدس سره الدالة على أن الأکثر یرى جواز العمل بالخبر الضعیف فی القصص قال ما یلی: المراد بالعمل بالخبر الضعیف فی القصص و المواعظ هو نقلها و استماعها و ضبطها فی القلب و ترتیب الآثار علیها عدا ما یتعلق بالواجب و الحرام. س/ما رأیکم الطیب بما تقدم من کلام؟
الجواب الإجمالي
معنى القاعدة هو إعمال المسامحة و المساهلة بالنسبة إلى سند الروایات الدالّة على الحکم الاستحبابیّ، فکلّ روایة أفادت حکما مستحبّا إذا کان فی سندها خلل لا تترک تلک الروایة و لا تسقط عن الاعتبار؛ و ذلک لا لأجل کونها حجّة معتبرة بل على أساس التسامح فی أدلّة السنن الثابت بالدلیل الخاص. و المشهور بین الفقهاء جریانها للحکم بالاستحباب و الکراهة العملیة. و بعد أن خاض العلماء فی مدى سعة القاعدة و دائرة تطبیقها من المستحبات الى المکروهات حاول البعض منهم توسیع الدائرة لتشمل القصص و المواعظ و الحکایات  والتاریخ إلا ان مشهور العلماء على خلاف ذلک.
نعم، لا بأس بذلک  إن أرید مطلق حکایة الأخبار الضعیفة فی هذه الأمور، و لا کلام فیه ما لم یفهم الثبوت واقعا أو الإسناد إلى الشارع، و ترتیب الآثار الوارد فی کلام الشیخ الانصاری یراد منه ترتیب الآثار على الروایات الضعیفة المرویة عن المعصومین علیهم السلام لا على کل نقل تاریخی. و المتحصل من ذلک أن مجرد جواز النقل التاریخی الضعیف لا یبیح للفقیه الافتاء و فقا لذلک النقل والقول باستحباب التطبیر مثلا استنادا الى الراویة الضیعفة التی اشارت إلى نطح السیدة زینب (س) رأسها بالمحمل.
 
الجواب التفصيلي
تقتضی الاجابة عن السؤال المطروح تحدید المراد من قاعدة "التسامح فی أدلة السنن" بصورة اجمالیة ثم التعرّض لحدود استعمالاتها و مواقف الفقهاء منها.
قاعدة " التسامح فی أدلة السنن"
هناک سلسلة من الروایات و ردت و بأسانید مختلفة عن المعصومین علیهم السلام مفادها "من بلغه ثواب فعمله کان له ذلک مثل ذلک الثواب"[1] و قد اطلق الاصولیون و المحدثون على هذه الطائفة من الاخبار عنوان "أخبار من بلغ" و استنبط البعض منهم قاعدة عامّة تحت عنوان "التسامح فی أدلة السنن"، منها صحیحة هشام بن سالم عن الإمام الصادق (ع) قال: " من بلغه عن النبی (ص) شی‏ء من الثواب فعمله کان أجر ذلک له و إن کان رسول الله (ص) لم یقله.[2]
و بعبارة أوضح معنى القاعدة هو إعمال المسامحة و المساهلة بالنسبة إلى سند الروایات الدالّة على الحکم الاستحبابیّ، فکلّ روایة أفادت حکما مستحبّا إذا کان فی سندها خلل لا تترک تلک الروایة و لا تسقط عن الاعتبار؛ و ذلک لا لأجل کونها حجّة معتبرة بل على أساس التسامح فی أدلّة السنن الثابت بالدلیل الخاص.[3] و المشهور بین الفقهاء جریانها للحکم بالاستحباب و الکراهة العملیة.[4] و قد ناقش فی أصل القاعدة و رفضها مجموعة من کبار العلماء منهم الشیخ یوسف البحرانی صاحب الحدائق و السید الخوئی و السید العاملی صاحب المدارک.
جریان القاعدة فی القصص و الحکایات
بعد أن خاض العلماء فی مدى سعة القاعدة و دائرة تطبیقها من المستحبات الى المکروهات حاول البعض منهم توسیع الدائرة لتشمل القصص و المواعظ و الحکایات  والتاریخ، نشیر الى بعض کلمات الفقهاء فی هذا الخصوص، منها:
1. رأی الشهید الثانی (المتوفى 966ق)
قال رحمه الله: جوّز الأکثر العمل بالضعیف فی نحو القصص و المواعظ و فضائل الأعمال، لا فی صفات الله و الحلال والحرام، و هو حسن حیث لا یبلغ حدّ الوضع و الاختلاق، لما اشتهر بین العلماء من التساهل بأدلّة السنن، و لیس فی المواعظ و القصص غیر محض الخیر، و لأخبار من بلغ المرویة من الخاصّة و العامة.[5]
2. رأی المولى أحمد النراقی (المتوفى 1245ق)
قال فی عوائد الأیام: ذکرنا فی الکتب المذکورة أنّ التسامح مخصوص بما ذکر من المستحبات و المکروهات، و لا یتعدّى إلى غیرهما من القصص و الوعظ و التعزیة، بمعنى الحکم بمدلول الأخبار الضعیفة فیها، کما یحکم بالمسائل الشرعیة المستحبة أو المکروهة.
و صرّح والدی العلّامة[6] - قدّس سرّه- بجواز التسامح فی هذه الأمور أیضا ما لم یعلم الکذب، و کذلک صاحب کتاب الرعایة على ما حکی عنه[7]. و قد ذکرنا فی موضعه: أنّ أدلة التسامح التی ذکروها من الأخبار لا تعم ذلک. و إن أرید مطلق حکایة الأخبار الضعیفة فی هذه الأمور، فلا کلام فیه ما لم یفهم الثبوت واقعا أو الإسناد إلى الشارع.[8]
3. الشیخ الانصاری (المتوفى 1281ق)
قال رحمه الله فی معرض شرحه لکلام الشهید الثانی المذکور: المراد بالخبر الضعیف فی القصص و المواعظ هو نقلها و استماعها و ضبطها فی القلب و ترتیب الآثار علیها، عدا ما یتعلّق بالواجب و الحرام.[9]
ثم قال: و الحاصل: أنّ العمل بکلّ شی‏ء على حسب ذلک الشی‏ء، و هذا أمر وجدانیّ لا ینکر، و یدخل حکایة فضائل أهل البیت علیهم السلام و مصائبهم، و یدخل فی العمل الإخبار بوقوعها من دون نسبة إلى الحکایة على حدّ الإخبار  بالأمور الواردة بالطرق المعتبرة، بأن یقال: کان أمیر المؤمنین علیه السلام یصلّی کذا و یبکی کذا، و نزل على مولانا سیّد الشهداء علیه السلام کذا و کذا. و لا یجوز ذلک فی الأخبار الکاذبة، و إن کان یجوز حکایتها، فإنّ حکایة الخبر الکاذب لیس کذبا، مع أنّه لا یبعد عدم الجواز إلّا مع بیان کونها کاذبة.[10]
التمسک بالقاعدة فی الاخبار الضعیفة المتعلقة بوقائع عاشوراء
حاول البعض من خلال تعمییم القاعدة للاخبار و القصص و المواعظ و ذکر المصاب کتاریخ عاشوراء – التی تعد من أبرز معالم التاریخ و الثقافة الشیعیة- و من خلال الاستفادة من الاطلاقات المتعلقة بقیمة البکاء و الابکاء على الحسین علیه السلام من خلال القصص التی تثیر البعد العاطفی و تهیّج الحزن لدى المتلقی بقصص خرافیة تشوّه صورة الواقعة و تحط من قیمة الثورة الحسینیة و احداث کربلاء. و تمثل ذلک بنقل بعض الحوادث استنادا إلى قاعدة التسامح تلک منها روایة ضرب السیدة زینب علیها السلام بالمحمل حینما رأت رأس أخیها الحسین علیه السلام محمولا على الرمح...." فقد حاول البعض تأیید الروایة استنادا إلى القاعدة المذکورة للانتهاء فی نهایة المطاف الى القول باستحباب التطبیر، و الحال أن کلمات العلماء الکبار واضحة فی عدم امکانیة القول باستحباب التطبیر بهذه الطریقة من الاستدلال و استنادا إلى النقل التاریخی.[11] و ذلک:
أولا: قاعدة التسامح – کما مر- تتعلق بالروایات الضعیفة المرویة عن النبی الاکرم (ص) و الأئمة المعصومین (ع) لا المتعلقة بالنقول التاریخیة التی لا تستند إلى المعصومین علیهم السلام. و المراد من ترتیب الآثار الوارد فی کلام الشیخ الانصاری یراد منه ترتیب الآثار على الروایات الضعیفة المرویة عن المعصومین علیهم السلام لا على کل نقل تاریخی.
ثانیاً: ما نسب الى السیدة الحوراء زینب (س) من ضرب رأسها بالمحمل غیر تام سنداً.[12]
الحاصل:
لا اشکال فی نقل تلک الوقائع لغرض اثارة العاطفة استنادا إلى قاعدة التسامح، و لکن لا یمکن الاستناد الى تلک النقول للافتاء باستحباب او جواز التطبیر. و الجدیر بالذکر أن هذا لا یعنی بالضرورة متابعة القضیة التاریخیة متابعة دقیقة على حد الشعرة کما یقال کما لا ینبغی التساهل أیضا بنحو یتم فیه الاعتماد على الغث وواضح البطلان فی اثبات بعض الامور کالتطبیر و الامور التی التی لا تنسجم مع اصول الشریعة.
 

[1] الشیخ الصدوق، ثواب الاعمال و عقاب الأعمال، ص 132، قم، دار الشریف الرضی للنشر، الطبعة الثانیة، 1406ق؛ البرقی، أبو جعفر أحمد بن محمد بن خالد، المحاسن، ج ‏1، ص 25، قم، دار الکتب الإسلامیة، الطبعة الثانیة، 1371ق؛  الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی، ج ‏2، ص 87، طهران، دار الکتب الإسلامیة، الطبعة الرابعة، 1407ق.
[2] المحاسن للبرقی، ج1، ص25.
[3] کاظم مصطفوی،  مائة قاعدة فقهیة، ص: 94
[4] النراقی، أحمد بن محمد مهدی‌، عوائد الایام فی بیان قواعد الأحکام، ص 793، قم، نشر دفتر التبلیغ الإسلامی، الطبعة الأولى‌، 1417ق؛ الأنصاری، مرتضى بن محمد امین‏، فرائد الأصول‏، ج ‏2، ص 156، قم، مجمع الفکر الاسلامی‏، الطبعة التاسعة‏، 1428ق؛ کفایة الأصول (طبع آل البیت )، ص 352 – 353.
[5] العاملی (الشهید الثانی)، زین الدین بن علی، الرعایة فی علم الدرایة، ص 94، قم، مکتبة آیة اللّه المرعشی النجفی 1413ق‏؛ الأنصاری، مرتضى، رسائل فقهیة، ص 157 – 158، قم، مجمع الفکر الاسلامی، الطبعة الرابعة، 1389ش.
[6] صرّح به فی أنیس المجتهدین فی الباب الثانی من البحث الثانی، فائدة: المشهور بین الخاصة و العامّة التسامح فی أدلة السنن. و الکتاب مخطوط یوجد فی مکتبة آیة اللّه المرعشی، تحت رقم 4216.
[7] الرعایة فی علم الدرایة: 94.
[8] عوائد الأیام فی بیان قواعد الأحکام، ص: 793- 794.
[9] رسائل فقهیة، ص158.
[10] نفس المصدر.
[11] انظر: حکم التطبیر فی العصر الحاضر رقم السؤال 728؛ مفهوم وهن الدن و المذهب رقم السؤال 7397.
[12] انظر: السؤال رقم 3924 تحت عنوان: ما رأیت الا جمیلا.
س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279429 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257214 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128130 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113226 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    88984 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59826 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59539 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56849 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49717 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47157 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...