بحث متقدم
الزيارة
6165
محدثة عن: 2011/12/31
خلاصة السؤال
ما هی السبل المناسبة للتخلص من التسرّع و العجلة؟
السؤال
ما هی السبل المناسبة للتخلص من التسرّع و العجلة؟
الجواب الإجمالي

العجلة و التسرّع من الصفات غیر الحمیدة التی تتجلى فی سلوکیات الانسان بصور مختلفة؛ بمعنى أن الانسان یشرع فی العمل و یدخل فی القضیة التی تواجهه قبل التأمل فیها و من دون توفیر المقدمات المناسبة لنجاحها، و هذا هو الفارق بین العجلة و بین الاقدام على العمل، فان الاقدام و عدم ضیاع الفرص یأتی بعد اعمال نظر و تأمل فی القضیة و دراستها من جمیع الزوایا. فالعجلة تقابل التأنی و الطمأنینة و اعمال الفکر فی القضایا.

ثم ان الالتفات الى الاثار السلبیة و المخاطر المترتبة على العجلة من جهة، و قیمة التأنی و الصبر و التؤدة، و الالتفات الى کون هذه الصفات من صفات الانبیاء و الصالحین من جهة أخرى، یؤدیان الى خلق حالة من التوازن فی شخصیة الانسان بحیث لا یقدم على عمل الا و قد استکمل دراسة ابعاده، فاذا ما التزم الانسان بهذا المنهج فترة من حیاته فحینئذ یتحول من انسان عجول و متسرع الى انسان یعیش الوقار و الطمأنینة فی جمیع شؤون حیاته و تتحول تلک الحالة الى ملکة راسخة عنده.

الجواب التفصيلي

العجلة و التسرّع من الصفات غیر الحمیدة التی تتجلى فی سلوکیات الانسان بصور مختلفة؛ بمعنى أن الانسان یشرع فی العمل و یدخل فی القضیة التی تواجهه قبل التأمل فیها و من دون توفیر المقدمات المناسبة لنجاحها، فلا یحصل الا على نتائج ناقصة او الفشل التام؛ فیکون کمجتنی الثمرة قبل إیناعها الذی لا یحصل منه الا ضیاع الثمرة او الانتفاع الناقص بها، او یکون کناثر البذر قبل اعداد الارض و اصلاحها.

یقول أمیر المؤمنین (ع) فی وصف من لم یمهد الارضیة الکاملة للعمل و یستعجل الامور: " وَ مُجْتَنِی الثَّمَرَةِ لِغَیْرِ وَقْتِ إِینَاعِهَا کَالزَّارِعِ بِغَیْرِ أَرْضِهِ".[1]

و قد أثبت کل من العقل و التجربة و الدین قبحَ التسرّع و العجلة و الانعکاسات السلبیة و النتائج الوخیمة المترتبة علیها، و ضرورة التصدی لها و التخلص منها؛ یقول الراغب الاصفهانی: العَجَلَةُ: طلب الشی‏ء و تحرّیه قبل أوانه، و هو من مقتضى الشّهوة، فلذلک صارت مذمومة فی عامّة القرآن.[2]

و عن أمیر المؤمنین (ع): " أشد الناس ندامة و أکثرهم ملامة العجل النزق الذی لا یدرکه عقله إلا بعد فوت أمره" و قال (ع) ایضاً: " من الحمق [الخرق‏] العجلة قبل الإمکان".[3]

و عن الرسول الاکرم (ص) أنه قال: " الإناءة من الله و العجلة من الشیطان".[4]

فاذا التفت الانسان الى الآثار الوخیمة المترتبة على العجلة سوف یبتعد عنها و ینتقل من حالة العجلة و التسرّع الى الجهة المقابلة لها و هی الهدوء و الإناءة و الوقار و الطمأنینة.

عاقبة و مصیر العجلة

لاریب أن الخصال الشیاطنیة خصال مدمرة و ذات مردودات سلبیة و هدامة کثیرة، و هذه الخصال بالاضافة الى قبحها بنفسها تنطوی على نتائج لا قیمیة تزید من قبحها و شناعتها، و ینبغی هنا الالتفات الى بعض الآثار السلبیة للعجلة و التی اشار الیها أمیر المؤمنین (ع) فی کلماته القصار و حکمه النیرة:

1. الندم: «إِیَّاک‏ وَ الْعَجَلَ فَإِنَّهُ عُنْوَانُ الْفَوْتِ وَ النَّدَم‏».[5]

لاریب أن الاعمال التی تصدر من دون رویّة و لا تدبر و امعان نظر، تجر الى الخسران و عدم الفلاح و یکون حاصلها الندم، اضف الى ذلک ضیاع الفرص الذهبیة من الانسان و لا یمکن للانسان ان یعوض ذلک.

2. الفشل: «قَلَّ مَا تَنْجَحُ حِیلَةُ الْعَجُولِ».[6]

إن العجلة و التسرع تسببان عدم دراسة القضیة دراسة متأنیة و عدم معرفة ابعادها مما یؤدی بالنتیجة الى عدم وعی اسباب الخلل و الضعف و النقص فی المعالجة و عدم وضع الحل الناجع للمشکلة، و من هنا تکون النتیجة الطبیعیة للعجلة فشل الحرکة و عدم النجاح فی المسعى.

3. الزلل: "کَثْرَةُ الْعَجَلِ یُزِلُّ".[7] و "قَلَّ مَنْ عَجِلَ إِلا هَلَک‏".[8]

4. الغصّة و الغم: «الْعَجَلُ قَبْلَ الْإِمْکَانِ یُوجِبُ الْغُصَّة».[9]

ان النشاط و الحیویة یعدان من ضروریات الحیاة، و لا یمکن للانسان مواصلة المسیر التکاملی و هو یعیش حالة من الغم و الغصص النفسیة، و من القبیح أن یستبدل الانسان النشاط و الحیویة بالغم و الغصص.

و قد اشار أمیر المؤمنین (ع) الى الانعکاسات السلبیة لظاهرة التسرع و العجلة بصورة مفصلة، نکتفی بما ذکرناه – رعایة للاختصار- و نحیل القارئ الى مراجعة کتاب غرر الحکم فی هذا المجال.

ثم ان النقطة المقابلة للعجلة تکمن فی التثبت و الإناءة، بمعنى التأمل فی القضیة و امعان النظر و اعمال الفکر فی المسائل التی تواجه الانسان و طبیعة الحلول المقترحة لها.

روی عن الرسول الاکرم (ص) أنه قال: " إنما أهلک الناس العجلة و لو أن الناس تثبتوا لم یهلک أحد".[10]

و من الواضح ان الروایة تؤکد أن اشد الاضرار انما تأتی بسبب العجلة و عدم التثبت.

و لم یقتصر الامر على کلمات الرسول الاکرم (ص) و الامام أمیر المؤمنین (ع)، بل نجد سائر الائمة (ع) قد تعرضوا لذم العجلة و بیان مخاطرها، فقد روی عن الامام الصادق (ع) أنه قال: "... و من ابتدأ بعمل فی غیر وقته کان بلوغه فی غیر حینه".[11]

اتضح مما مرّ أن طریق سعادة الانسان یکمن فی عدم تسرعه و امعانه النظر و التأمل فی الامور التی تواجهه و التحرک بقدم متأنیة مع الالتفات الى المخاطر التی تسببها العجلة، فیدرس القضیة من جمیع ابعادها و یتجنب الاحکام المسبقة و المعالجات المتسرعة و یتذکر دائما تلک العواقب الوخیمة التی تترتب على العجلة، ثم الالتفات الى القیم المقابلة للعجلة و ما یترتب علیها من ثمار ایجابیة کبیرة، کالوقار و الطمأنینة و الهدوء، و لیتذکر بان تلک الصفات من صفات الانبیاء و الصالحین، و من هنا یتخذ القرار و یتعاهد مع نفسه بالا یدخل فی عمل ما الا بعد التأمل فیه و اعمال الفکر و دراسته من جمیع الجوانب، و اذا ما اعتمد الانسان هذا المنهج الحیاتی الصحیح لفترة طویلة فسوف تترسخ عنده صفة الوقار و ملکة الهدوء و عدم العجلة.

و فی الختام نشیر الى قضیة ضرورة جدا، و هی: أنه لابد ان نفرق بین العجلة و التسرع من جهة و بین القیام بالاعمال فی وقتها و عدم توفیت الفرص المتاحة، و هذا الفارق یمکن فی کون العجلة تعنی الخوض فی الامر من دون رویة و تأمل، و أما السرعة و القیام بالاعمال فی و قتها و عدم ضیاع الوقت فیعنی القیام بالعمل بسرعة و لکن بعد اعداد المقدمات اللازمة للفعل، و اغتنام الفرص التی حث علیها أئمة الدین:

1. روی عن رسول الله (ص) أنه قال: " یا أبا ذر، اغتنم خمسا قبل خمس شبابک قبل هرمک، و صحتک قبل سقمک، و غناک قبل فقرک، و فراغک قبل شغلک، و حیاتک قبل موتک".[12]

2. عن أمیر المؤمنین (ع): " انتهزوا فرص الخیر فإنها تمر مر السحاب".[13]

3. و عنه (ع): " التؤدة ممدوحة فی کل شی‏ء إلا فی أفعال البر".[14]

4. عن الامام الباقر (ع) أنه قال: " إِذَا هَمَمْتَ بِخَیْرٍ فَبَادِرْ فَإِنَّکَ لا تَدْرِی مَا یَحْدُثُ".[15]

5. و عن الامام الصادق (ع) فی هذا المجال: "َ مَنْ هَمَّ بِخَیْرٍ فَلْیُعَجِّلْهُ وَ لا یُؤَخِّرْهُ فَإِنَّ الْعَبْدَ رُبَّمَا عَمِلَ الْعَمَلَ فَیَقُولُ اللَّهُ تَبَارَکَ وَ تَعَالَى قَدْ غَفَرْتُ لَکَ وَ لا أَکْتُبُ عَلَیْکَ شَیْئاً أَبَدا".[16]



[1] نهج البلاغة، ص52، خ 5، انتشارات دار الهجرة، قم، بلا تاریخ.

[2] الراغب الاصفهانی، حسین بن محمد، المفردات فی غریب القرآن، ص 548، الدار الشامیة، بیروت، 1412 ق.

[3]انظر: الآمدی، عبد الواحد، غرر الحکم، ص 266، نشر مکتب التبلیغ الاسلامی، قم، 1366ش.

[4] الطبرسی، علی بن حسن، مشکاة الأنوار، ج 1، ص 334، المکتبة الحیدریة، النجف، 1385 ق.

[5] غرر الحکم، ص 267.

[6] نفس المصدر.

[7] نفس المصدر.

[8] نفس المصدر.

[9] نفس المصدر.

[10] البرقی، احمد بن محمد، المحاسن، ص 215، دار الکتب الاسلامیة، قم، 1371 ق.

[11] الصدوق، محمد بن علی، الخصال، ج1، ص 100، انتشارات جماعه المدرسین، قم، 1403 ق.

[12] الطوسی، محمد بن الحسن، الأمالی، ص 525، انتشارات دار الثقافة، قم، 1414 ق.

[13] غرر الحکم، ص 473.

[14]نفس المصدر.

[15] الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی، ج 2، ص 142،ح 3، دار الکتب الاسلامیة، طهران، 1365 ش.

[16]نفس المصدر، الحدیث6.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279435 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257253 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128143 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113249 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    88997 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59838 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59551 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56857 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49745 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47165 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...