بحث متقدم
الزيارة
5813
محدثة عن: 2009/06/09
خلاصة السؤال
أ لیس الانصار اعتقدوا بصحة خلافة أبی بکر فبایعوه؟
السؤال
من المعروف أن الانصار(رض) لم یبایعوا ابا بکر فی بادئ الامر و حالوا مبایعة سعد بن عبادة(رض)، و لم یحضر علی (ع) الاحداث فلم یکن معهم و لا علیهم؛ ثم ان الانصار جمیعا بایعوا أبا بکر؛ من هنا یمکن القول ان بیعتهم له نابعة من احد الاسباب التالیة:
1- ان البیعة اخذت منهم بالقوة.
2- انه قد تبین لهم احقیة ابی بکر فی الخلافة فبایعوه.
3- انهم بایعوه من دون أی مبرر عقلائی للبیعة.
هذه ثلاثة فروض متصورة للقضیة و لایمکن ان نتصور فرضا رابعا.
من هنا نقول: ان ادعاء اخذ البیعة منهم بالقوة کذب محض لانه لا یعقل ان تغلب الانصار الذین هم اهل العدة و العدد و المنعة حیث یبلغ عدد الفرسان عندهم اکثر من الفی فارس و کلهم من قبیلة واحدة و قد عرفوا بالشجاعة بالاضافة الى الممارسة الفعلیة فی الحروب فقد حاربوا القبائل العربیة کلها لمدة ثمان سنوات، فهل یعقل ان یخاف هذا الجمع الغفیر من ثلاثة اشخاص حضروا السقیفة، علما أن أبا بکر لم یستند فی تلک الحالة الى عشیرة قویة او مال وفیر حتى یضطر الانصار لمبایعته، بل بایعوه بلا ادنى خوف او خشیة من أحد و بلا تردد.
أضف الى ذلک انه لم ینقل لنا التاریخ حصول مواجهة ساخنة بین الطرفین.
و کذلک الکلام فی الفرض الثانی، فانهم لو کانوا یعتقدون ان الحق لم یکن مع أبی بکر فمن المستحیل ان یترکوا ابن عمهم و یبایعوا رجلا لیس له قبیلة کبیرة و لا مال وفیر و لا حشم و لا خدم، فمبررات البیعة لطلب المادة او الخوف معدومة اذاً، من هنا یکشف هذا الاجماع الکبیر عن انهم اعتقدوا بصحة بیعته فیایعوه و ان الحق معه لا مع الانصار اذ من المستحیل ان یعتقدوا خلاف ذلک فیبایعوه.
اتضح من خلال هذه الفروض أنهم کانوا یملکون دلیلا مقنعا صدر عن الرسول(ص) یصحح بیعة الرجل فبایعوه؛ و عندما ثبت عندهم ان الخلافة لیست من حق الانصار فما هو الدلیل المقنع عندهم فی انکار النص على خلافة الامام علی(ع) ان وجد هذا النص؟! فمن المستحیل ان یجمع هذا الکم الغفیر على مساندة و مبایعة من ظلمهم و غصب حقهم!!
الجواب الإجمالي

ان دراسة مثل هکذا قضیة لیس بهذه البساطة بحیث انه و بمجرد ذکر مجموعة من الفروض نحصل على النتیجة القطعیة، و ذلک لان القضیة لیست من القضایا التی تعالج بهذا النوع من السبر و التقسیم بل قد تکون هناک عناصر دخیلة فی القضیة نفسیة او اجتماعیة او... لکنها لم تلحظ فی البحث، فهل یمکن ان نتجاهل البعد القبلی و تبعیة الناس لرئیس العشیرة فی ذلک الوقت؟ و هل یمکن ان نتغافل عن عنصر القرشیة التی هی الشعار التی انطلق منها المهاجرون فی السقیفة فی حوارهم مع الانصار؟ و هل یمکن ان نغفل الخلافات القدیمة بین الأوس و الخزرج فی عدم الاتفاق على بیعة سعد بن عبادة و تفکک اجماع الانصار؟ هذا أولا.

و ثانیا: ان القضیة تابعة للنص فمع وجود النص الواضح على خلافة أمیر المؤمنین (ع) لا یبقى مجال لمثل هکذا تشقیقات و فرضیات، لانه من قبیل الاجتهاد مقابل النص.

و ثالثا: نحن اذا رجعنا الى الباحثین من علماء أهل السنة فی بیان نظریة الحکم فی الاسلام نجدهم ذکروا اکثر من فرضیة و لکنهم لم یستدلوا على احقیة الخلیفة الاول بهذا الدلیل و هذا یکشف عن وهن الدلیل عندهم.

و أخیرا نقول: کیف یمکن ادعاء الاجماع و تجاهل اعتراض أمیر المؤمنین (ع) و هو الذی کان للنبی(ص) بمنزلة هارون من موسى(ع)؟ و کذلک اعتراض عدد من الصحابة على البیعة و اعتبارهم الخلافة من حق الامام علی(ع)؟ و کیف یمکن تجاهل امتناع سعد بن عبادة عن البیعة حتى نهایة عمره؟ ان کل هذه الاعتراضات تکشف عن عدم وجود الاجماع على بیعة الخلیفة الاول.

کذلک نراکم ترکزون على عنصر القوة و تغفلون العناصر الاخرى و هذا یعنی ان القضیة لم تطرح من قبلکم بصورة موضوعیة.

الجواب التفصيلي

نقسم الاجابة عن السؤال الى ثلاثة محاور ثم نحاول الاجابة عنها بصورة مستقلة:

1- السبب الذی دعا أمیر المؤمنین للانعزال و الجلوس فی بیته و لم یؤید أی طائفة من الطائفتین؟

2- هل مبایعة الانصار لابی بکر تنحصر فی الفروض التی ذکرت فی متن السؤال فقط بحیث لایمکن الاشارة الى أی سبب آخر قد یکون دخیلا فی القضیة؟

3- لماذا لم یبایع الانصار علیاً(ع)؟

و من الانصاف اعترافکم فی متن السؤال أن الامام علیا (علیه السلام) لم یکن حاضر الواقعة و هذا امر اعترف به کافة طوائف المسلمین شیعة و سنة! بل ان بعض المصادر المعتبرة فی المدرسة السنیة قد اثبتت ان الامام لم یبایع ما دامت الزهراء(س) على قید الحیاة.[1]

و هنا لابد من التساؤل أ لیس علیا أخا رسول الله و انه منه بمنزلة هارون من موسى؟![2] أ لیس هو الحاضر و بکل نشاط و فعالیة فی جمیع الحوادث و المنعطفات الخطیرة و فی کل موقع اقتضت مصلحة الاسلام ذلک؟! و هل توجد قضیة أهم من خلافة رسول الله حتى یغیب عنها و لماذا حاول المجتمعون فی السقیفة ان تتم الامور فی غیابه(ع)؟!!

لو فرضنا جدلا ان الشیعة رفعت یدها عن القول بنظریة النص فهل من الممکن ان یتغافلوا عن کل تلک الخصائص الممتازة التی کان یتحلى بها (سلام الله علیه)؟! أ لیس من الجدیر باصحاب السقیفة ان لایبرموا أمرا الا بحضوره و بعد استشارته؟!

ان التاریخ یشهد و بانصاف بانه لایمکن المقارنة بین موقف أبی عبیدة عامر بن الجراح الذی استشیر فی القضیة بل رشح للخلافة فکیف تتجاهل موقف علی(ع)؟!

اما ما ذکرتم بان علیا لم یکن مع الانصار و لا مع الطرف الثانی فهو کلام صحیح لکن هل فکرتم فی سبب ذلک؟

انه کان منشغلا بجهاز رسول الله(ص) فی الوقت الذی ذهب الاخرون -من دون ان یبدوا ای اهتمام لهذا الامر المهم- للتنافس فی أمر الخلافة... .

اما بالنسبة الى الامر الثانی و کیفیة بیعة الانصار لابد من الاشارة فی البدایة الى کلام الخلیفة الثانی عمر بن الخطاب فی وصف الخلیفة ثم بعد ذلک ننتقل الى تحلیل القضیة؛ ینقل لنا المحدثون ان الخلیفة الثانی و فی حجته الاخیرة قد وصفت الاحداث فی سقیفة بنی ساعدة بقوله: إنه کان من خبرنا حین توفی رسول الله (ص) أن علیا و الزبیر و من کان معهما تخلفوا فی بیت فاطمة (رض) و تخلفت عنا الأنصار بأجمعها فی سقیفة بنی ساعدة و اجتمع المهاجرون إلى أبی بکر رضی الله عنه فقلت له: یا أبا بکر انطلق بنا إلى إخواننا من الأنصار فانطلقنا حتى جئناهم فی سقیفة بنی ساعدة ...و کنت قد زورت مقالة أعجبتنی أردت أن أقولها بین یدی أبی بکر (رض) و الله ما ترک من کلمة أعجبتنی فی تزویری إلا قالها فی بدیهته و أفضل حتى سکت فقال أما بعد فما ذکرتم من خیر فأنتم أهله و لم تعرف العرب هذا الأمر إلا لهذا الحی من قریش هم أوسط العرب نسبا و دارا و قد رضیت لکم أحد هذین الرجلین أیهما شئتم و أخذ بیدی و بید أبی عبیدة بن الجراح فقال قائل من الأنصار منا أمیر و منکم أمیر یا معشر قریش .قال: و کثر اللغط و ارتفعت الأصوات حتى خشیت الاختلاف فقلت: ابسط یدک یا أبا بکر فبسط یده فبایعته و بایعه المهاجرون ثم بایعه الأنصار ونزونا على سعد بن عبادة فقال قائل منهم: قتلتم سعدا فقلت: قتل الله سعدا.و قد وصف عمر فی نفس الحدیث الروایة بیعة ابی بکر بانها فلتة وقى الله شرها[3]

و هذا وصف واضح للقضیة لا یحتاج الى تحلیل کثیر او بحث زائد لان الخلیفة کان شاهد الواقعة و قد وصفها عن قرب.

و یستفاد من کلام الخلیفة الثانی مجموعة من الامور یمکن الاشارة الى بعضها:

الاول: الاعتراف بتخلف مجموعة من کبار الصحابة کعلی (ع) و الزبیر[4] عن هذه البیعة و تحصنهم فی بیت فاطمة(س).[5]

الثانی: ان الانصار اجتمعوا فی سقیفة بنی ساعدة فی غیاب من تسنم الخلافة بعد ذلک، و ان الشیخین انما التحقا بالاجتماع بعد ان علما به و من دون ان توجه الیهم الدعوة من قبل المجتمعین و دخلوا فی الحوار کفریق مخالف لما ترید الانصار ابرامه.

الثالث: ان أبا بکر انطلق فی اقناع الانصار من مبدء لو تاملنا فیه نراه ینسجم مع عقائد الشیعة و هو استدلاله بان الخلافة لا تکون فی غیر قریش و لا فی غیر عشیرة النبی (ص) و ان الامة لا یمکن ان توافق على ذلک و لا تجتمع على مثل هکذا خلیفة، و من هنا انصرف الانصار عن المطالبة بالخلافة لانهم لیسوا من عشیرة النبی و قرابته!

و هنا من المناسب ان نشیر الى أنه لَمَّا انْتَهَتْ إِلَى أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ (عَ) أَنْبَاءُ السَّقِیفَةِ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ (ص)، قَالَ عَلَیْهِ السَّلَامُ: مَا قَالَتِ الْأَنْصَارُ؟ قَالُوا: قَالَتْ: مِنَّا أَمِیرٌ وَ مِنْکُمْ أَمِیرٌ. قَالَ (عَلَیْهِ السَّلَامُ): فَهَلا احْتَجَجْتُمْ عَلَیْهِمْ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (ص) وَصَّى بِأَنْ یُحْسَنَ إِلَى مُحْسِنِهِمْ وَ یُتَجَاوَزَ عَنْ مُسِیئِهِمْ. قَالُوا: وَ مَا فِی هَذَا مِنَ الْحُجَّةِ عَلَیْهِمْ؟. قَالَ (عَلَیْهِ السَّلَامُ): لَوْ کَانَتِ الْإِمَارَةُ فِیهِمْ لَمْ تَکُنِ الْوَصِیَّةُ بِهِمْ. ثُمَّ قَالَ (عَلَیْهِ السَّلَامُ): فَمَا ذَا قَالَتْ قُرَیْشٌ. قَالُوا احْتَجَّتْ بِأَنَّهَا شَجَرَةُ الرَّسُولِ (ص). فَقَالَ (عَلَیْهِ السَّلَامُ) احْتَجُّوا بِالشَّجَرَةِ وَ أَضَاعُوا الثَّمَرَةَ.[6]

و بعبارة اخرى اذا کان الملاک فی الوصول الى الخلافة هو القرابة من رسول الله (ص) فعلی (ع) اقرب من الباقین لانه من قریش اولا و من بین هاشم ثانیا بالاضافة الى مصاهرته للنبی الاکرم (ص) فهو اجدر وفقا لهذا الاستدلال بالخلافة من غیره، فاذا کان عموم قریش بمثابة الشجرة فعلی ثمرة هذه الشجرة فلماذا لم یطرح حتى کمرشح للخلافة فی ذلک الاجتماع؟!

الرابع: الامر الاخر الذی یمکن استفادته من کلام الخلیفة الثانی أن أبا بکر قد رشح کلا من عمر بن الخطاب و أبی عبیدة للخلافة و انهما رفضا المقترح و بادرا الى بیعة أبی بکر و هذا یکشف عن انه لا یوجد ای دلیل او وصیة من النبی الاکرم (ص) فی کون الخلافة من نصیب أبی بکر و الا کیف یتجاوز النص علیه على فرض وجوده ثم یعطیها لغیره؛ بالاضافة الى ملاحظة غیاب کبار الصحابة عن ذلک الاجتماع و قصد الانصار لمبایعة شخصیة منهم لامر الخلافة؛ و هذا یؤید نظریة الشیعة فی ان القضیة لم تنطلق من تنصیب من قبل النبی الاکرم (ص) و انما کانت نتیجة صراع و منافسة سیاسیة تغلبت فیه جهة على اخرى. و قد سبقت هذا الامر مقدمات کان لها الدور فی نجاح العملیة منها منع الخلیفة الثانی من کتابة الوصیة من قبل النبی الاکرم(ص) فی اخریات حیاته، روى البخاری فی صحیحه: لما اشتد بالنبی (صلى الله علیه و سلم) وجعه قال ائتونی بکتاب أکتب لکم کتابا لا تضلوا بعده قال عمر إن النبی (صلى الله علیه و سلم) غلبه الوجع و عندنا کتاب الله حسبنا فاختلفوا و کثر اللغط قال قوموا عنی و لا ینبغی عندی التنازع فخرج ابن عباس یقول إن الرزیة کل الرزیة ما حال بین رسول الله (صلى الله علیه و سلم) و بین کتابه.[7]

الخامس: لو کان ابو بکر یمتلک الدلیل على انه الخلیفة بلا منازع بعد رسول الله(ص) و ان النص قد صدر بحقه من قبل النبی (ص) فما هو المبرر الشرعی الذی سمح له بترشیح الرجلین( عمر و ابو عبیدة) للخلافة؟ فلو فرضنا انه قد قبل أحد الرجلین بهذا الترشیح و مد یده لیبایعوه فمع من سیکون الحق؟!

السادس: من الامور التی تستحق الوقوف عندها فی هذا النص ان الخلیفة الثانی(رض) یعترف بان البیعة کانت فلتة وقى الله شرها لا یجوز ان تتکرر!! و هذا ینافی بصراحة الاجماع على بیعة الخلیفة الاول(رض)؛ و لو کانت بیعة صحیحة لماذا التحذیر من تکرارها مرة اخرى؟!

و بعد ان حللنا کلام الخلیفة الثانی(رض) فی وصف البیعة ننتقل فی الکلام الى الشق الثانی من السؤال: لماذا اجمع الانصار على بیعة الخلیفة الاول (رض)؟

لابد من القول ان ادعاء اجماع الانصار على البیعة غیر صحیح فهناک اشخاص امتنعوا عن البیعة فی مقدمتهم سعد بن عبادة الذی کان مرشحا للخلافة حتى انه خلال احداث السقیفة قیل قتلتم سعدا فقال عمر قتل الله سعدا.[8]

و من الثابت تاریخیا ان سعد بن عبادة قد ترک المدینة الى الشام [9]و لکنه قتل بعد ذلک و نسب قتله الى الجن[10] و لاندری ما هو وجه الخصومة بین الجن و بین سعد بن عبادة دون سائر الصحابة ؟!

لکن مع هذا نقول ان اکثر الانصار بایعوا بعد ذلک الخلیفة الاول(رض) لکن لا یمکن حصر الاسباب التی ادت الى البیعة بالفرضیات الثلاثة التی ذکرت فی متن السؤال.

فلاشک انها لم تکن بیعة بلا هدف بل انه لا یمکن ان یکون امر بهذا الحجم یصدر بلا هدف، و ثانیا انها لم تؤخذ منهم تحت وطأت السیف و التهدید بل لایوجد عالم من علماء الشیعة یدعی ذلک؛ کذلک لا یمکن القول بان البیعة کانت نابعة من الطمع بالمغریات الدنیویة، لکن هذا لا یعنی ان اسباب البیعة منحصرة فی ابطال هذه الفرضیات فاذا بطلت یکون الفرض الثالث هو الصحیح و هو انهم وجدوا الحق مع الخلیفة الاول؛ و ذلک لانه هناک فرضیات اخرى لابد ان تؤخذ بنظر الاعتبار، فعلى سبیل المثال هناک حقیقة تاریخیة لایمکن تجاهلها و هی الخصومة التاریخیة بین الاوس و الخزرج و التی کانت قبل الاسلام على اوجها و قد استطاع الاسلام ان یخفف منها الا انه لم یستطع القضاء علیها بصورة جذریة لاسباب نفسیة و اجتماعیة، بل ان التاریخ یحدثنا ان هذه الخصومة قد اثیرت حتى فی حیاة النبی (ص) و قد وصل بهم الحد الى حد کادت ان تقع الحرب بینها فی قضیة الافک[11] و عن ابن عباس قال: کانت بین الأوس و الخزرج حرب فی الجاهلیة کل شی‏ء، فبینما هم یوما جلوس إذ ذکروا ما بینهم حتى غضبوا، فقام بعضهم إلى بعض بالسلاح فنزلت:" وَ کَیْفَ تَکْفُرُونَ وَ أَنْتُمْ تُتْلى‏ عَلَیْکُمْ آیاتُ اللَّهِ وَ فِیکُمْ رَسُولُهُ.."[12] الآیة کلها.[13]

و على هذا الاساس لا یمکن انکار حقیقة تجذر الخلافات القبیلة بین الطائفتین و ان الاسلام لم یستطع بکل ما اوتی من قوة و جهد بذل الرسول الاکرم(ص) فی القضاء علیها بالکامل؛ و مع هذه الحقیقة التاریخیة هل یمکن لمحلل و باحث سیاسی ان یتجاهل هذه الثغرة التی یمکن ان یستغل من قبل ای انسان لاثارتها و لجعل الاوس یقفون فی وجه الخزرج، فانه بالامکان تذکیة فکرة ان انتخاب سعد بن عبادة للخلافة یمثل میزة و فخرا للخزرج على الاوس الامر الذی یجعلهم یفضلون شخصا من غیرهم کی لا یکون لبعضهم الفضل على البعض الاخر؛ و هذا الاسلوب لا یحتاج الى بذل مال أو استعمال للقوة. و لقد اشار القرآن الى امثال هذه الحالة فی الامم السابقة فهل السامری بذل المال او استعمل القوة فی خدیعة بنی اسرائل و جرهم الى عبادة العجل فی حیاة نبی الله موسى و اخیة هارون.[14]و[15]

هذا و قد روی عن طریق اهل السنة  لترکبن سنن بنی إسرائیل حذو القذة بالقذة ، وحذو الشراک بالشراک ، حتى لو فعل رجل من بنی إسرائیل کذا و کذا ، فعله رجل من هذه الامة.[16]

اما بالنسبة الى قولکم ان الانصار لابد و ان یکونوا قد عثروا على ما یؤید خلافة أبی بکر.

جوابه ان هذا اما ان یکون نصا من قبل النبی الاکرم (ص)؛ و هذا یخالف نظریة اهل السنة فی انکار فکرة النص الخاص فی الخلافة و اعتقدوا بعدة نظریات لانتخاب الخلیفة منها او اشهرها هو اجماع اهل الحل و العقد. او ان یکون الدلیل الذی عثروا علیه هو قضیة القرابة من الرسول (ص) التی طرحوها فی السقیفة، و هذا الدلیل ضعیف جدا و قد اشرنا الى کلام أمیر المؤمنین الدال على ضعفه و قلنا ان هذا الدلیل لو صح لکان مؤیدا الى نظریة الشیعة اکثر من السنة.

اما بالنسبة الى التساؤل عن عدم بیعة الانصار لامیر المؤمنین(ع)؛ فلا بد من القول: ان عملیة انتخاب الخلیفة تمت بصورة سریعة جدا حتى ان القائمین علیها لم یصبروا حتى تتم عملیة تجهیز و دفن النبی(ص) حتى انه لا اقل بعد الدفن تتم على اقل تقدیر استشارة أمیر المؤمنین(ع)، و کما قلنا سابقا ان الصراعات التاریخیة بین الاوس و الخزرج کان لها الدور الکبیر فی التعجیل فی انتخاب الخلیفة، و ان کان بعضهم قد ندم على فعله و قالوا لفاطمة (س): یَا بِنْتَ مُحَمَّدٍ لَوْ سَمِعْنَا هَذَا الْکَلَامَ مِنْکِ قَبْلَ بَیْعَتِنَا لِأَبِی بَکْرٍ مَا عَدَلْنَا بِعَلِیٍّ أَحَدا.[17] فهل ابقوا لامیر المؤمنین (ع) فرصة حتى یبین رأیه و یدافع عن حقه؟ الا ان یفعل کما فعلوا فیترک جثمان رسول الله (ص) مسجى على الارض و یذهب للحصول على الخلافة و لقد اشار (سلام الله علیه) الى هذه الحقیقة بقوله: أَ فَکُنْتُ أَدَعُ رَسُولَ اللَّهِ ص فِی بَیْتِهِ لَمْ أَدْفَنْهُ وَ أَخْرُجُ أُنَازِعُ النَّاسَ سُلْطَانَه‏.[18] و لقد کان (سلام الله علیه) یصر على ان الحق معه و له حیث قال: لَنَا حَقٌّ فَإِنْ أُعْطِینَاهُ وَ إِلَّا رَکِبْنَا أَعْجَازَ الْإِبِلِ وَ إِنْ طَالَ السُّرَى.[19]

ثم ان القضیة تابعة للنص فمع وجود النص الواضح على خلافة أمیر المؤمنین (ع) لا یبقى مجال لمثل هکذا تشقیقات و فرضیات، لانه من قبیل الاجتهاد مقابل النص.

و اخیرا نقول: ان تغییر الانسان موقفه من الخطأ الى الصواب امر مستحسن و انه ممدوح من قبل العقلاء فلا غرابة ان یغیر الانصار موقفهم و یدافعوا عن حق علی(ع) فی معرکة صفین مثلا و قد کانوا فی موقفهم هذا مصداقا لقوله تعالى:" الا من تاب و آمن و عمل عملا صالحا فأولئک یبدل الله سیئاتهم حسنات و کان الله غفورا رحیما"[20]



[1] صحیح البخاری، ج 5 ، ص 82 و 83، دار الفکر، بیروت، 1401 ه ق.

[2] نفس المصدر، ص 308 و ج 5، ص 129.

[3] مسند احمد بن حنبل، اول مسند عمر بن الخطاب، ج 1، ص 372 (مصدر الکتاب : موقع الإسلام). و الفلتة ما یقع من دون رویة، انظر لسان العرب، ج2، ص67.

[4] الذی یعتبر وفقا لروایات أهل السنة من العشرة المبشرة بالجنة.

[5] ابن کثیر الدمشقی، تفسیر القرآن العظیم، ج 4، ص 463، دار الکتب العلمیة، بیروت، 1419 ه ق.

[6] نهج البلاغة، ، ص 99- 98، انتشارات دار الهجرة، قم.

[7] صحیح البخاری، ج 1، ص 194، کتابة العلم.

[8] احمد، اول مسند عمر بالخطاب، ج1، ص372؛ صحیح البخاری ، ج 4 ، ص 194.

[9] أسد الغابة، ج1، ص433، ترجمة سعد بن عبادة.

[10] القرطبی، الجامع لاحکام القرآن، ج 1، ص 317، انتشارات ناصر خسرو، تهران، 1364 ه ش.

[11] ابن کثیر الدمشقی، تفسیر القرآن العظیم،ج 6، ص 19- 18.

[12] آل عمران،101.

[13] ابن ابی حاتم، تفسیر القرآن العظیم، مکتبة، ج 3، ص 720، نزار مصطفی الباز، المملکة العربیة السعودیة، 1419 ه ق.

[14] انظر: الاعراف،150.

[15] ابن کثیر الدمشقی، تفسیر القرآن العظیم، ج 5، ص 276.

[16] مصنف عبد الرزاق،ج 11، ص 369؛ صحیح الترمذی، ج 4، ص 135، دار الفکر، بیروت، 1403 ه ق.

[17] المجلسی، محمد باقر، بحار الانوار، ج 30، ص 124، مؤسسة الوفاء، بیروت، 1404 ه ق.

[18] بحارالأنوار، ج 28، ص 355.

[19] نهج البلاغة، ص 472، انتشارات دار الهجرة، قم .

[20] - الفرقان، 70.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279422 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257171 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128118 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113186 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    88976 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59797 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59519 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56845 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49697 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47148 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...