بحث متقدم
الزيارة
5979
محدثة عن: 2011/10/27
خلاصة السؤال
هل الأئمة (ع) شهود علی أعمالنا؟
السؤال
یقول الله تعالی فی سورة یس الآیة 12:"إِنَّا نحَنُ نُحْىِ الْمَوْتىَ‏ وَ نَکْتُبُ مَا قَدَّمُواْ وَ ءَاثَرَهُمْ وَ کلُ‏َّ شىَ‏ْءٍ أَحْصَیْنَاهُ فىِ إِمَامٍ مُّبِین‏" و کذلک عندنا أحادیث و روایات عن أهل البیت (ع) تدل علی أن أعمالنا تعرض علی النبی (ص) فی کل یوم خمیس. و کذلک تعرض کل یوم اثنین و یوم خمیس علی الإمام الحجة –عج- و قد رأیت حدیثاً عن الإمام الرضا (ع) یقول لأنصاره: "و الله إن أعمالکم لتعرض علیّ فی کل یوم و لیلة". برأیکم کیف یُمکن التطبیق بین الأحادیث و الآیات المذکورة المتفاوتة فیما بینها؟ و هل یُمکن للأئمة (ع) مشاهدة أعمالنا فی کل وقت، أم إنهم (ع) یحصل لهم الاطلاع علی أعمالنا فی لیال و أوقات معیّنة؟ و إذا کان الائمة (ع) عندهم علم کل شیء، فلماذا نجد فی التأریخ ان الائمة (ع) یوصی أحدهم الآخر، أو یقترح علی شیئاً ما. و کمثال علی ما نقول نجد إن الإمام الرضا (ع) یرسل رسالة إلی الامام الجواد (ع) و یوصیه بأن یترک الجهة الإمامیة من بیته للمحتاجین، هل برأیکم أن الإمام الجواد (ع) کان یعلم بهذا الأمر قبل توصیة والده (ع)، و هل عمل بالوصیة أم لا؟ جزاکم الله.
الجواب الإجمالي

هناک آیات و روایات کثیرة تؤکّد علی أن الائمة (ع) مطّلعون علی أعمالنا فی کل وقت و کذلک تدل علی أن هناک بعض الأوقات الخاصة التی تعرض أعمالنا فیها علیهم. أما ما یخص ان الائمة (ع) کان یوصی أحدهم الآخر، فیجب القول: إن علوم أهل البیت (ع) هی علوم اعطیت لهم من قبل الله تعالی، و هذا لا ینافی ان بعض علومهم یحصلون علیها بواسطة الإمام أو المعصوم السابق. لمزید من التوضیح راجعوا الجواب التفصیلی.

الجواب التفصيلي

الخوض فی هذا البحث یحتاج إلی مقدمة مهمة:

علم الإمام

نفهم من خلال دراسة مجموعة من المعارف المتعلقة بخصوصیات و صفات أهل بیت العصمة و الطهارة (ع) ان الأئمة الأطهار (ع) مطّلعون علی أعمال الناس و تصرّفاتهم کماً و کیفاً، و یقدمون تحت شرائط معیّنة علی ما فیه هدایة و اصطلاح أعمالهم. و بالالتفات إلی المسؤولیات المهمة التی تقع علی عاتق الإمام فی الرؤیة الإسلامیة و فی نظام الوجود و المجتمع الإسلامی، و بالالتفات إلی ان الناس ملزمون و مکلّفون بالطاعة و التبعیة الکاملة لهم، یلزم و یقتضی من هذه الحقیقة ان الإمام لابد أن یکون عنده علم و اطلاع کامل علی کل ما یخص هدایة العباد و علی کل الأصعدة و الامور الأعم من الدینیة أو الدنیویة، الکلیة أو الجزئیة. و علی هذا الأساس یعتقد الشیعة: أولاً یجب أن یکون الإمام (ع) أعلم الأشخاص. ثانیاً یجب أن یکون علمه کعلم النبی (ص) من صنف العلم الحضوری، و یکون موهوباً و عاماً و شاملاً، لذلک نجد فی بعض الروایات التی تصف علم الإمام، عندما ترید أن تحدّد علم الإمام (ع) کماً و کیفاً تعبّر بـ "علم ما کان و ما یکون و ما هو کائن" [1] ففی اصول الکافی للمرحوم الکلینی یوجد باب تحت عنوان "ان الائمة یعلمون علم ما کان و ما یکون و إنه لا یخفی علیهم شیء". أو أن المرحوم العلامة المجلسی نقل 22 روایة فی الجزء السادس و العشرین من البحار مفادها ان الإمام (ع) عالم بکل ما هو واقع فی السماء و الأرض و الجنة و النار إلی یوم القیامة، و لا یوجد أی شیء فی الکون لیس عندهم علم به. و من التدقیق فی هذه المجموعة من الروایات نفهم جیداً ان الائمة (ع) مطلعون علی کل أعمالنا و تصرّفاتنا بل و حتی نیّاتنا نحن الشیعة، إضافة إلی هذا قد وردت روایة عن الإمام الحجة –عج- فی هذا المجال حیث یقول: "لا یعزب عنّا شیء من أخبارکم". [2] فاستناداً إلی هذه الروایة لا یبقی أی مجال لتطرّق الشک فی مسألة احاطة علم الإمام الحجة –عج-. [3]

عرض الأعمال:

بالرجوع إلی القرآن الکریم و روایات المعصومین (ع) نجد هذا المعنی بشکل واضح هو أن النبی (ص) و الائمة (ع) مطلعون علی أعمال الأمة، ففی القرآن الکریم نقرأ: "وَ قُلِ اعْمَلُواْ فَسَیرَى اللَّهُ عَمَلَکمُ‏ْ وَ رَسُولُهُ وَ الْمُؤْمِنُونَ". [4] أما الروایات فی هذا المجال فکثیرة جداً، منها ما نقل عن الإمام الصادق (ع) فی تفسیر هذه الآیة إنه قال: "تعرض الأعمال علی رسول الله (ص) أعمال العباد کل صباح أبرارها و فجّارها فاحذروا...". [5]

و فی روایة أخری عن عبد الله بن أبان الزیات قال: قلت للرضا (ع): ادع الله لی و لأهل بیتی (ع)، فقال: أولست أفعل؟ و الله ان أعمالکم لتعرض علیّ فی کل یوم و لیلة، قال: فاستعضمت ذلک فقال: أما تقرء کتاب الله عزّ و جل: "وَ قُلِ اعْمَلُوا فَسَیَرَى اللَّهُ عَمَلَکُمْ وَ رَسُولُهُ وَ الْمُؤْمِنُون‏" قال: هو والله علی إبن أبی طالب (ع)". [6]

و بما ان الأئمة (ع) کلهم بمنزلة نفس واحدة و نور واحد، لذلک فکل حکم یثبت علی أحدهم یثبت علی الباقی. هذه الآیة المبارکة التی تبیّن اطلاع الله سبحانه و تعالی و النبی (ص) و المؤمنین علی الأعمال، تتضمّن نفس عقیدة الشیعة فی مسألة "عرض الأعمال علی أولیاء الله سبحانه" و هذ العرض یحدث کل یوم و کل اسبوع و کل شهر، و إذا کانت أعمالنا حسنة تبعث علی سرور أولیاء الله منّا، و إذا کانت قبیحة –لا سمح الله- یتألّمون و سیتاءون لذلک. و الإیمان و التصدیق لهذه المسألة یُمکن أن یکون له أثر کبیر جداً علی تربیة و تقوی الأفراد.

و بعد الاطلاع علی هذه الحقیقة، یجب علی کل فرد أن یعمل ما بوسعه حتی یهییء أرضیة السرور و الارتیاح للنبی (ص) و الائمة (ع)، یُنقل عن الإمام الصادق (ع) إنه قال یوماً لأصحابه :"مَا لَکُمْ تَسُوءُونَ رَسُولَ اللَّهِ (ص)؟ فَقَالَ رَجُلٌ: کَیْفَ نَسُوؤُهُ؟ فَقَالَ: أَ مَا تَعْلَمُونَ أَنَّ أَعْمَالَکُمْ تُعْرَضُ عَلَیْهِ فَإِذَا رَأَى فِیهَا مَعْصِیَةً سَاءَهُ ذَلِکَ فَلَا تَسُوءُوا رَسُولَ اللَّهِ وَ سُرُّوه". [7]

إذن، نفهم جیداً من مفاد مجموع روایات عرض الاعمال علی الائمة (ع) إنهم (ع) مطّلعون علی أعمال الشیعة. و فی النتیجة اتضح عدم التعارض بین الآیات و الروایات.

أما ما یخص السؤال الثانی نقول توجد روایات تدل علی عرض أعمالنا علی الائمة (ع) فی زمن خاص من السنة مثل لیلة القدر مثلاً، و هذا لا ینافی کونهم (ع) ناظرین علی أعمالنا فی کل وقت، و أبسط مثال علی ما نقول: المدیر المسؤول علی إدارة معینة فهو فی طوال الوقت ناظر و مطلع علی أعمال من هم تحت مدیریته، لکن من جملة أعماله أنه فی نهایة کل اسبوع أو کل شهر یعرض علیه تقریر کامل عن أعمال من هم تحت إمرته حتی یُمضیه و یوقّع علیه.

أما ما یخص السؤال الأخیر و هو لماذا یوصی الائمة (ع) أحدهم الآخر؟ نقول:

أولاً: أن علم الأئمة هو من الله سبحانه و تعالی، و هذا لا ینافی أن تکون بعض علومهم تأتیهم عن طریق المعصوم السابق له، کما ینقل عن الإمام علی (ع) قوله: "لمّا حضرت رسول الله (ص) الوفاة دعانی فلما دخلت علی قال .... ثم أدنانی فاسر إلیّ ألف باب من العلم کل باب یفتح ألف باب" [8] . ثانیاً: ان الإمام الرضا (ع) عندما اوصی الإمام الجواد (ع) بوصایاه لم یکن الإمام الجواد عندها واصلا إلی مقام الإمامة الفعلیة لیکون عنده علمها.



[1]     المظفر، محمد حسین، علم الإمام، ج3، ص17.

[2]    المجلسی، محمد باقر، بحار الأنوار، ج53، ص175، مؤسسة الوفاء، بیروت، لبنان، 1404 ق.

[3]    لمزید من الاطلاع حول علم الائمة (ع) راجعوا: علم أولیاء الله، السؤال 876 (الموقع: 1015) علم غیب الإمام، 2775 (الموقع: 3259).

[4]    التوبة، 105.

[5]    الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی، ج1، ص219، کتاب الحجة، باب عرض الأعمال علی النبی و الائمة، دار الکتب الإسلامیة، طهران، 1365 هـ.ش.

[6]    نفس المصدر، ج1، ص129، ح4.

[7]    نفس المصدر، ج1، ص129، ح3.

[8]     البلخی الحنفی، سلیمان، ینابیع المودة، سید علی جمال أشرف الحسینی، ج1، ص208، الطبعة الأولی، دار الأسوة، 1416 هـ.ق.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279435 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257227 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128137 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113236 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    88993 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59834 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59548 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56854 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49726 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47163 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...