بحث متقدم
الزيارة
5902
محدثة عن: 2012/01/18
خلاصة السؤال
إذا أحبّ الله شخصاً، هل سیحبه عامة الناس؟
السؤال
سمعت روایة بهذا المضمون: "عندما یحبّ الله عبداً یقول لجبرئیل إنی أحبّ فلاناً فیحّبه جبرئیل، ثم ینادی فی السماوات و الأرضین أن فلاناً قد أحبّه الله فأحبّوه. فیحّبه کل الموجودات "، هل وردت هذه الروایة فی المصادر الشیعیة الروائیة؟ أرجو ذکر عنوانها. و بیان سندها و إعتبارها.
الجواب الإجمالي

توجد روایات تبیّن أن الله یلقی حب عباده الصالحین فی قلوب الناس، لکن یجب العلم بأن تبعیة أکثر الناس لشخص واحد لیس من اللزوم أن یکون هذا الأمر دلیلاً علی تأیید الله سبحانه له، و نفس الکلام یأتی فی الجهة المقابلة فعداوة أکثر الناس لفرد واحد أیضاً لا یمکن أن یکون دلیلاً علی أنه مبغوض من قبل الله تعالی و لا قیمة له، بل قد یحصل العکس فی کثیر من الأحیان. نعم إذا اُلقیت محبّة شخص فی قلوب أهل الإیمان و التقوی یمکن کونها دلیلاً علی إهتمام الله سبحانه بهذا الشخص.

الجواب التفصيلي

یقول الله سبحانه فی آیة من آیات القرآن الکریم: " إِنَّ الَّذینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَیَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا ".[1]

و روی عن النبی محمد (ص) إیضاً أنه قال: "إن الله إذا أحبّ عبداً قال لجبرائیل إنی أحبّ فلاناً فأحبوه و یوضع له القبول فی الأرض".[2] و هناک روایات اُخری تبین نفس هذا الأمر.[3] و هذه المجموعة من الروایات لا تحتاج إلی مزید من التحقیق فی السند؛ لأنها تبدو فی سیاق الآیة المشار إلیها فی أول الکلام، لکن المهم هنا هو المعرفة الدقیقة لمعنی الآیة و الروایات.

فهل یکون معناها أن کل فردٍ یحظی بالقبول العام من قبل المجتمع و یلی ذلک تبعیة أکثر أفراد المجتمع له فیکون محبوباً من قبل الله سبحانه، و کل من یترکه عامة الناس و لم یتبعوه یکون عدواً لله؟ مما لا شکّ فیه لا یکون هذا المعنی هو الصحیح؛ و ذلک لوجود أنبیاء کثیرین حسب تصریح کثیر من الآیات ـ لا یشک أحدٌ فی حبّ الله لهم لکنهم حرموا من تبعیة الناس لهم إلا القلیل منهم. استذکروا نبی الله نوحاً (ع)! فقد کان عبداً شکوراً،[4] و کان من المصطفّین،[5]و من المهدییّن،[6]

و کان مما یوحی إلیه،[7] لکن بتبلیغه الذی طالما یقرب علی الألف سنة،[8] لم یؤمن معه الاّ قلیل [9] فهل یمکن أن تستدل بهذا الأمر علی أنه کان ـ نعوذ بالله ـ عدوا لله؟!

نعم! إذا اُلقیت محبة شخص فی قلوب أهل الإیمان و التقوی یمکن کونها دلیلاً علی إهتمام الله سبحانه بهذا الشخص.

و بعد أن وصلنا بالتدقیق بالآیات القرآنیة إلی هذا المطلب و هو أن المراد من إلقاء محبة محبی الله فی قلوب الناس لا تعنی تبعیة أکثر الناس لهم، نجلب إنتباهکم إلی هذه النکتة المهمة و هی:

إن الحکام الذین أخذوا بقبضة الحکم بعد حیاة النبی الأکرم (ص) و فی طول حیاة الأئمة المعصومین (ع) بالقوّة و المکر و کان ذلک سبباً لتنحی الأئمة (ع) جانباً و قطع روابطهم عن الأمة إلا القلیل ممن ثبت علی الإیمان الراسخ، سعوا بذلک لأن یثبّتوا حکوماتهم الجائرة و یحکموها بالمبانی الدینیة و العقائدیة، لذلک نجدهم و بالتوسل ببعض التعالیم الدینیة و التغاضی عن البعض الآخر، یسعون لأن یستدلوا علی أحقیتهم بتبعیة الأمة الظاهریة لهم، و یستدلوا کذلک علی بطلان مذهب التشیع بالأقلیة المتبعة للأئمة المعصومین (ع) و هذا السعی المکّار تطور حتی أحدث بعض الشکوک و التردید فی قلوب بعض الشیعة. فی هذا المجال نجد شخصاً یقول لأبی عبد الله (ع): (إن من قبلنا یقولون إن الله إذا أحب عبداً نوّه به منوه من السماء إن الله یحب فلاناً فأحبوه فیلقی الله له المحبة فی قلوب العباد و إذا أبغضه نوه منوه من السماء إن الله یبغض فلاناً فأبغضوه فیلقی الله له البغضاء فی قلوب العباد. قال و کان (ع) متکئاً فاستوی جالساً ثم نقض کمه ثم قال: لیس هکذا و لکن إذا أحب الله عزّوجلّ عبداً أغری به الناس لیقولوا فیه ما یؤجره و یؤثمهم و إذا أبغض عبداً ألقی الله عزّوجلّ له المحبة فی قلوب العباد و لیقولوا ما لیس فیه لیؤثمهم و إیاه ثم قال: من کان أحب إلی الله عزّوجلّ من یحیی بن زکریا ثم أغری به جمیع من رأیت حتی صنعوا به ما صنعوا؟! من کان أحب إلی الله عزّوجلّ من الحسین بن علی (ع) ثم أغری به حتی قتلوه؟![10]

لقد أکّد الإمام الصادق (ع) بهذا الکلام علی إن تبعیة أکثر الأمة لشخص واحد لا تعنی لزوماً أنه مؤیّد من قبل الله سبحانه و تعالی کما أراد تصویره الحکام الظالمون و فی الطرف المقابل کذلک فإن عداوة أکثر الناس لشخص واحد لا یدل لزوماً علی أنه سقط من عین الله سبحانه و لیس له قیمة عنده، بل قد یحصل العکس فی کثیر من المجالات! نعم نجد فی مقاطع صغیرة من التاریخ أن أکثریة شعب منطقة ما إتبعوا الحق و الحقیقة و یمکن مشاهدة نماذج منها فی حکومة نبی الله سلیمان (ع) و نبی الإسلام محمد (ص) و الإمام علی (ع).

فقد یحصل کثیراً أن تستولی عظمة رجال الله حتی علی قلوب الأعداء و المنافقین. لقد کان أحد أدعیة النبی محمد (ص) لأمیر المؤمنین (ع) هکذا (اللهم هب لعلی المودة فی صدور المؤمنین و الهیبة و العظمة فی صدور المنافقین).[11]

و قد رأینا استجابة دعاء النبی محمد (ص) فی حق أمیر المؤمنین (ع) و أولاده المعصومین (ع) بشکل واضح لا غبار علیه فقد کانت محبتهم فی قلوب أنصارهم و أعدائهم حتی فی الأوقات التی یعیشون تحت نصرة الأقلیة المحضة، حتی نجد أن الشاعر الفرزدق فی جوابه للإمام الحسین (ع) عندما کان متوجهاً الی الکوفة و الفرزدق خارجاً منها حینما سأله کیف وجدت أهل الکوفة؟ فأجاب "قلوبهم معک و سیوفهم علیک".[12]



[1]  مریم، 96.

[2]  الدیلمی، الحسن بن أبی الحسن، إرشاد القلوب، ج 1، ص 170، دار الشریف الرضی للنشر، قم، 1412 ه ق.

[3]   للنموذج: الکوفی، محمد بن محمد الأشعث، الجعفریات، ص 11، مکتبة نینوی الحدیثة، طهران، بیتا.

[4]  اسراء، 3. " ذُرِّیَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ کاَنَ عَبْدًا شَکُورًا".

[5]  آل عمران، 33. " إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى ءَادَمَ وَ نُوحًا وَ ءَالَ إِبْرَاهِیمَ وَ ءَالَ عِمْرَانَ عَلىَ الْعَالَمِین".

[6]  أنعام، 84.

[7]  نساء، 163. "إِنَّا أَوْحَیْنَا إِلَیْکَ کَمَا أَوْحَیْنَا إِلىَ‏ نُوحٍ وَ النَّبِیِّنَ مِن بَعْدِهِ  وَ أَوْحَیْنَا إِلىَ إِبْرَاهِیمَ وَ إِسْمَاعِیلَ وَ إِسْحَاقَ وَ یَعْقُوبَ وَ الْأَسْبَاطِ وَ عِیسىَ‏ وَ أَیُّوبَ وَ یُونُسَ وَ هَرُونَ وَ سُلَیْمَانَ وَ ءَاتَیْنَا دَاوُدَ زَبُورًا".

[8]  عنکبوت، 14. " وَ لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلىَ‏ قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِیهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِینَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَ هُمْ ظَلِمُون".

[9]  هود، 40. "حَتىَّ إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَ فَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِیهَا مِن کُلٍ‏ّ زَوْجَینْ‏ِ اثْنَینْ‏ِ وَ أَهْلَکَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَیْهِ الْقَوْلُ وَ مَنْ ءَامَنَ وَ مَا ءَامَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِیل".

[10] الدیلمی، الحسن بن أبی الحسن، أعلام الدین، ص 434، مؤسسة آل البیت، قم، 1408 ه ق.

[11]  العیاشی، محمد بن مسعود، تفسیر العیاشی، ج 2، ص 141، المطبعة العلمیة، طهران، 1380 ه ق.

[12]  الطبری، محمد بن جریر، دلائل الإمامة، ص 75، دار الذخائر للمطبوعات، قم، بیتا.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279360 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    256924 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128057 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    112891 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    88920 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59630 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59357 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56813 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49394 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47111 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...