بحث متقدم
الزيارة
7904
محدثة عن: 2008/09/15
خلاصة السؤال
ما هو حکم تناول الطعام الحرام؟
السؤال
اذا تناول الانسان جهلاً اللحم الحرام فما هو حکمه؟
الجواب الإجمالي

اذا التفت الشخص بعد الاکل الی أن الطعام کان حراماً،‌ فاذا لم یکن یحتمل الحرمة و کان علیه علامة الحلیة کأن یکون قد أخذه من ید مسلم، فلیس علیه اثم.

اما اذا کان الطعام مشکوکاً فیه مثلاً، کأن یکون قد أخذه من ید غیر مسلم، فهنا وظیفته التحقق و البحث فلا یجوز أکل الطعام من دون تحقیق. اما اذا لم تکن هناک أی علامة و أمارة علی الحلیة و الحرمة، ففی هذه الصورة بالنسبة لللحم فالاصل الحرمة و عدم التذکیة و انه یجب احراز حلیته و تذکیته، و اما بالنسبة لباقی المواد الغذائیة فلا یوجد مثل هذا الأصل و لکن اذا کان الشخص جاهلاً بالحکم - مثل حرمة أکل الطعام الملوث بالدم – مقصراً، ای کأن یمکنه التعلم و لکنه تماهل - فقد ارتکب معصیة، و اذا کان جاهلاً قاصراً (لم یتمکن من البحث) فلم یرتکب معصیة. نعم اذا کان جاهلاً بالموضوع - مثلاً لا یعلم ان هذا الشیء ملوث بالدم - فحتی لو کان جاهلاً مقصراً فانه لم یرتکب حراماً.

و علی اساس روایات متعددة وردت عن أهل البیت (ع)، فان مثل هذه الأعمال و بالرغم من وقوعها خطأ و اشتباهاً فانها تترک آثارها السلبیة علی وجود الانسان و حیاته و انها تسلب بعض التوفیقات من الانسان. إذن، فعلی الانسان ان یدقّق فی أن یکون طعامه حلالاً، و بهذه الدقة و المراقبة یکون قد سرّع فی حرکتة فی مسیر رضا الله.

الجواب التفصيلي

اذا علم الشخص ان هذا اللحم او الطعام حرام، أی انه یعرف الطعام (الموضوع) و أیضاً یعرف حکمه و هو الحرمة، و مع ذلک تناوله، فانه قد أذنب و عصی و یعدّ عمله هذا تمرداً و تخلّفاً عن الأوامر الالهیة و یستحق علیه عقوبته و جزاءه الخاص. و طبیعی ان یترک هذا الذنب آثاره السیئة علی حیاة الانسان.

یقول الامام الصادق (ع) حول الآثار الدنیویة السیئة للذنب: ان الرجل لیذنب الذنب فیحرم صلاة اللیل.[1] "فمن تاب من بعد ظلمه و أصلح فان الله یتوب علیه ان الله غفور رحیم".[2]

اما اذا تناول مثل هذا الغذاء جهلاً فلا یخلو الحال من أحد أمرین:

1. ان یکون جاهلاً بالموضوع لکنه یعلم بالحکم؛ أی انه یعلم ان أکل لحم الخنزیر حرام، لکنه لا یعلم ان هذا الطعام مصنوع من لحم الخنزیر و بعد الأکل التفت الی ذلک. فهنا ثلاث صور.

الف. انه لم یکن یحتمل الحرمة و لم یکن الطعام مشکوکاً، بل کان فیه علامة الحلیة کأن یکون قد أخذه من ید مسلم، فهنا اذا التفت بعد ذلک فلا یکون قد ارتکب معصیة.

ب. کان الطعام مشکوکاً فیه و کانت فیه علامة الحرمة، کأن یکون قد أخذه من ید غیر مسلم ففی مثل ذلک تکون وظیفته التحقیق و البحث، فاذا تناوله من دون فحص و تحقیق، و تبیّن بعد الاکل انه کان حراماً فقد ارتکب معصیة.

ج. لم توجد آیة علامة و امارة علی الحلیة و الحرمة، ففی هذه الصورة حیث انه لا یجب الفحص فی الموضوعات، فاذا تبین بعد الأکل انه کان من النوع الحرام، فانه لم یرتکب حراماً.

نعم بالنسبة لللحم حیث ان الاصل هو الحرمة و عدم التذکیة، فاذا اکله من دون فحص ثم تبیین انه کان حراماً فقد ارتکب معصیة.

2. ان یکون جاهلاً بالحکم، لکنه کان عالما بالموضوع أی انه لا یعلم مثلاً ان اکل لحم الخنزیر مثلاً حرام لکنه کان یعلم بان هذا الطعام مصنوع من لحم الخنزیر، فاذا کان یمکنه الفحص و الوصول الی حقیقة المطلب لکنه لم یفعل ذلک فانه یعد آثماً و عمله حراماً.

اما اذا لم یمکنه الفحص و التحقیق حول الغذاء المذکور، أو لم تکن له القدرة و الامکانیة علی تعلّم حکم المسألة، فهو فی هذه الصورة لیس مقصراً و لا یعدّ عاصیاً و لا یوجب عمله مؤاخذة و لا عقاباً، لانه طبقاً لحدیث الرفع الذی ورد عن النبی الاکرم (ص) فان التکلیف و بتبعه العذاب قد رفع عنه.[3] و لیس فی عهدته تکلیف عدا تطهیر الید و الفهم و أوانی الطعام.

و بالطبع فان لهذا الطعام الحرام آثاره الوضعیة و الطبیعیة التی یترکها قطعاً فی جسم الانسان و روحه. و قد أشار علماء الاخلاق الی الآثار الوضعیة لهذه الاطعمة و هم یرون انه و بالرغم من عدم وجود عقوبة علی ذلک، لکنها تؤدی الی سلب بعض التوفیقات من الانسان و تترک آثار سوء معنویة لا یمکن التغاضی عنها، و لهذا ورد التأکید فی روایات عدیدة علی مراقبة الانسان لطعامه و غذائه.

فقد جیء بقدح من لبن لرسول الله (ص) و لکنه لم یشرب حتی اطمأن بحلیته و قال: بذلک امرت الرسل قبلی الّا تاکل الا طیباً و لا تعمل الاّ صالحاً.[4]

و قد حذرت روایات أهل البیت (ع) عن الآثار الوضعیة للطعام حتی علی حیاة الاطفال.[5]

و بناء علی هذا یلزم أن یدقّق الانسان دوماً فی أن یکون طعامه حلالاً، لأن هذا الطعام و آثاره الوضعیة تؤثّر فی مصیره المعنوی و تعرقل حرکته فی مسیر رضا الله تعالی. و کما ان کیفیة اخلاق و أعمال الفرد و المجتمع تؤثر فی حوادث الکون کذلک حوادث الکون تؤثر فی کیفیة أخلاق و أعمال الانسان.[6]



[1] جوادی الآملی، عبدالله، مراحل الاخلاق فی القرآن، ص 153.

[2] المائدة، 39.

[3] بحار الانوار، ج 5، قال رسول الله (ص): "رفع عن امتی الخطا و النسیان و ما اضطروا الیه...".

[4] الدر المنثور، ج 6، 2102؛ میزان الحکمة، ج 3، ص 128، محمدی ری شهری، محمد.

[5] بحار الانوار، ج 100، ص323؛ ج 101، ص 96.

[6] جوادی الآملی، عبدالله،‌ مبادئ الاخلاق فی القرآن، ص 108.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

  • ما هی العلة فی انقسام الجلاتین على محلل و محرم؟
    8241 الحقوق والاحکام 2010/12/21
    الجلاتین مادة غذائیة لها عدة أنواع، بعضها حلال و بعضها الآخر حرام. و حرمته و حلیته منشأوها حرمة و حلیة المواد الأولیة التی تدخل فی صناعته، فإذا کانت المواد الداخلة فی صناعة الجلاتین مواداً نباتیة ففی مثل هذه الحالة تکون جمیع أقسامه حلالاً سواء المصنعة ...
  • هل ان دین المجتمع قابل للتغییر؟
    7382 الکلام الجدید 2007/04/23
    ابتداءً یجب توضیح المراد من السؤال، فقد یمکن ان یراد من التغییر فی دین المجتمع هو التغییر فی - أصل الدین الالهی الحق- الذی اختاره المجتمع، و فی هذا الفرض یکون الحدیث عن ثبات و عدم ثبات العناصر الدینیة، و عن مسألة المعرفة الدینیة و قبضها و بسطها، و قد ...
  • لو کانت المشاکل تعالَج بالدعاء فما هو دورنا فی الحیاة؟
    8422 النظریة 2010/11/09
    إن الاسلام، دین التوفیق بین الظاهر و الباطن، و بین الأمور المادیة و المعنویة، ففی نفس الوقت الذی یعتبر اللهَ مرسل الریاح و السحاب، و أنه عز وجل موجد القوانین الطبیعیة لنزول المطر، و لکنه أیضاً یجعل إیمان الناس و تقواهم السبب فی نزول المطر
  • لماذا لازال شقّ الکعبة یُشاهَد رغم أن بناءها شیّد عدة مرات؟ ألیس لهذا الشقّ سببٌ آخر کالزلازل او تحرک الارض؟
    8168 تاريخ بزرگان 2010/11/09
    تؤکد الروایات التاریخیة و المصادر الإسلامیة أن الکعبة بنیت على ید نبی الله آدم (ع) ثم تضرّرت فی طوفان نوح، و جدّد بناؤها على ید إبراهیم الخلیل (ع)ثم بناها بعده قوم من العرب قبیلة جرهم، و بعده هدّمها الدهر مرة أخرى، فجدد بناءها للمرة الثالثة ...
  • ما هی مواصفات الدین المرسل؟
    7083 الفلسفة الدین 2007/07/08
    1- یتعدد الدین المرسل فی ضوء تعدد رسل السماء.2- ان الدین المرسل نتیجة لحاجة الإنسان إلى رسالة السماء.3- ان النقل بمواصفاته المحددة، هو الذی یوصلنا إلى الدین المرسل، و حین یکتشف العقل شیئاً یتطابق مع ما یقرره النقل فی الدین المرسل، فمن الممکن ان یکون الدلیل النقلی إرشادیاً.4- حیث انه ...
  • ما الوجه فی تسمیة بنی إسرائیل بالیهود؟
    6813 الکلام القدیم 2012/02/14
    یختلف الباحثون فی بیان السبب و الوجه فی التسمیة بالیهود، فمنهم من ذهب الى القول أن الیهود تعنی المهتدی حین تابوا من عبادة العجل فی زمن موسى ...
  • هل اجمع الفقهاء على الوجوب التخییری لصلاة الجمعة؟
    7340 الحقوق والاحکام 2011/04/18
    من الواضح ثبوت وجوب صلاة الجمعة تعیینا فی عصر حضور المعصوم (ع) و توفر الشروط الاخرى و انتفاء التقیة. و لکن وقع الخلاف فی نوعیة وجوبها فی عصر الغیبة، و یمکن القول ان مشهور الفقهاء ذهبوا الى الوجب التخییری. بل قد ادعی علیه الاجماع من ...
  • شخص یغنّی مع إشخاص یرقصون، فهل یعتبر هذا من مصادیق الغناء؟
    5308 الحقوق والاحکام 2010/11/09
    الغناء هو عبارة عن الصوت المقترن بالترجیع و الطرب و المناسب لمجالس اللهو و المعصیةٰ فالقراءة بهذا الشکل و الاستماع إلیها حرام.[1]و طبقاً لهذا التعریف للغناء فما ذکر فی سؤالکم یعتبر من مصادیق الغناء.و للإطلاع ...
  • هل أن القرآن یفضل الجنس الابیض على سائر الاجناس (الصفر، الحمر، السمر والسود)؟
    6858 التفسیر 2010/10/21
    إن آیة 106 من سورة آل عمران کباقی الآیات المتشابهة لا ترید أن تقول إن حظ الجنس الأبیض من القیم الإنسانیة أوفر من باقی الأعراق. و أساسا لا علاقة لهذه الآیات بلون بشرة الناس، و إنما هی تستخدم الاصطلاحات الدارجة فی لغة القرآن أی اللغة العربیة. ...
  • هل یجب تطهیر الشیء الذی سرى الیه عرق الجنب من الحرام؟
    5535 الحقوق والاحکام 2010/06/28
    طرحنا السؤال المذکور على مکاتب المراجع العظام فکانت الاجابة بالنحو التالی:مکتب آیة الله العظمی السید الخامنئی (مدظله العالی):عرق الجنب من الحرام طاهر.مکتب آیة الله العظمی السیستانی (مدظله العالی):عرق الجنب من الحرام لیس بنجس.مکتب ...

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    281788 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    262994 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    130710 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    119748 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    90649 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    62368 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    62262 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    58126 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    53922 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • هل أن أكل سرطان البحر هو حرام؟
    50361 الحقوق والاحکام 2019/06/10
    لقد ورد معيار في أقوال و عبارات الفقهاء بخصوص حلية لحوم الحيوانات المائية حيث قالوا: بالاستناد إلى الروايات فان لحوم الحيوانات البحرية لا تؤكل و هذا يعني إن أكلها حرام[1]. إلا إذا كانت من نوع الأسماك التي لها فلس[2]، و ...