بحث متقدم
الزيارة
9049
محدثة عن: 2009/08/08
خلاصة السؤال
ما هو الدلیل الفقهی المعتبر على حلق اللحیة؟
السؤال
بعد السلام علیکم أرجو الإجابة عن السؤال التالی على مستوى فهم العوام. ما هو الدلیل الفقهی المعتبر فی مسألة حلق اللحیة؟
الجواب الإجمالي

أصدر الفقهاء العظام فتوى بحرمة حلق اللحیة بعد البحث و دراسة الأدلة المتفرقة التی تعالج هذه المسألة. و لکن بعض العلماء ناقش هذه الأدلة و أشکل علیها، و لم یقبل الاستدلال بها. و لکن الاحتیاط أفضل حتی فی الأمور التی لا تسبب للإنسان ضرراً معتداً به.

و لذلک لم یفتوا بجواز حلق اللحیة، و لکنهم قالوا بالاحتیاط بترک هذا الفعل، و من الجدیر بالذکر أن عدم حلق اللحیة لا یعنی عدم التوجه إلى نظافتها أو ترکها تطول أکثر من الحد، بل المطلوب النظافة و الاعتدال قدر الإمکان.

الجواب التفصيلي

لا بد من القول فی البدایة أن السؤال یجمع بین طلبین غالباً ما یکون الجمع بینهما غیر ممکن، و هو بیان الأدلة الفقهیة فی حدود فهم العامة، لأن إدراک و فهم المسائل الفقهیة یحتاج إلى اجتیاز عدة مقدمات مختلفة، فلا یمکن أن یفهم دلیل المسألة الفقهیة دون تجاوز هذه المقدمات، و لهذا السبب قسم المکلفون إلى مجتهدین و مقلدین، و لکن بالإمکان عرض بعض الأدلة بشکل مختصر لإطلاعکم علیها، و لکن إذا کنتم غیر حائزین لرتبة الاجتهاد فلا یمکنکم استنباط النتائج مما سوف یُعرض، و إنما یجب تقلید المجتهدین فی هذا الموضوع، و المسألة الأخرى الجدیرة بالذکر و الاهتمام هی أن النبی (ص) قال: «إن الوقوف عند الشبهات خیر من الاقتحام فی الهلکات». [1]

و بالاستفادة من هذه الروایة و التوجه إلى حیاتنا فی هذا العصر حیث أننا غیر قادرین على الاتصال بالأئمة المعصومین (ع) لأخذ الحکم منهم بشکل مباشر و الاطلاع على أدلة الأحکام بشکل کامل، فإن علماء الدین اتخذوا منهجاً فی المسائل التی لم یجدوا علیها أدلة کافیة و مقنعة و إنما عثروا على بعض الأدلة المتناثرة، و منهجهم هو أن الاحتیاط أسلم و هو الحکم الذی یتفق مع العقل فی الأمور التی لا یسبب ترکها أثراً مهماً فی حیاة الناس و لا توجب لهم حرجاً أو عسراً، و هذا ما یوصون به الآخرین.

و نحن أیضاً نختار هذه الطریقة فی حیاتنا الیومیة، فمثلاً إذا أردنا السفر إلى مکان ما و کان هناک طریقان یؤدیان إلى المقصد أحدهما یکون فیه احتمال الخطر أکثر من الآخر کوجود السراق و قطاع الطرق و غیر ذلک، أما الطریق الآخر فلا یحتمل فیه الخطر کالأول و لکنه أطول فمن الطبیعی أن نختار الطریق الثانی.

و بعد عرض هذه المقدمة نوقفکم على بعض الأدلة بخصوص المسألة:

1- توجد آیة فی القرآن تقول أن تغییر خلق الله من إیحاءات الشیطان و تعالیمه. [2]

و یستدل البعض بهذه الآیة من خلال المقاربة التالیة:

بما أن الله سبحانه جعل اللحیة فی أصل خلقة الرجال، فإن حلقها یعنی تغییراً لخلق الله، و إن هذا الفعل مصداق من مصادیق تغییر الخلق، و لذلک لا بد من اجتناب هذا الأمر.

2- هناک روایات کثیرة عن النبی الأکرم (ص) و الأئمة المعصومین (ع) تدل على أن الأئمة نهوا بعض المسلمین عن حلق اللحیة، و أن هذا العمل یوجب التشبه بالکفار، و بعنوان المثال فقد روی عن النبی (ص): «احفوا الشوارب و أطلقوا اللحى و لا تتشبهوا بالمجوس». [3]

و کذلک قال الإمام الرضا (ع) فی معرض الإجابة لشخص سأله عن حلق اللحیة: «أما من عارضیه فلا بأس، و أما من مقدمهما فلا» [4] و نلفت النظر أیضاً إلى وجود توصیات من الجهة الأخرى بعدم إعفاء اللحیة لتبلغ أکثر من الحدود المعقولة و المقبولة. [5]

3- الدلیل الآخر یتلخص بالقول مع أن بعض الفقهاء لم یصرحوا أو یفتوا بحرمة الحلق و إنما یوصون بالاحتیاط، و لکن لم یوجد فقیه واحد على طول الخط أفتى بجواز حلق اللحیة و هذا یکشف عن وجود توافق نظری بین الفقهاء فی هذه المسألة.

4- بالرجوع إلى التاریخ و الأوصاف المنقولة لظاهر أئمة الدین و الصالحین و أهل التقوى لم نعثر على دلیل یدل على أنهم کانوا یحلقون اللحى، و هذا دلیل على أن الحلق أمر غیر محمود بالنسبة لما یرتکز فی وعی عموم المسلمین.

و على أی حال، فإن هذه الأدلة و غیرها مما یذکر فی کتب الفقه و الکتب الخاصة فی معالجة هذا الموضوع و هی موجودة و مطبوعة من أجل کل هذا أفتى البعض بحرمة حلق اللحیة. [6]

و لکن بعض العلماء أشکلوا على کل هذه الأدلة و لم یروها کافیة للإفتاء بالحرمة. [7]

و مع ذلک فالجمیع یتفقون نظریاً على أن الموقف السلیم فی مثل هذه الأمور المشتبه بها هو اللجوء إلى الاحتیاط، و إذا کانت أدلة حرمة الحلق لا تنهض إلى مستوى التحریم فإن المتیقن فی المسألة أن إعفاء اللحیة إلى حدود معینة أمر لا مانع منه، و علیه إذا کان عدم الحلق لا یوقعنا فی المشاکل و الحرج فإن إعفاء اللحیة یجعلنا نطمئن إلى أننا لم نخالف تعالیم الإسلام، و لکن فی حالة حلق اللحیة بالکامل فهناک احتمال و لو ضعیف بأننا قد نخالف هذه التعالیم. و على هذا الأساس و استناداً إلى حدیث النبی (ص) الدال على الاحتیاط فی الأمور المشتبه بها فإن إعفاء اللحیة بشکل طبیعی و متعارف هو الأسلم و الأقرب إلى السلوک الممکن أن نعمل به.

و أخیراً لا بد من التنبیه على أن إطلاق اللحیة لا یعنی عدم التوجه إلى نظافتها أو تحسینها، و النبی (ص) یوجهنا إلى ذلک بالقول: «من اتخذ شعراً فلیحسن ولایته» [8] و هناک فصل فی کتب الحدیث یختص بمسألة حلق اللحیة. [9]

یمکن الاطلاع أکثر بالرجوع إلى السؤال 2266 فی هذا الموقع.



[1] الحر العاملی، محمد بن الحسن، وسائل الشیعة، ج27، ص157، الروایة 33472، مؤسسة أهل البیت، قم، 1409، هـ.ق.

[2] النساء، 119.

[3] الحر العاملی، محمد بن الحسن، وسائل الشیعة، ج2، ص116، الروایة 1660.

[4] نفسه، ج2، ص111، الروایة 1644.

[5] انظر: وسائل الشیعة، ج2، ص 112، باب استحباب قص ما زاد عن قبضة من اللحیة.

[6] فی هذا الخصوص یمکن مراجعة کتاب (الحلیة فی حرمة حلق اللحیة) تألیف السید أبو الحسن الموسوی و (رسالة فی حرمة حلق اللحیة) تألیف محمد جواد البلاغی.

[7] التبریزی، جواد، إرشاد الطالب إلى التعلیق على المکاسب، ج1، ص144 ـ 148، مؤسسة اسماعیلیان، قم، 1416 هـ.ق، الطبعة الثالثة.

[8] الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی، ج6، ص485، دار الکتب الإسلامی، طهران، 1365 هـ.ش.

[9] کمثال، وسائل الشیعة، ج2، ص110، باب استحباب تخفیف اللحیة و تدویرها و الأخذ من العارضین و تبطین اللحیة.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279435 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257251 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128143 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113248 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    88997 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59838 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59551 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56856 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49741 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47165 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...