بحث متقدم
الزيارة
6116
محدثة عن: 2007/11/17
خلاصة السؤال
هل أن نظرة القرآن إلى الإنسان أنه موجود ظلومٌ جهول، أم أنه خلیفة الله؟
السؤال
هل أن نظرة القرآن إلى الإنسان أنه موجود ظلومٌ جهول، أم أنه خلیفة الله؟
الجواب الإجمالي

1. یشیر القرآن الکریم إلى مقام الإنسان الشامخ فی بعض آیاته، و لکنه من جهة أخرى ـ و فی کثیر من الآیات ـ یوبخ الإنسان و یؤنبه.

2. إن حرکة الإنسان فی منحنى الصعود و الهبوط لا نهایة لها و لا حدود یتوقف عندها، و ذلک بسبب ما یمتلکه من الاستعدادات الخارقة للعادة.

3. الإنسان موجود ذو بعدین، بعد روحانی ملکوتی، و بعد حیوانی نفسی.

4. خلافاً لجمیع الموجودات فإن الإنسان یتمتع بالإرادة و الاختیار و أنه یختار طریق مسیره بنفسه بحسب الأرضیة و طبیعة الأجواء المحیطة به.

5. إن الذین یرتقون إلى مقام (خلیفة الله) و ینالون هذه المرتبة أولئک الذین اهتدوا بهدى الله، بعد أن کبحوا جماح غرائزهم الحیوانیة و أهوائهم النفسانیة، و وضعوها تحت السیطرة و التحکم.

الجواب التفصيلي

عبر مرور إجمالی بالقرآن الکریم یمکن أن نحصل على النتیجة التالیة:

إننا نلتقی بمجموعتین من الآیات القرآنیة التی تعالج شؤون الإنسان و تحدد مشخصاته، المجموعة الأولى من الآیات تشید بالإنسان و ترفع من مقامه و مرتبته. و تذکره بالتعظیم و الإجلال، و من هذه الآیات.

1ـ «وَ لَقَدْ کَرَّمْنَا بَنِی آدَمَ وَ حَمَلْنَاهُمْ فِی الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ وَ رَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّیِّبَاتِ وَ فَضَّلْنَاهُمْ عَلَى کَثِیرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِیلاً».[1]

2ـ «وَ إِذْ قَالَ رَبُّکَ لِلْمَلائِکَةِ إِنِّی جَاعِلٌ فِی الأَرْضِ خَلِیفَةً».[2]

3ـ «إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَ الأَرْضِ وَ الْجِبَالِ فَأَبَیْنَ أَنْ یَحْمِلْنَهَا وَ أَشْفَقْنَ مِنْهَا وَ حَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ کَانَ ظَلُوماً جَهُولاً».[3] و...

و أما المجموعة الأخرى من الآیات، فإنها تذکر الإنسان بالذم و توجه إلیه اللوم و التأنیب من خلال عبارات قاسیة، کقوله: «فَیَئُوسٌ قَنُوطٌ»،[4] «لَبَغَوْا فِی الأَرْضِ»،[5] «لَظَلُومٌ کَفَّارٌ»،[6] «إِنَّهُ کَانَ ظَلُومًا جَهُولاً»،[7] «خَصِیمٌ مُبِینٌ»،[8] «إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِی خُسْرٍ».[9]

و على أساس ما تقدم من الآیات یمکن أن یطرح السؤال التالی: ما هو السر فی ذلک، و ما هو معنى و مفهوم هذه الآیات التی تبدو متعارضة فی الظاهر، و فی غایة التباعد و التضاد؟

و من أجل الإجابة عن هذا السؤال، فإنه من المستحسن الاستعانة بالقرآن نفسه، و ذلک أن بعض آیات هذا الکتاب السماوی تفسر البعض الآخر.

نقرأ فی سورة البیّنة المبارکة: « إِنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْکِتَابِ وَ الْمُشْرِکِینَ فِی نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِینَ فِیهَا أُولَئِکَ هُمْ شَرُّ الْبَرِیَّةِ * إِنَّ الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِکَ هُمْ خَیْرُ الْبَرِیَّةِ».[10] و فی هاتین الآیتین المترادفتین یرد ذکر الإنسان بنوعیه، فمنه ما هو أحسن الموجودات و منه ما هو أسوء الموجودات و هذه المسألة تبین المنحنى الصعودی( قوس الصعود) و المنحنى النزولی( قوس النزول) الممتد إلى اللانهایة، بمعنى أن الإنسان صاحب الإیمان و العمل الصالح، یکون أفضل مخلوقات الله فی هذا العالم، و أما إذا سلک سبیل العناد و الکفر و الطغیان و الإلحاد فإنه ینحط إلى أسفل السافلین حتى یکون أسوء خلق الله.

یقول علی(ع) فی بعض الروایات: «إن الله عز و جل رکب فی الملائکة عقلاً بلا شهوة، و رکب فی البهائم شهوة بلا عقل، و رکب فی بنی آدم کلتیهما، فمن غلب عقله شهوته فهو خیر من الملائکة، و من غلبت شهوته عقله فهو شر من البهائم».[11]

و یمکن أن نستنتج من هذه الروایة النورانیة ما یلی: بما أن الإنسان موجود ذو بعدین (بعد روحی و بعد مادی نفسی)، فإن میوله و رغباته تکون على کیفیتین (میول و تطلعات معنویة روحانیة و میول حیوانیة نفسانیة) و بإمکانه أن یختار أحد هذین الطریقین من خلال القدرة التی وهبها الله إیاه و الحریة و الإرادة التی زوده بها، و إمکانیة الاختیار، فأما أن یختار طریق الصلاح و الخیر فیسمو و یرتقی به إلى مراتب إنسانیة سامیة، و أما أن یختار الطریق الأخرى فینحط و یسقط إلى أسفل الدرکات، أو کما یعبر القرآن کالأنعام أو أضل سبیلاً.[12]

إذن فآیات القرآن النورانیة تزیل الحجاب عن هذه الواقعیة و هی أن جمیع أفراد الإنسان فی مرحلة القوة و الاستعداد یملکون الأرضیة المناسبة و الاستعداد الکافی لأن یکون أفضل و أعلى و أکمل الموجودات بما فی ذلک الملائکة، و حین تتحول هذه الاستعدادات إلى مرحلة الفعل فی اتجاه الخیر فإن الإنسان یرتقی إلى مقام (خلیفة الله).

و أما إذا لم یستفد الإنسان من هذه العنایات و الألطاف الإلهیة و لم یقدر هذا الموقع الممتاز الذی منحه الله له من بین المخلوقات فیسقط فی الخسران، و ینحط إلى أسفل السافلین، فیکون مورداً للذم و اللوم و التأنیب من قبل الله تعالى، و قد أوردنا نماذج من هذه الآیات فی هذا المختصر و للتوسع فی الموضوع، یمکن مراجعة:

المیزان، ج16، ص524ـ527؛ تفسیر الأمثل، ج8 ص242؛ ج17، ص451 ـ 457.



[1] الإسراء، 70.

[2] البقرة، 30.

[3] الأحزاب، 72.

[4] فصلت، 49، 50، 51.

[5] الشورى، 27.

[6] إبراهیم، 34.

[7] الأحزاب، 72.

[8] یس، 77.

[9] العصر، 2.

[10] البینة: 6و7.

[11] تفسیر نور الثقلین، ج3، ص188.

[12] «أولئک کالأنعام بل هم أضل»، الأعراف، 179.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279432 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257216 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128133 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113229 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    88986 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59829 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59543 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56851 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49720 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47160 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...