بحث متقدم
الزيارة
6639
محدثة عن: 2015/09/01
خلاصة السؤال
هل یدل قوله تعالى " ولیس الذکر کالأنثى" على أفضلیة جنس المرأة على جنس الرجل؟
السؤال
ما صحة المعلومات التالیة و التی أجدها منشورة على صفحات الفیس بوک و أرجو أن یکون الرد بشکل ما قلّ و دلّ و لکی اشارک فی نشرها جزاکم الله تعالى خیر الجزاء. منها : أنّ الأنثى مفضلة على الذکر فی الآیة المبارکة.. و لیس الذکر کالأنثى.. وذلک بسبب قواعد اللغة العربیة.رغم أننا تربینا على العکس.
الجواب الإجمالي
قال تعالى فی سورة آل عمران مشیرا إلى النذر الذی قطعته امرأة عمران على نفسها "إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ رَبِّ إِنِّی نَذَرْتُ لَکَ ما فی‏ بَطْنی‏ مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّی إِنَّکَ أَنْتَ السَّمیعُ الْعَلیمُ * فَلَمَّا وَضَعَتْها قالَتْ رَبِّ إِنِّی وَضَعْتُها أُنْثى‏ وَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ وَ لَیْسَ الذَّکَرُ کَالْأُنْثى‏ وَ إِنِّی سَمَّیْتُها مَرْیَمَ وَ إِنِّی أُعیذُها بِکَ وَ ذُرِّیَّتَها مِنَ الشَّیْطانِ الرَّجیم".[1]
جاء فی التواریخ و الأخبار الإسلامیة و أقوال المفسّرین أنّ «حنة» و «أشیاع» کانتا أختین، تزوّجت الأولى «عمران»[2]  أحد زعماء بنی إسرائیل، و تزوّجت الأخرى «زکریّا» النبیّ. مضت سنوات على زواج «حنة» بغیر أن ترزق مولودا. و فی أحد الأیّام بینما هی جالسة تحت شجرة، رأت طائرا یطعم فراخه. فأشعل هذا المشهد نار حبّ الأمومة فی قلبها، فتوجّهت إلى اللّه بمجامع قلبها طالبة منه أن یرزقها مولودا، فاستجاب اللّه دعاءها الخالص، و لم تمض مدّة طویلة حتّى حملت.
ورد فی الأحادیث أنّ اللّه قد أوحى إلى «عمران» أنّه سیهبه ولدا مبارکا یشفی المرضى المیؤوس من شفائهم، و یحیى الموتى بإذن اللّه، و سوف یرسله نبیّا إلى بنی إسرائیل. فأخبر عمران زوجته «حنة» بذلک. لذلک عند ما حملت ظنّت أنّ ما تحمله فی بطنها هو الابن الموعود، دون أن تعلم أنّ ما فی بطنها أم الابن الموعود «مریم» فنذرت ما فی بطنها للخدمة فی بیت اللّه «بیت المقدس». و لکنّها إذ رأتها أنثى ارتبکت و لم تدر ما تعمل، إذ أنّ الخدمة فی بیت اللّه کانت مقصورة على الذکور، و لم یسبق أن خدمت فیه أنثى.[3]
وعلیه لم تکن الآیة المبارکة بصدد المفاضلة بین جنسی الذکر و الأنثى و هذا المعنى هو الذی استفاده المفسرون عند تعرضهم لبیان المراد من الآیة المبارکة حیث انقسموا إلى فریقین فی بیان القائل لعبارة "ولیس الذکر کالأنثى":
فذهب فریق إلى القول بأن  حنّة أم مریم بنت عمران هی صاحبة قوله «رَبِّ إِنِّی نَذَرْتُ لَکَ ما فِی بَطْنِی» أی أوجبت لک بأن أجعل ما فی بطنی «مُحَرَّراً» أی خادما للبیعة یخدم فی متعبداتنا عن مجاهد و قیل محررا للعبادة مخلصا لها عن الشعبی و قیل عتیقا خالصا لطاعتک لا أستعمله فی منافعی و لا أصرفه فی الحوائج عن محمد بن جعفر بن الزبیر قالوا و کان المحرر إذا حرر جعل فی الکنیسة یقوم علیها و یکنسها و یخدمها لا یبرح حتى یبلغ الحلم ثم یخیر فإن أحب أن یقیم فیه أقام و إن أحب أن یذهب ذهب حیث شاء.... و کانت ترجو أن یکون غلاما فلما وضعتها خجلت و استحیت و «قالَتْ» منکسة رأسها «رَبِّ إِنِّی وَضَعْتُها أُنْثى‏.[4]
فیما ذهب فریق آخر الى نسبة قوله تعالى "ولیس الذکر کالانثى" الى الله تعالى لا الى حنّة حیث قال: لکن لما کانت قولها رَبِّ إِنِّی وَضَعْتُها أُنْثى‏، مسوقا لإظهار التحسر کان ظاهر قوله: وَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ، أنه مسوق لبیان أنا نعلم أنها  أنثى لکنا أردنا بذلک إنجاز ما کانت تتمناه بأحسن وجه و أرضى طریق، و لو کانت تعلم ما أردناه من جعل ما فی بطنها أنثى لم تتحسر و لم تحزن ذاک التحسر و التحزن و الحال أن الذکر الذی کانت ترجوه لم یکن ممکنا أن یصیر مثل هذا الأنثى التی وهبناها لها، و یترتب علیه ما یترتب على خلق هذه الأنثى فإن غایة أمره أن یصیر مثل عیسى نبیا مبرئا للأکمه و الأبرص و محییا للموتى لکن هذه الأنثى ستتم به کلمة الله و تلد ولدا بغیر أب، و تجعل هی و ابنها آیة للعالمین، و یکلم الناس فی المهد، و یکون روحا و کلمة من الله، مثله عند الله کمثل آدم إلى غیر ذلک من الآیات الباهرات فی خلق هذه الأنثى الطاهرة المبارکة و خلق ابنها عیسى (ع).
و من هنا یظهر: أن قوله: وَ لَیْسَ الذَّکَرُ کَالْأُنْثى‏، مقول له تعالى لا لامرأة عمران، و لو کان مقولا لها لکان حق الکلام أن یقال: و لیس الأنثى کالذکر لا بالعکس.[5]
وعلى کل حال سواء کان القائل "ولیس الذکر کالانثى" هو الله تعالى أو امرأة عمران (أم مریم) فلا تدل الآیة على أفضلیة جنس المرأة على جنس الرجل؛ لأن اللام (الـ) فی کلمتی الذکر و الأنثى  من قبیل لام العهد الذکری أو الذهنی لا من قبیل لام الجنس.[6]  بمعنی أن الولد المعهود و الذی اشارت له الآیة الکریمة الذی کانت امرأة عمران تأمل ولادته لیس کالانثى التی ولدتها (مریم) فی الفضل و ما یترتب علیه من ثمرة کبرى فی المستقبل، بل حتى لو ذهبنا إلى کون اللام تفید الجنس فلا دلالة للآیة على التفضیل بین الجنسین لانها بصدد بیان الفارق بین الجنسین فی خصوص الخدمة فی المعبد لا مطلقا، و من هنا قال صاحب کنز الدقائق: و اللام فیها للعهد، أی: لیس الذّکر الّذی طلبت کالأنثى الّتی وهبت. أو للجنس، بمعنى، و لیس الذّکر و الأنثى سواء فیما نذرت.[7]
فالمتحصل أن الآیة المبارکة لیست بصدد المفاضلة بین الجنسین بل هی أما مشیرة إلى التفاضل بین ولیدین معینین أو ناظرة إلى التفاضل بین الولیدین فی خصوص وظیفة معینة هی الخدمة فی المعبد.
 

[1] آل عمران، 35-36.
[2] تفید بعض الأحادیث أنّ «عمران» کان نبیّا و یوحى إلیه. و عمران هذا غیر عمران والد موسى، إذ بینهما 1800 سنة من الزمان. (مجمع البیان- و تفسیر المراغی، ذیل الآیة مورد البحث).
[3] ناصر مکارم الشیرازی، الأمثل فی تفسیر کتاب الله المنزل، ج‏2، ص: 476- 477، نشر مدرسة الإمام علی بن أبی طالب (ع)، قم، الطبعة الاولى، سنة 1421ق.
[4] الطوسی محمد بن حسن، التبیان فی تفسیر القرآن، تحقیق، قصیر العاملى، آحمد، ج 2، ص 44، بیروت، دار احیاء التراث العربى، بلا تاریخ؛ الطبرسی، فضل بن حسن، مجمع البیان فی تفسیر القرآن، تحقیق، البلاغی، محمد جواد، ج 2، ص 737، طهران، ناصر خسرو، الطبعة الثالثة، 1372 ش.
[5] انظر: الطباطبائی، سید محمد حسین، المیزان فی تفسیر القرآن، ج 3، ص 172، قم، مکتب الاعلام ال؛سلامی، الطبعة الخامسة، 1417ق.
[6] حسینی شاه عبدالعظیمی، حسین، تفسیر اثنا عشری، ج 2، ص 80، طهران، میقات، الطبعة الاولى، 1363ش؛ شبر، سید عبد الله، تفسیر القرآن الکریم، ص 89، بیروت، دار البلاغة للطباعة و النشر، الطبعة الأولى، 1412ق.
[7] القمی المشهدی، محمد بن محمدرضا، تفسیر کنز الدقائق و بحر الغرائب، تحقیق: درگاهی، حسین، ج ‏3، ص 80، طهران، مؤسسة النشر التابعة لوزراة الارشاد الاسلامی، الطبعة الأولى، 1368ش.
س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279312 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    256755 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128016 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    112662 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    88886 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59528 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59318 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56790 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49250 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47092 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...