بحث متقدم
الزيارة
2324
محدثة عن: 2014/07/20
خلاصة السؤال
ماهي مکانة السیاسة والحکومة من وجهة نظر الامام علي(ع)؟
السؤال
كيف تبدو السياسة في نظر الإمام علي(ع)؟
الجواب الإجمالي

انّ دخول الامام علي(ع) في ساحة السیاسه و قبول الحکم، حسب شهادة التاريخ، لم یکن بمفهوم طلب الرئاسة والسلطة. إنّ الحكومة عنده من هذه الجهة، أدنی وأهون من عفطة عنز وأقل قیمة من حذاء ممزق؛ لأن الحذاء الذي يلبي حاجته(ع) ولا يحمل أي مسؤولية، أحسن وأفضل بكثير من الرئاسة والمنصب الذي ينطوي على مسؤوليات كثيرة و خطیرة.

إن الحكومة في نظر الإمام علي(ع)، ذات قيمة طالما يستطيع الحاكم بمساعدة هذه الأداة السياسية أن يقيم‏ حقا أو يدفع باطلا، وأن یعید الكرامة الإنسانية التي قد ضیّعتها أیدی الأقوياء والظالمین خلال القرون إلى المجتمعات البشرية.

لذلك فإن السیاسة، من وجهة نظر الامام علي(ع)، هي فرصة مناسبة لتحقیق العدالة الاجتماعية. العدالة التي عبّر عنها القرآن الکریم بالقسط واعتبرها أحد الأهداف الرئيسية من بعثة جميع الأنبياء(ص).

الجواب التفصيلي

لكي نتمكن من دراسة السياسة من منظور الإمام علي(ع)، يجب علينا أوّلاً تعریفها:

تعريف السياسة

السياسة(طريقة ادارة البلد) كما جاء تعریفها في القواميس السياسية؛ هي عبارة عن الأساليب التي تتبناها الحكومة من أجل إدارة المجتمع، و أثناء قيامها بالسلطة، فإنها تواصل العمل لصالح جميع الطبقات الاجتماعية، كما أنه یجب علی كل فرد في البلاد أيضًا القیام بخدمة الحكومة في النهوض بشؤون المجتمع.[1]

لقد فسّر الدهخدا كلمة السياسة في قاموسه ب "تدبیر الامور والمصلحة والتبصر".[2] وعرّف قاموس المعين السياسة بإنها، الحكومة علی الرعیة وإدارة الشؤون الداخلية والخارجية للبلد، وكذلك الحكم والجزاء والمعاقبة.[3]

ضرورة الحكومة ونظام الحكم

بالنظر الی ماقیل في تعریف السياسة؛ أوّلاً، يجب أن نعلم أن الحكومة أمر لا مفر منه من وجهة نظر الإمام علي(ع).

إن فكرة اللاسلطوية(الفوضى والهروب من القانون) کانت تروجها الخوارج في زمن الامام علي(ع). انهم استغلوا قضیة التحکیم فی معرکة صفین التی ترکت آثارا سلبیة و قاموا بإدانة مبدأ الولاية والحكومة وضرورة نظام الحکم ودعوا الی نفي اصل الحکومة وإلغائها بشعار "لا حكم الا لله" - الذي هو صحيح في محله -؛ لذلک قال الامام(ع) رداً علی قول الخوارج: «إنها کلمة حق یراد بها باطل. نعم لا حكم إلا للّه و لكن هؤلاء يقولون: لا إمرة، وإنه لا بد للناس من أمير بر أو فاجر، يعمل في إمرته المؤمن ويستمتع فيها الكافر ويبلغ اللّه فيها الأجل ويجمع به الفي‏ء، ويقاتلوا به العدو، وتأمن به السبل، ويؤخذ به للضعيف من القوي، حتى يستريح بر، أو يستراح من فاجر».[4]

مکانة السياسة والحكومة في نظر الإمام علي(ع).

ان دخول الامام علي(ع) في ساحة السیاسه وقبول الحکم، حسب شهادة التاريخ، لم یکن بمفهوم طلب الرئاسة والسلطة. إن الحكومة من هذه الجهة أدنی و أهون عنده من عفطة عنز وأقل قیمة من حذاء ممزق؛ لأن الحذاء الذي يلبي حاجته(ع) ولا يحمل أي مسؤولية هو أحسن وأفضل بكثير من الرئاسة والمنصب الذي ينطوي على مسؤوليات كثيرة.

 

كثيرا ما یلاحظ في خطب وكتابات الإمام علي(ع) أنه کان یحقتر الحكومة والسلطة مرارا لدرجة أنه قال: «واللّه لدنياكم هذه أهون في عيني من عرق خنزير في‏ يد مجذوم».‏[5]

و يخاطب الامام(ع) ابن عباس ويصف له الحکومة بأنها أدنی من نعلیه ویقول: «والله لَهيَ‏ أحب‏ إليّ‏ من‏ إمرتكم، الّا أن اقيم حقا أو أدفع باطلا».[6]

وقال(ع) في کلام طويل آخر: «و الّذي فلق‏ الحبّة وبرء النسمة لو لا حضور الحاضر وقيام الحجّة بوجود الناصر، وما أخذ اللّه على العلماء أن لا يقارّوا على كظّة ظالم، ولا سغب مظلوم، لألقيت حبلها على غاربها، ولسقيت آخرها بكأس أوّلها، ولألفيتم دنياكم هذه عندي أزهد من عطفة عنز‏».[7]

هذه هي الصورة التي يرسمها الإمام علي(ع) للحكومة، خاصة عندما کان نفسه حاكما للعالم الإسلامي. بالطبع، القيمة الوحيدة التي یعتبرها الإمام علي(ع) للحكومة، هي عندما تكون الحكومة وسيلة لتحقيق العدالة وإحياء القيم الإلهية وحماية كرامة الإنسان.

وفي نظر الإمام علي(ع)؛ إن الحكومة تصبح ذات قيمة عندما يتستطیع الحاكم بمساعدة هذه الأداة السياسية أن یقیم حقا أو یدفع باطلا، وأن یعید الكرامة الإنسانية التي دمرها الأقوياء والظالمون على مر القرون للمجتمعات البشرية.

لقد تصرف الإمام علي(ع) في السياسة وأسلوب الحكم وطريقته بشكل كان في الحقيقة رسما عمليا للحكم والسياسة الإسلامية. الحكم الذي كان بعيدا عن سياسات النفاق والخداع المعتادة في العالم، ولم ينحرف عن محور الحقيقة والعدل حتی بقدر شعرة واحدة، ولم يضحي بمصالح الدين والمسلمين من اجل اللُعب السياسية المعتادة.

يقول(ع) في هذا الصدد: «واللّه لأن أبيت على حسك‏ السعدان‏ مسهدا أو اجرّ في الأغلال مصفدا أحبّ إليّ من أن ألقى اللّه يوم القيامة ظالما لبعض العباد وغاصبا لشي‏ء من الحطام وكيف اظلم أحدا والنفس تسرع الى البلى قفولها ويطول في الثرى حلولها ».[8] «واللّه لو اعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على ان أعصي اللّه في نملة اسلبها شعيرة ما فعلته وإن دنياكم عندي لأهون من ورقة في فم جرادة ». [9]

اذا راجعنا نهج البلاغة، لعرفنا من خلال نصوص خطب الإمام علي(ع) ورسائله وكلماته هذه الحقیقة، أنه کان سياسيا ومنفذا للسياسات الصحيحة، وكان يعرف تفاصيل السياسة والحكم وادارة البلاد جيدا. کان یستخرجها من النصوص الدینیة وتعاليم القرآن، ثم کان یصدر تعليمات سياسية تقوم على المبادئ الإسلامية والإنسانية.

في الوقت نفسه، كانت السياسة فرصة مناسبة له لإقامة العدالة الاجتماعية. العدالة التي عبّر عنها القرآن الکریم بالقسط واعتبرها أحد الأهداف الرئيسية لبعثة الأنبياء(ص): «لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَ أَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَ الْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ».[10]

في هذا الصدد، كتب الإمام علي(ع) في رسالة موجهة إلى أحد ولاته(الأشعث بن قيس، والي أذربيجان): «إن عملك ليس‏ لك‏ بطعمة، ولكنه في عنقك أمانة، و أنت مسترعى لمن فوقك‏».[11]

ولعل هذا هو سبب امتناعه من قبول هذه المسؤولية الخطيرة في بدایة الأمر، ولكن عندما واجه إصرار الناس قبلها لكي يتمكن في ظل الحكومة والسياسة بتوفير الأرضية اللازمة لتحقيق القسط والعدالة الاجتماعية.

لذلك، مع هذا النهج في السياسة والحكومة في مدرسة علي(ع)، ینبغی أن یقال، إن الحكومة ليست منصبًا شخصيًا حتی یقوم الحاکم في ظلها بالبحث عن الفرص والمزايا لنفسه ولمن حوله، بل هي ودیعة في يد جماعة حتی یتحقق في ضوئها الهدف الرئيسي للحكومة، الذي هو إحیاء الحق وتنفیذ العدالة.

 


[1]. پور کریم، محمد مهدي، فرهنگ سیاسی نمونه، ص 159، عبد الرحیم العلمي، الطبعة الأولی، 1358ش.

[2]. الدهخدا، علی اکبر، لغت‌‌نامه دهخدا، ج 38، حرف السین، کلمة «السياسة».

[3]. المعین، محمد، فرهنگ معين، حرف السین، کلمة «السياسة».

[4]. الشریف الرضي، محمد بن الحسین، نهج البلاغة، المحقق، صبحي صالح، ص ۸۲، قم، هجرت، الطبعة الاولی، 1414ق.

[5]. نفس المصدر، ص ۵۱۰.

[6]. نفس المصدر ، ص 76.

[7]. نفس المصدر ، ص 50.

[8]. نفس المصدر ، ص 346.

[9]. نفس المصدر ، ص ۳۴۷.

[10]. الحدید، 25.

[11]. نهج البلاغة، ص 366.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279466 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257328 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128192 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113308 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89023 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59877 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59589 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56879 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49819 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47189 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...