Please Wait
7722
لم یکن الصحابة جمیعاً أعداءً، و لم یسعَ الجمیع إلى الإمساک بزمام الحکم و بلوغ الخلافة. و لکن عدداً قلیلاً منهم ـ و الذین کانت بیدهم مقالید الأمور ـ وقعت بینهم الاختلافات، و لکن توجد بینهم نقاط اشتراکٍ و التقاء أیضاً، کما أننا لا نعتقد أن هؤلاء أصبحوا کفاراً و عبدة للأصنام. و لکنهم أعرضوا عن الأخذ بتعالیم الرسول و توصیاته فی بعض المراحل . و خلاصة القول أن الفتوحات الکثیرة لیست دلیلاً على أنهم کانوا على محبةٍ و ائتلاف بحیث لایوجد بینهم ادنى اختلاف، لأن توسع الإسلام کان بسبب جاذبیة تعالیمه، و ما فیه من حکمة و منطق، کان سکان المناطق المفتوحة ینظرون و یدرسون تعالیم الدین الجدید دون الأخذ بنظر الاعتبار ما کان علیه سلوک المهاجمین الفاتحین. و هذا لابعنی انه لیس لسلوک المجاهدین دور فی استقطاب الناس الى الاسلام، بل ان احدى العوامل الاساسیة فی الفتح الاسلامی هی سلوکیات المسلمین الجیدة.
إن هذا السؤال ینقسم فی حقیقة الأمر إلى عدة أسئلة فرعیة:
1ـ هل أن الشیعة یذهبون إلى أن جمیع الصحابة یعادی بعضهم البعض، و أنهم جمیعاً کانوا یسعون إلى نیل الخلافة و الإمساک بزمام الحکم؟
2ـ هل أن مجتمع الصحابة فاقد للألفة و المحبة؟
3ـ هل أن جمیع الصحابة کفروا إلا قلیلاً منهم؟
4ـ هل یمکن لجماعة فاقدة للألفة و المحبة أن تفتح المدن و البلدان و تخضعها لإرادتها و تقنعها برؤاها؟
و سوف نناقش و ندرس الجواب على أساس الترتیب المتقدم:
1ـ لا تعتقد الشیعة بأن جمیع الصحابة أعداء، و إنما یعتقدون أن عدة من الصحابة تمردوا على أوامر الرسول و ترکوا توصیاته من أجل الوصول إلى السلطة و الإمساک بزمام الأمور، و عدم الاعتراف بدور الأمة. و أما سائر الصحابة فلم یکونوا أعداءً، و إنما سعوا جمیعاً لحمل أهداف الإسلام و تحقیق مقاصده و غایاته، على الرغم من وجود فئة منهم قد أخطأت التقدیر و لم تعمل الدقة فی الأحداث و الوقائع التی کانت تشکل خطراً یهدد مصالح المجتمع الإسلامی، فانضمت إلى جهات سیاسیة و اصطفافات و تکتلات دون إرادتها. و لکن الأمر مختلف فی حالة وجود خطر مشترک، فإنهم یتحدون لدرء هذا الخطر [1] .
و بعبارةٍ أخرى: فعلى الرغم من أن حب الرئاسة و التسلط موجود لدى جمیع أبناء البشر، إلا أن مراجعة للتاریخ تثبت أن الذین سعوا إلى ذلک فئة قلیلة لاتتجاوز أصابع الید من بین عشرات الآلاف من الصحابة، و أما باقی الصحابة فکانوا فی مقام المتفرجین على هذه المعرکة، و من ثم الانسجام و الاندکاک فی کل وضع تفرزه الأحداث و هذا لیس من اعتقاد الشیعة وحدهم، و إنما سوف نورد الأدلة و الوقائع التی تثبت ذلک، و التی حفلت بها الکثیر من کتب أهل السنة و مراجعهم.
2ـ و أما فیما یخص الالفة و المحبة فی مجتمع الصحابة فلا بد من القول: بالنظر لوجود الکثیر من نقاط الاشتراک بین الصحابة، فإن أرضیة الالفة و المحبة بینهم متوفرة بشکلٍ کبیر. فهم یقفون جمیعاً لأداء الصلاة، و یصومون شهر رمضان، و یؤتون زکاة أموالهم، و ینفرون لجهاد الکفار و المشرکین فی صفٍ واحد، و یقصدون الحج و العمرة فی وقتٍ واحد و... .
إن الالفة کانت موجودة لدى عموم الصحابة، و أما بالنسبة للأشخاص الذین ارتقوا إلى قمة الهرم الإسلامی بأی حال من الأحوال ـ فإن المواجهة وقعت بینهم و فی عدة مرات و فی عدة مواقع، حتى وقعت بینهم المواجهات الحامیة. و من خلال التأمل فی القرآن الکریم و المصادر التاریخیة و الروائیة لأهل السنة یتضح دون لبس أن الاختلاف الواقع بین الصحابة و المواجهات الضاریة لم تکن اختراع الشیعة و ادعاءاتهم.
المورد الأول: کان الخلیفتان الأول و الثانی على اتفاقٍ و تعاون فیما بینهما و ذلک کما یراه السنة و الشیعة أیضاً. و لکن النزاع و الاختلاف وقع بینهم فی مراتٍ عدیدة، حتى علا صوتهما فی التشاجر عند النبی فجاء القرآن الکریم یأمر المسلمین بأن یخفضوا أصواتهم عند رسول الله، و إلا سوف یکون ذلک العمل محبطاً لأعمالهم. [2]
إن أصح کتاب عند أهل السنة، و هو صحیح البخاری ینقل النزاع و التخاصم الذی حدث بین أبی بکر و عمر، و أن الرجلان أشرفا على الهلاک قبیل نزول الآیة. و ذلک لاختلافهما فی أمر جماعة جاءت إلى رسول الله حتى بلغ الأمر بأبی بکر أن یقول لعمر: إنک لا ترید إلا مخالفتی! و قد أجاب عمر بالنفی، و استمر النزاع بینهما حتى علا صوتاهما عند النبی(ص)، فأنزل الله الآیة الأولى من سورة الحجرات [3] .
المورد الثانی: عند ما طلب النبی(ص) قلماً و دواةً قبیل وفاته لیکتب وصیته، منع الخلیفة الثانی من ذلک. [4] فانقسم المسلمون إلى فئتین إحداهما تؤید مطالب النبی(ص) و الأخرى ترى رأی عمر، فحدث بینهما شجارٌ و جدال عنیف و علت الأصوات عند النبی(ص)، فصاح بهم النبی: «اخرجوا عنی لا ینبغی التنازع لدی».
المورد الثالث: على الرغم من کون ابن مسعود من کبار الصحابة و من حملة القرآن إلا أنه واجه الخلیفة الثالث و خالفه عدة مرات حتى أنه دفن لیلاً حین وفاته من قبل الزبیر بن العوام، حتى أن الخلیفة وبّخ الزبیر لما کان منه فی أمر ابن مسعود [5] .
المورد الرابع: اشتراک الصحابة فی حرب الجمل و صفین من الجانبین و قد قتل عدد کبیر فی هاتین المعرکتین.
المورد الخامس: على الرغم من قول رسول الله (ص): «ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء من رجل أصدق لهجة من أبی ذر» إلا أنه نفی إلى الربذة من قبل الخلیفة الثالث بسبب مصادماته مع معاویة بن أبی سفیان حتى مات غریباً. [6] و لا شک أن الثلاثة کانوا من الصحابة.
المورد السادس: بعد انتهاء أحداث السقیفة، صاح رجلٌ لقد قتلتم سعداً، فصاح الخلیفة الثانی: قتله الله! [7]
المورد السابع: کان عمار بن یاسر من الأشخاص الذین واجهوا الخلیفة الثالث [8] ، و هما من أشهر الصحابة.
و بالرجوع إلى کتب أهل السنة نجد الکثیر من هذه الأحداث و الوقائع و لسنا بصدد استیعاب کل هذه الحوادث فی هذا المختصر، لأن ذلک یحتاج إلى کتاب کبیر مستقل. و لکن سؤالنا هو: إذا کان الصحابة مؤتلفین متحابین متفقین فلماذا حدثت السقیفة، و لماذا رفض سعد بن عبادة البیعة حتى آخر عمره، و هو من أفضل الصحابة الأنصار حتى قتل بطریقة غامضة، و لماذا امتنع الإمام علی(ع) عن البیعة ستة أشهر، و لم یبایع إلا بعد رحیل فاطمة(ع)؟ [9]
3ـ و أما بالنسبة إلى القول بأن الصحابة کفروا إلا قلیلاً منهم، فلا بد من تحدید مفهوم الکفر أولاً ثم نعود إلى الإجابة.
إذا کان الکفر و الارتداد یعنی العودة إلى عبادة الأصنام و الشرک بالله سبحانه، فإننا لا نقول به و لا نقبل أن یقال عن صحابة رسول الله(ص) أنهم کانوا کفاراً مرتدین أو مشرکین. و أما إذا کان الکفر بمعنى کفران النعمة، و الإعراض عن بعض أوامر الرسول(ص)، و وصایاه، فمن الممکن القول أن الکثیر من الصحابة ارتکبوا مثل هذه الأعمال [10] و لم یکن الأمر مختصاً بزمان ما بعد الرسول(ص)، و إنما حدث فی زمن رسول الله(ص) و فی زمن الأنبیاء، حیث أعرض البعض عن تعالیمهم و لم ینصاعوا لأوامرهم. حتى خاطب الله المسلمین بالقول: «یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا مَا لَکُمْ إِذَا قِیلَ لَکُمُ انْفِرُوا فِی سَبِیلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَ رَضِیتُمْ بِالْحَیَاةِ الدُّنْیَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَیَاةِ الدُّنْیَا فِی الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِیلٌ» [11] . و أما ما کان من بنی إسرائیل فی رفض الانصیاع لموسى حتى خاطب ربه: «قَالَ رَبِّ إِنِّی لا أَمْلِکُ إِلاَّ نَفْسِی وَ أَخِی فَافْرُقْ بَیْنَنَا وَ بَیْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِینَ» [12] . و فی کلا الموردین لم یکن أصحاب الرسول(ص) و أصحاب موسى(ع) کفاراً بمعنى عبادة الأصنام أو الشرک بالله، و لکنهم عوقبوا بسبب عدم إطاعتهم الأنبیاءَ.
فإذا کان من الممکن أن لا یوجد من یطیع موسى(ع) إلا هارون، فلماذا تستبعد عدم إطاعة عددٍ من الصحابة لرسول الله(ص)، فی الوقت الذی یروی أهل السنة أنفسهم أن ما وقع فی بنی إسرائیل سوف یقع فی هذه الأمة. [13]
و کذلک فإن أبناء الأنبیاء لم یکونوا متحابین و لا مؤتلفین، و قد وقع بینهم التحاسد و التباغض، و کمثال على ذلک، ما کان من اتحادٍ بین إخوة یوسف ضده حتى ألقوه فی غیابة الجبّ!
فهل یکون من المستبعد أن یسعى عددٌ من الصحابة لحرف مسار الخلافة من أجل مصالحهم الشخصیة؟
4ـ أما فیما یخص القول بأن الفتوحات الإسلامیة دلیلٌ على الألفة و المحبة بین الصحابة، فإن هذا الکلام غیر منطقی، و الاستدلال غیر تام، و للإجابة عن هذا السؤال نورد جوابین أحدهما نقضی و الآخر حلی:
أما الجواب النقضی:
نطلب الإجابة على التساؤلات الآتیة:
أ ـ ألم یکن عیسى (ع) قد استنشق رائحة الکفر من أصحابه ما عدا اثنی عشر شخصاً منهم، و هم الحواریون [14] . و الدیانة المسیحیة الآن تسیطر على الجزء الأکبر من العالم، و تفوق حتى الإسلام، فهل یرجع هذا الانتشار إلى الألفة و المحبة بین أصحاب عیسى(ع) أم إلى أمورٍ أخرى.
ب ـ أ لم تقع بعض الفتوحات بعد المعارک الدامیة بین المسلمین کحرب صفین و الجمل و عاشوراء و غیر ذلک من الوقائع؟ أ لم یفتح الأندلس فی أواخر حکم بنی أمیة حیث لا یوجد أی صحابی؟! و متى فتحت القسطنطینیة؟! و متى کانت الانتصارات فی الحروب الصلیبیة؟! و هل کانت المحبة و الألفة موجودة بین المسلمین فی هذه الأوقات؟!
فإن کان الجواب بالإیجاب فإنه دلیل على عدم الاطلاع و المعرفة بحوادث التاریخ و طبیعة الدول. و إذا کان الجواب بالنفی، فلماذا تحاولون تعلیل تلک الفتوحات بوحدة الصحابة و ائتلافهم فقط؟
ج ـ القوى الکبرى فی زماننا تبسط هیمنتها و سطوتها على الشعوب فی العدید من بقاع العالم، و خصوصاً أمریکا، فهل هذا دلیل على حقانیتها؟ و هل من غیر الممکن تحقیق النصر العسکری لأهداف و مقاصد أخرى؟
د ـ هل کورش و الاسکندر یحظیان بتأییدکم بسبب ما قاما به من فتوحات و انتصارات؟!
الجواب الحلی:
و أما تحلیلنا للتوسع الإسلامی الذی ما زال مستمراً إلى الآن فإن مرد ذلک إلى تعالیم الإسلام و أحکامه، و خصوصاً القرآن الکریم و ما فیه من جاذبیة تشد الإنسان إلى الفطرة الإلهیة. و من الممکن أن البعض اشترکوا بالفتوحات من أجل اکتساب المغانم و الإثراء عن هذا الطریق، فکان النصر حلیفهم، و دلیل ذلک أن هؤلاء الأفراد توفروا على قدر کبیر من الثروة فی نهایة المطاف و قد ترکوا أموالاً طائلة بعد موتهم، و أساساً فإن الحرب الداخلیة التی نشبت بین المسلمین کان أهم أسبابها صعوبة التخلی عن هذه الثروات التی جمعت خلال الفتح. و أما بالنسبة لسکان البلاد المفتوحة فإنهم نظروا فی تعالیم الإسلام بعیداً عن طبیعة سلوک المهاجمین و ما کان یسود بینهم من علاقات و روابط و قد تمکن الإسلام من اجتذاب أممٍ و شعوب دون أن یدخلها الفاتحون کما هو الحال فی إندونیسیا و مالیزیا و غیرها من البلدان، و أن سکان هذه البلدان یشکلون أکثر من نصف المسلمین الیوم، و قد دخلوا إلى الإسلام دون قتال، و ذلک فی زمن ما بعد الصحابة و ذلک لأنهم وجدوا ضالتهم فی هذا الدین، و هذا ما یحدث الآن فی جمیع قارات العالم و بشکلٍ مستمر.
و ما کان النبی قد أدخل أصحابه إلى الإسلام بالحرب و إراقة الدماء، لیسلکوا بعده هذا السبیل فی نشر الدین.
فقد سیطر النبی على القلوب و المشاعر، و کانت تعالیمه و أخلاقه باعثاً و سبباً لانتشار الإسلام، و لو لم یتصارع الصحابة و یواجه بعضهم البعض کنا الآن نعیش فی مجتمعٍ إسلامی واحد و متحد یشکل أکبر قوة فی العالم، و لما کنا دولاً متفرقة و متناحرة فی بعض الأحیان لا نجتمع إلا تحت مظلة «منظمة المؤتمر الإسلامی». [15]
وأما تحلیلنا النهائی: إن انتشار الإسلام یرجع إلى جاذبیة تعالیمه و أن اختلافات المسلمین الداخلیة مردها إلى الاختلافات التی کانت بین الصحابة.
و هذا لابعنی انه لیس لسلوک المجاهدین دور فی استقطاب الناس الى الاسلام، بل ان احدى العوامل الاساسیة فی الفتح الاسلامی هی سلوکیات المسلمین الجیدة.
على أمل أن یلتقی المسلمون جمیعاً و یتوحدوا تحت قیادة المهدی الموعود إن شاء الله.
[1] فی هذا المورد راجع الموضوع الصحابة فی نظر الشیعة، رقم 1072 فی الموقع نفسه.
[2] الحجرات، 1ـ2.
[3] البخاری، أبو عبد الله محمد بن إسماعیل، صحیح البخاری، ج 6، ص 46 و 47 و ج 8 ص 145، دار الفکر، بیروت، 1401 هـ. ق.
[4] المصدر نفسه، ج 5، ص 137 و 138.
[5] ابن الأثیر، أسد الغابة فی معرفة الصحابة، ج 3، ص 260، مطبوعات إسماعیلیان، طهران.
[6] المصدر نفسه ج 1، ص 301.
[7] صحیح البخاری، ج 4، ص 194.
[8] محمد بن سعد، الطبقات الکبرى،ج 3، ص 260، دار الصادر، بیروت.
[9] انظر: صحیح البخاری، ج 5، ص 82 و 83.
[10] فی مورد ارتداد الصحابة و کفرهم، راجع المواضیع: معنى ارتداد الصحابة و إثباته رقم 1970، وموضوع اسلام أبی بکر و عمر، الرقم 2982 فی نفس الموقع.
[11] التوبة، 38.
[12] المائدة، 25.
[13] صحیح الترمذی، ج 4، ص 135، دار الفکر، بیروت، 1403 هـ. ق.
[14] آل عمران، 52.
[15] فی مورد فتوحات صدر الإسلام، انظر الموضوع: الإمام علی (ع) وتسییر الجیوش من قبل الخلفاء إلى سائر الثغور. رقم 3915 فی نفس الموقع.