Please Wait
6152
قیل إن الإمام الحادي عشر (ع) حُرم من أداء فریضة الحج، بسبب کونه في سامراء تحت رقابة السلطة آنذاک، کما أنه لم یرد في التأریخ ما یدل علی خروجه من سامراء. مع کل هذا، لا یمکن الحکم علی هذه المسألة بشکل قاطع، لوجود بعض الشواهد علی خلافها.
لابد من القول في البدایة أن المسائل التأریخیة شأنها شأن أي موضوع آخر يراد اثباته لابد من اعتماد المنهج الصحيح و الدلیل العلمي المناسب لذلك الموضوع، کذلک لو أردنا نفي مسألة ما بشکل کامل و قاطع فلابد أيضا من وجود سند معتبر، و إلا لا یمکننا إبداء رأینا فیها، فعلى سبيل المثال لايمكن القطع بأن الله سبحانه لم یبعث أيّ نبيّ إلی القارة الأمریکیة لمجرد وجود الاثر الدال على وجوده هناك و عدم وجود الدليل النقلي المثبت له في النصوص الإسلامیة القرآنیة و الروائیة؛ و ذلك لان أقل ما يرد على ذلك ان عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود.
نعم، لو وجدنا آیة أو روایة تصرّح بنفي موضوع ما لابد من قبولها حینئذٍ مع توفر شروط الحجية فيهاعلى المستوى الروائي و التاريخي. و هكذا الامر فيما یخص حج الأئمة المعصومین (ع) فلابد في إثباته أو نفیه من اعتماد نفس المنهج العلمي. و بعبارة أخری، لو وجدنا سنداً تأریخیاً أو روایة تصرّح بعدم ذهاب إمامٍ ما إلی الحج، یمکن قبولها، لکن لا یمکننا الحکم بشکل قاطع بذلک لمجرد کون الدلیل علی ذلک هو عدم وجود ما یدل علیه في التأریخ، فربما ذهب إلی الحج و أدّی مناسکه، و لم یثبت هذا الأمر في التأریخ.
بعد هذه المقدمة نعود إلی سؤالکم:
من الشائع بین الناس خصوصاً الحجّاج أن الإمام العسکري (ع) لم یحجّ، لذلک نجد الحجاج و لهذا السبب کثیراً ما یحجّون نیابة عنه (ع). ففي هذا المضمار لابد من القول من أننا لم نقف لحد الآن علی أي سند تأریخي معتبر یصرّح بعدم تشرّف الإمام العسکري (ع) إلی الحج[1] و کما قلنا، إن فقدان ما یدل علی هذه المسألة في التأریخ لا یمکنه أن یکون دلیلاً مناسباً لإثبات عدم حجّ الإمام العسکري (ع) و لعل رواج هذه المسألة و اعتقاد الناس بها جاء بسبب بعض المصادر التأریخیة التي تنص علی أن محل ولادته هو سامراء أو أنه هاجر إلیها في أوائل طفولته بمعیة أبیه (ع)،[2] و الأمر الآخر إنه (ع) بقي فیها إلی آخر عمره تحت المراقبة الشدیدة لجهاز الدولة العباسیّة و من جهة أخری، لم یرد ما یدل علی خروجه من مدینة سامراء، لذلک فمن الطبیعي الحکم علی الإمام الحادي عشر (ع) بأنه لم یحجّ.
و هذا الاستنباط لا یمکن أن یکون صحیحاً، للأسباب التالیة:
أولاً: حتى مع وجود الحصر و المراقبة الشدیدین، لم یکن یُعدّ من السجناء في أکثر الأوقات، بل کانت الحکومة العباسیة سعت أن تتعامل معه باحترام –ظاهراً- و أن یکون له حضور مشهود في البلاط في المراسم العامة.[3] و قد یخرج أحیاناً من المدینة ثم یرجع إلیها [4] و لذلک، فمن الممکن أن یکون قد تشرّف (ع) للحجّ بمعیة قافلة حج و تحت مراقبة صارمة من رجال الحکومة.
ثانیاً: توجد روایة تنص في طیاتها علی أن شخصاً قد روی عن الإمام الحسن العسکري (ع) في مکة و نشير هنا للنص الکامل للروایة عسى ان يكون مؤشرا على المراد: "حَدَّثَنَا أَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عُبَيْدٍ الضَّبِّيُّ قال: حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ بَابَوَيْهِ الرَّجُلُ الصَّالِحُ قال: حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ قال: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ أَبُو السَّيِّدِ الْمَحْجُوبِ إِمَامُ عَصْرِهِ بِمَكَّةَ قال: حَدَّثَنِي أَبِي عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ النَّقِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ التَّقِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَلِيُّ بْنُ مُوسَى الرِّضَا قال: حَدَّثَنِي أَبِي مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ الْكَاظِمُ قال: حَدَّثَنِي أَبِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّادِقُ قال: حَدَّثَنِي أَبِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْبَاقِرُ قال: حَدَّثَنِي أَبِي عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ السَّجَّادُ زَيْنُ الْعَابِدِينَ قال: حَدَّثَنِي أَبِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ سَيِّدُ شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ قال: حَدَّثَنِي أَبِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ سَيِّدُ الْأَوْصِيَاءِ قال: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ سَيِّدُ الْأَنْبِيَاءِ (ص) قال: حَدَّثَنِي جَبْرَئِيلُ سَيِّدُ الْمَلَائِكَةِ [5] قال: قال اللَّهُ سَيِّدُ السَّادَاتِ عَزَّ وَ جَلَ إِنِّي أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَمَنْ أَقَرَّ لِي بِالتَّوْحِيدِ دَخَلَ حِصْنِي وَ مَنْ دَخَلَ حِصْنِي أَمِنَ مِنْ عَذَابِي"[6]
و نحن نعلم بأن الإمام (ع) لا یمکنه الحضور في مکة بدون أداء أعمال العمرة حسب ما جاء في المباني الفقهیة. لذلک، لو قبلنا هذه الروایة فمن الضروري الايمان بأنه (ع) أدی العمرة علی أقل التقادیر، و من المحتمل – بشکل قويّ- أن یکون قد أدی فریضة الحج أیضاً.
لمزید من الإطلاع یمکنکم مراجعة کتاب حجّ الأنبیاء و الأئمة الذي طبع من قبل معاونیة التعلیم و الأبحاث في بعثة قائد الثورة الإسلامیة، إعداد و نشر دار المشعر.
[1] لو اطلعنا علی سندٍ کهذا سنعلمکم به، و إذا حصلتم علی مصدر خاص في هذا المجال أرسلوه لنا حتی یجري التحقیق في مقدار اعتباره.
[2] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج 50، ص 236، مؤسسة الوفاء، بیروت، 1404 ق.
[3] نفس المصدر، ص 265، ح 25؛ ص 269، ح 34؛ ص 270، ح 37 و ...
[4] نفس المصدر، ص 260، ح 20.
[5] یشیر هذا المقطع من الروایة إلی حضور الإمام الحادي عشر (ع) في مکة.
[6] الشیخ الصدوق، عیون أخبار الرضا (ع)، ج 2، ص 135، ح 3، نشر جهان، 1378 ق.