بحث متقدم
الزيارة
9454
محدثة عن: 2008/04/17
خلاصة السؤال
ما هو مصدر الذات الإنسانیة و ما هو تأثیر هذه الذات على تصرفات الإنسان؟
السؤال
ما هو مصدر و مبدأ الذات الإنسانیة؟ هل هی موجودة قبل نفخ الروح، أو توجد عندما یکون الإنسان جنیناً أم بعد ولادة الإنسان؟ و ما مدى تأثیر الذات على تصرفات و أعمال الإنسان؟
الجواب الإجمالي

حسب رأی الحکمة المتعالیة، فإن الذوات کانت موجودة إبتداءً بصورة غیر معینة و غیر مشخصة، و من ثم تتشخص بالتکوّن المادی و بعد ذلک تبقى بصورة فردیة.

تشمل الذات جنبتی الإنسان المادیة و المعنویة و ترافق الإنسان منذ بدء وجوده، و یطلق عادةً على الجانب المادی للذات الإنسانیة بالطبیعة أو الطینة، و یطلق على الجانب الروحی و المعنوی لها، بالفطرة.

إن ذوات الإنسان من الممکن أن تکون منشأ لتبلور و نشوء الأفکار أو الدوافع عند الإنسان، و یکون تأثیرها فی أفعال الإنسان على نحو المقتضی، و لیس على نحو العلة التامة لهذه الأفعال و السالبة للاختیار.

الجواب التفصيلي

إن الـ (ذات) هو مصطلح له إستخدامات عدیدة، حیث إنه فی بعض الأحیان فی الفلسفة یعبر بالـ (ذات) عن أصل الماهیة وبالـ (ذاتی) عن أجزاء الماهیة.

و قیل إن: المقومات والأرکان الوجودیة لأی شیء تسمى ذاتیات ذلک الشیء.[1]

إن الذات هی عبارة عن النفس التی تکون، حیة، مدرکة، سمیعة و بصیرة و عاقلة.[2]

قیل فی تعرفت النفس: إن النفس هی جوهر روحانی تکون حیّة بذاتها و إذا سکنت و إقترنت بجسم من الأجسام، فإنها ستجعلها حیّة مثلها، مثل صورة النار التی هی عبارة عن جوهر محرق و إذا وضعت بالقرب من جسم من الأجسام، فسوف تجعل هذه الأجسام ساخنة مثلها.[3]

فی الواقع إن النفس هی عبارة عن نورٌ من الأنوار الآلهیة یکون مشرقها و مصدر إشعاعها هو الله سبحانه، و یکون مغربها و مهبطها هذا الجسد المظلم.[4]

حسب رأی الحکمة المتعالیة، فان الذوات کانت موجودة إبتداءً بشکل جمعی، ثم تُشخّص بتکونها المادی و تبقى بعد ذلک بشکل فردی، إن النفس هی جسمانیة الحدوث و روحانیة البقاء.[5]

لکن یبدو للعیان ان الإستخدام العرفی لمصطلح الـ (ذات)، هو معنىً خاص و یقصد به مجموعة من الخصائص الذاتیة و الإکتسابیة و... .

لأن ذات الإنسان یمکن أن تبحث و تتابع من جنبتین:

أ. الجانب المادی و الطبیعی للإنسان و الذی یُعبر عنه بالـ (طینة).

ب. الجانب المعنوی و الروحی للإنسان، و یعبر عنه بالـ (فطرة).

الطینة هی بمعنى العجینة، و هی عبارة عن طبع الإنسان و خُلقِهِ، و إن الـ (طین) هو مبدأ الوجود و الحیاة المادیة للإنسان، و لکن الروح، هی مبدأ الحیاة المعنویة و الروحیة للإنسان.

توضیح ذلک: إن المنشأ و المبدأ لتکوّن تصرفات الإنسان و التی تؤدی الى الشقاوة أو السعادة الدنیویة و الأخرویة هی الدوافع و الأفکار لهذا الإنسان، إن أفکاری و معرفتی هی التی تحفز إحتیاجاتی و تؤجج مشاعری، و إن مشاعری، کالحب و الخوف و الحزن و الغضب و... الخ، هی التی توّجه تصرفاتی.

إن الأسباب التی تبلور أفکاری و معرفتی، و تؤجج مشاعری و أحاسیسی و التی تؤدی بالتالی الى تبلور و تشکل أعمالی و تصرفاتی یمکن تقسیمها الى أربعة أقسام:

1. الطبیعة و العامل الوراثی للإنسان.

2. الفطرة.

3. البیئة الإجتماعیة للإنسان.

4. إرادة الإنسان.

فحسب الأدلة الدینیة فإن جمیع البشر مشترکون بنفس الفطرة "کل مولود یولد على الفطرة" و إن الفطرة بدورها تدعو الإنسان الى مسائل خاصة؛ مثل إدراک وجود الله سبحانه الوجود و الحیاة الخالدة و التعلق ببعض مظاهر الجمال، المیل للأخلاق الحمیدة، المیل نحو التقدیس و الکمال الطبیعی، هذا من جانب، و من جانب آخر فإن موروثات الإنسان من الطینة أو المقدمات المادیة لیست متساویة، فإن البعض و بسبب تدین أو عدم تدین الآباء و الأجداد، أو أن یکون مولوداً شرعیاً أو إبن زنا، الحلیب الذی رضعه من أمه، المال الذی أنفقه الأب علیه، دعاء الآخرین و کثیر من الأمور المادیة و المعنویة الأخرى، من الناحیة المادیة و التعلق الدینی، فإن للبعض إستعداد أکبر لإتباع الفطرة و الروح، بینما نجد أن البعض الآخر یقل هذا الإستعداد عنده، و على عکس الحالة الأولى نجد إن أفکار و میول هؤلاء تتجه نحو الرغبات الجسدیة و الأمور المادیة و الدنیویة، و من الممکن إن الحدیث المعروف "السعید سعید فی بطن أمه و الشقی شقی فی بطن أمه"،[6]یشیر الى هذا المعنى.

لکن الشیء المهم فی کل ذلک هو إن ذاتیات الإنسان لها ثأثیر فی تصرفاته و أعماله و لکنها على نحو المقتضی لا العلة التامة الکاملة لها، بحیث یؤدی الى الجبر و سلب الإختیار منه، لأن الخصوصیة الأصلیة للإنسان و الشیء الذی یتمیز به عن أغلب الموجودات هو عنصر الإرادة و الإختیار. و فی هذه الحالة فإن الإنسان نفسه و بإرادته یقوم بإختیار المیول و الرغبات الفطریة أو المیول و الشهوات المادیة و کلما إتبع الإنسان أحد هذین الإتجاهین کلما إزدادت سنخیته فی هذا المجال. حیث یرى إن هذا الإتجاه هو أجمل و أفضل و بعد ذلک یقوم بطی هذا المسیر بشکل أسهل و برغبة أکبر سواءً أ کان طریق الفطرة أم طریق الشهوة، و على هذا الأساس یکون الإنسان هو نفسه الذی یلبی أو یرفض دعوة هذا المقتضی.[7]



[1] . سجادی، سید جعفر، قاموس العلوم الفلسفیة و الکلامیة، ص 267؛ الکرجی، على، الإصطلاحات الفلسفیة و إختلافها مع بعضها، ص 127.

[2] . الملا صدراء، الأسفار الأربعة، ج 2، ترجمة، محمد الخواجی، ج 2/4، السفر الرابع، ص 52.

[3]  الملا صدراء، مفاتیح الغیب، ترجمة محمد الخواجی، ص 853.

[4] . نفس المصدر، ص 852.

[5] . الأسفار، ج 8، ص347.

[6] . البحارالانوار، ج 5، ص 153، ج 73، ص 117

[7] . مستوحى من تفسیر المیزان، ج 8، ص 137، ذیل الآیة 30 من سورة الأعراف.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

  • ما هو الادلة التی تثبت صدور حدیث الغدیر؟
    6882 الکلام القدیم 2009/02/03
    واقعة الغدیر من الوقائع المعروفة التی اعلن فیها النبی الاکرم (ص) تنصیب الامام علی (ع) للخلافة بعد رسول الله (ص)، و لقد کان الحدث بمقدار من العظمة حتى انه رواه مائة و عشرة من الصحابة. لکن هذا لا یعنی انحصار الناقلین ممن کان مع الرسول فی تلک القضیة بهذا العدد، ...
  • ما هو رأی الإسلام بخصوص وجود کائنات حیة على الکواکب الأخرى؟
    10341 التفسیر 2008/05/18
    لایوجد جواب الجمالی لهذا السؤال، النقر الجواب التفصیلی ...
  • أرجوا ان تبینوا لی شیئاً مما یتعلق بمسجد جمکران و سبب بنائه.
    8217 تاريخ کلام 2008/07/27
    مسجد جمکران هو أحد الأمکنة المقدسة و المنتسبة إلی صاحب الزمان (عج)، و تأسیس هذا المسجد قبل اکثر من ألف عام بأمر من الامام (عج) فی الیقظة (لا فی المنام)، اما ما یختص بسبب البناء فیمکننا الاشارة الی الموارد التالیة:اولاً: ان للمجسد مقاماً خاصاً فی الثقافة الاسلامیة، فان القیمة ...
  • لماذا أجاب القرآن عن السؤال فیما یخص الأنفال عن ملکیتها؟
    5575 التفسیر 2010/07/15
    مع ملاحظة القرائن و الشواهد و دراسة التفاسیر لدى السنة و الشیعة یمکن الوصول الى نتجة مؤداها أن ماهیة (الأنفال) کانت معروفة قبل نزول الآیة، بل قبل ظهور الإسلام، و لذلک لا معنى للسؤال عنها، و إن السؤال عنها الوارد فی أول سورة الأنفال إنما هو عن ...
  • عدم نجاسة کل من المذی و الوذی و الودی
    8506 الحقوق والاحکام 2009/01/03
    هذه الامور الثلاثة: المذی و الوذی و الودی، و الأوّل هو ما یخرج بعد الملاعبة، و الثانی ما یخرج بعد خروج المنیّ، و الثالث ما یخرج بعد خروج البول، کلها طاهرة.نعم اذا اختلط الودی بالبول أو اتصل به فهو نجس من هذه الناحیة.کذلک قال الفقهاء انه اذا استبرأ ...
  • ما المقصود من أن الأئمة لیس لهم استقلال وجودی؟
    5372 الکلام القدیم 2011/06/14
    یأتی هذا البحث فی ذیل الأبحاث الخاصة بمقامات الأئمة (ع) حیث إننا نعتقد على أساس الروایات بمقامات خاصة للأئمة فی علمهم و قدرتهم و ولایتهم و مسائل أخرى ما قد یؤدی إلى توهم البعض باستقلالهم الذی یستلزم الشرک و من هنا تطرح قضیة عدم الاستقلال لرفع ذلک التوهم.
  • لماذا لم یؤلف الإمام کتاباً فی زمن الغیبة من أجل هدایة الناس؟
    7258 الکلام القدیم 2009/05/09
    لایوجد جواب الجمالی لهذا السؤال، النقر الجواب التفصیلی. ...
  • لماذا نذكر في الركوع اسم "العظيم" و في السجود اسم "الأعلى"؟
    21555 الکلام القدیم 2012/05/17
    السبب الرئيسي لترديدنا هذين الذكرين و هما "سبحان ربّي العظيم و بحمده" و "سبحان ربّي الأعلى و بحمده" في الركوع و السجود، هو الأمر الإلهي، فقد أكدت الروايات على الأمر بهذا الفعل. لكن و مع كونها أمراً إلهياً، من الممكن أن نعثر لها على حكم ما.
  • ما هی منزلة الألفاظ فی الوحی الإلهی؟
    6185 التفسیر 2009/12/01
    لکل شیء أربعة أنحاء من الوجود: الوجود اللفظی و الوجود الکتبی و الوجود الذهنی و الوجود الخارجی. و للوحی أیضاً هذه الأنحاء الأربعة من الوجود، و کمثال علی ذلک نقول حول الوجود الخارجی للقرآن أن هذا القرآن نزل علی النبی عن طریق الوحی بنفس هذه الألفاظ و له ...
  • هل صحیح أن الامام أمیر المؤمنین (ع) خاطب ولده العباس (ع) بقوله: "إنک ذخر لولدی الحسین"؟
    6535 تاريخ بزرگان 2011/10/06
    لاریب أن العباس بن علی (ع) جعل من نفسه وقفاً فی خدمة الاسلام و فی خدمة أخیه الحسین (ع) و تشهد مواقفه العظیمة یوم عاشوراء على مدى الاخلاص الذی کان یتحلى به تجاه أخیه الحسین (ع)، الأمر الذی جعل له منزلة خاصة حتى بین الشهداء و کما شهد بذلک ...

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    281402 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    261503 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    130443 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    118797 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    90293 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    62004 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    61826 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57938 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    53506 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • هل أن أكل سرطان البحر هو حرام؟
    49918 الحقوق والاحکام 2019/06/10
    لقد ورد معيار في أقوال و عبارات الفقهاء بخصوص حلية لحوم الحيوانات المائية حيث قالوا: بالاستناد إلى الروايات فان لحوم الحيوانات البحرية لا تؤكل و هذا يعني إن أكلها حرام[1]. إلا إذا كانت من نوع الأسماك التي لها فلس[2]، و ...