بحث متقدم
الزيارة
5547
محدثة عن: 2011/05/16
خلاصة السؤال
طبقاً للنظریات الحدیثة فان الانسان و الکون فی حالة حرکة نحو موجود معقد لا متناهی، فما هی العلاقة بین هذه النظریة و بین الآیة "انا لله و أنا الیه راجعون"؟
السؤال
طرح المنظرون الغربیون بعض الرؤی حول خلقة الکون و الانسان خلاصتها: ان االانسان یتحرک نحو موجود معقد الی ما لا نهایة، و احتمال موجود معقد الی ما لا نهایة هو الصفر، فهو ینکر وجود الخالق. فهل هذه النظریة بشکلها الناقص – باعتبارها لم تتحدث عن ابتداء الخلقة- تشبه الی حد ما قوله تعالی "انا لله و أنا الیه راجعون"؟ مع بیان التفسیر الکامل لهذه الآیة و بعض المصادر الموجودة للمطالعة.
الجواب الإجمالي

أولاً: فی النظریة المذکورة- اضافة الی الابهام الکثیر- تناقض واضح. فحینما نقول ان الانسان یتحرک نحو موجود معقد الی ما لا نهایة، فقد افترضنا وجود موجود معقد الی مالانهایة، و الحال ان الفقرة اللاحقة تقول ان احتمال وجود موجود معقد الی ما لانهایة هو الصفر!

و ثانیاً: اذا اعتبرنا هذه النظریة نظریة کلامیة، فان مدعی النظریة حول ماهیة الله غیر صحیح، و استدلالها فی انکار الخالق ناقص. و لیس هناک علاقة بین الآیة "انا لله وأنا الیه راجعون" و التی تعرف بآیة الاسترجاع، و بین هذه النظریة.

الجواب التفصيلي

إن الامور المطروحة فی هذا السؤال حول حرکة الانسان و الکون، مع وجود الکثیر من الابهام و الاجمال فیها، هی مجرد عرض لفرضیة معینة، و لا یمکن اعتمادها کنظریة علمیة، لکی تجعل اساساً لدراسات حول الله و....مع ان هناک تناقضاً فی القسم الاول من السؤال الذی یعد اساس السؤال، و یقود هذا التناقض الی ابهام فی فهم النظریة المنقولة، مع انه لم یعلم بالتالی هل ان النظریة المنقولة جواب لقضیة وجود الله او انها تبیین غائی لوضع الانسان و الکون و مصیرهما. بالاستعانة بالحدیث الذی یسعی الی معرفة اعمق حول الله والانسان و الکون، و لو ان اصل النظریة کان قد ذکر مع اسم المنظر و الدائرة التی طرحت فیها النظریة، لساعدنا ذلک فی الوصول الی جواب أدق و اکثر موضوعیة، و أما علی هذا الوضع الفعلی، فالاستدلال المنقول فیه ابهامات اساسیة. و کما ذکرنا فاننا نواجه تناقضاً فی الاستدلال فی نص هذا السؤال، فحینما نقول إن الانسان یتحرک نحو موجود معقد الی ما لا نهایة، فقد افترضنا وجود موجود معقد الی ما لا نهایة، و الحال ان الفقرة الاخری تقول: ان احتمال وجود موجود معقد الی ما لا نهایة هو الصفر!.

و الاعجب من ذلک هو استنتاج عدم وجود الخالق! و بغض النظر عن التناقض المذکور، فانه اذا طرحت هذه الفرضیة أو النظریة فی مجال علم الکلام فان فیها دعویین احدهما تختص ما هیة الله، و الآخری بوجود الله. و مدعی الاستدلال المذکور - وهو ان الله موجود معقد الی مالانهایة-هو جواب عن قضیة ماهیة الله، و النتیجة التی تؤخذ من هذا الاستدلال- انکار وجود الله- هی جواب عن قضیة وجوده أو عدمه.

ففی قضیة ماهیة الله تعتقد الاکثریة القریبة من الاتفاق للفلاسفة الاسلامیین باستثناء الامام الفخر الرازی ان الله لا ما هیة له، حیث انهم یرون ان الماهیة حد للوجود، و الله مطلق لیس له حد، و مدعی الاستدلال المذکور اعتبر الله موجوداً لا نهائیاً ایضاً، و لکنها اللانهایة من حیث التعقید لا مجرد عدم الحد. و من جانب آخر فان کون الله معقداً هو بنفسه محل للنزاع بلحاظ شهودات العرفاء، فضلاً عن اللانهایة فی التعقید. فمن وجهة نظر العرفاء، لیس الله موجوداً معقداً، بل الانسان و بسبب الرین و الصدأ فی روحه لا یستطیع تصور صرافة الوجود و خالصه، فهو یبحث عن الله بعیداً عن ذاته، مع انه اقرب الیه من حبل الورید.

یتبین من ملاحظة الامور المتقدمة بطلان المدعی الاصلی فی الاستدلال المذکور، و علی فرض التسلیم بکون احتمال وجود معقد الی ما لا نهایة هو الصفر- و الذی یتناقض بالطبع مع فرض النظریة، لا یمکن ابداً استنتاج عدم وجود الله. مع ان مدعی المستدل فی باب ماهیة الله غیر صحیح.

و اما القسم  الثالث من السؤال تفسیر آیة "انا لله وأنا الیه راجعون"، فهذه الآیة هی الآیة156 من سورة البقرة المبارکة، و الجملة التی یطلق علیها کلمة الاسترجاع، تعد عصارة العرفان الاسلامی و التوحید الحقیقی. یقول أمیر المؤمنین (ع) فی تفسیر هذه الجملة: ان قولنا "انا لله اقرار علی انفسنا بالملک، و ان قولنا انا الیه راجعون اقرار علی انفسنا بالهلک" [1] . و اما من ناحیة العرفان العملی فان ادراک المعنی الحقیقی لهذه الآیة الکریمة لا یتیسر الا لمن وصل الی مقام التوحید و الفناء فی ذات الله، و من الناحیة النظریة فانه ینبغی التأمل فی مبحث قوس النزول و الصعود فی الکون، و دائرة النبوة و الولایة و کذلک فی معراج خاتم المرسلین(ص) و المباحث المرتبطة بذلک وهو ما لا یسعه هذا المقال.

اما قضیة تشابه آیة الاسترجاع مع ما استدل به المننظر الغربی؟ ففی الحقیقة انا اذا اعتبرنا هذه الرؤیة رؤیة کلامیة فلا تشابه بینهما، لان مصب الاستدلال المذکور- بغض النظر عن الابهام و التناقض الواضح الموجود فیه- هو اثبات وجود الله او عدمه، و الذی ینتج بدوره انکار وجود الله. و الحال انه لیس مصب آیة الاسترجاع اثبات وجود الله، بل هی تفترض الایمان بوجود الله و محملها الاصلی هو طی الطریق فی وادی التوحید والوصول الی اعلی مراتب المعرفة والایمان وهو التوحید الوجودی.

و اما اذا اعتبرنا هذه الرؤیة رؤیة علمیة حول الکون- و القرائن تدل علی صحة هذه الاحتمال فقط طبقاً لفهم السائل نفسه- فانه ینبغی ان یقال انه یمکن بعد ذکر ملاحظات کثیرة و اجراء تبدیل و تغییر کثیر فی هذه الرؤیة المذکورة، ان تعتبر محاولة لتبیین جزء من قوس الصعود و تقریر الرؤیة المذکورة بشکل یوضح بلغة علمیة الحرکة التکاملیة للانسان و الکون بلغة علمیة.

و بالطبع فانه لا یمکن القبول بسهولة بادعاء مثل هذا التطابق و التشابه، مع ان اصل هذه النظریات لم یثبت بشکل تام. و بناء علی هذا فان مثل هذه الامور انما یمکن جعلها نقاط بدایة لبحوث و دراسات أعمق.

و فی الختام و لأجل المطالعة اکثر فی مورد قوس الصعود و النزول و آیة الاسترجاع نقترح المصادر التالیة:

1-      المیزان فی تفسیر القرآن، العلامة الطباطبائی،ج1ص384، مکتب المنشورات الاسلامیة، قم، طبعة1385

2-       ناصر مکارم الشیرازی، الأمثل فی تفسیر کتاب الله المنزل، ج‏1، ص: 445، قم، مدسة الامام علی بن ابی طالب (ع) ، الطبعة الاولى، 1421هـ.

3-      المعاد او الرجوع الی الله، محمد الشجاعی، ج الاول و الثانی، طهران، شرکة انتشار، الطبعة الثانیة 1388.

4-      هنری کاربن، آفاق التفکیر المعنوی فی الاسلام الایرانی، داریوش شایکان، ترجمة باقر برهان، طهران، منشورات فرزان روز، الطبعة الرابعة، 1385، الکتاب الثانی: من دائرة النبوة الی دائرة الولایة، الفصل الثانی، النبوة والولایة (ص113الی ص120)

5-      کتاب المعراج، علی اکبر خانجانی، من مجموعة دائرة معارف العرفان، اعداد و تنظیم رسول ملکیان الاصفهانی، 1387.

و کذلک یراجع بحث قوس الصعود و النزول فی الجواب رقم 769(الموقع 820) فی نفس هذا الموقع.



[1] ناصر مکارم الشیرازی، الأمثل فی تفسیر کتاب الله المنزل، ج‏1، ص: 445، قم، مدسة الامام علی بن ابی طالب (ع) ، الطبعة الاولى، 1421هـ.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279312 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    256751 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128014 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    112657 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    88885 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59525 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59317 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56788 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49250 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47090 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...