بحث متقدم
الزيارة
7501
محدثة عن: 2011/10/23
خلاصة السؤال
کیف نوفق بین کون الله تعالى بسیطاً غیر مرکب و بین نفخ الروح؟
السؤال
کیف نوفق بین کون الله تعالى بسیطاً غیر مرکب و بین ما جاء فی الآیات 29 من سورة الحجر و 72 من سورة ص الدالتین على نفخ الروح، أ لیس ذلک یتنافى مع البساطة؟
الجواب الإجمالي

قد طرحت حول قضیة نفخ الروح فی بدن الانسان فرضیتان.

الاولى: انفصال جزء من الباری تعالى و انتقاله الى بدن الانسان.

الثانیة: ان الله تعالى کان قد خلق شیئا عظیما اسمه الروح ثم نفخ ذلک المخلوق فی بدن الانسان، لا أنه تعالى اقتطع شیئا من وجوده ثم نفخه فی الانسان، و اما وجه نسبته واضافته الى الله تعالى فهو من قبیل الاضافة التشریفیة کما نقول "بیت الله" مثلاً.

و لاریب فی بطلان الفرض الاول؛ و ذلک لان الله تعالى -و کما جاء فی متن السؤال ایضاً- بسیط الذات لا مجال للترکیب فی ذاته المقدسة، و من هنا لا یمکن تصور الاقتطاع و التجزء فی الذات البسیطة حتى ینتقل منها شیء الى البدن الانسانی. اذن البساطة و عدم الترکب یؤکدان بطلان هذا الفرض بالضرورة.

و مع الاخذ بنظر الاعتبار برهان السبر و التقسیم یکون الفرض الثانی هو الصحیح.

الجواب التفصيلي

مع وجود الکثیر من الابحاث و التحقیقات حول معنى بساطة الباری تعالى و عدم ترکبه من اجزاء بالاضافة الى معنى الروح و ما یدور حولها من ابحاث،[1] من هنا لا نخوض فی تلک المفاهیم اعتماداً على ما مرّ من ابحاث فی هذا الخصوص، و نرکز البحث على ما ورد فی الآیتین المبارکتین و کیفیة نفخ الروح فی البدن.

و قد طرحت حول قضیة نفخ الروح فی بدن الانسان فرضیتان.

الاولى: انفصال جزء من الباری تعالى و انتقاله الى جسد الانسان.

الثانیة: أن الله تعالى کان قد خلق شیئا عظیما اسمه الروح ثم نفخ ذلک المخلوق فی بدن الانسان، لا أنه تعالى اقتطع شیئا من وجوده ثم نفخه فی الانسان، و أما وجه نسبته و اضافته الى الله تعالى فهو من قبیل الاضافة التشریفیة کما نقول "بیت الله" مثلاً.

و لاریب فی بطلان الفرض الاول؛ و ذلک لان الله تعالى -و کما جاء فی متن السؤال ایضاً- بسیط الذات لا مجال للترکیب فی ذاته المقدسة، و من هنا لا یمکن تصور الاقتطاع و التجزء فی الذات البسیطة حتى ینتقل منها شیء الى الجسد الانسانی. اذن البساطة و عدم الترکب یؤکدان بطلان هذا الفرض بالضرورة.

و مع الاخذ بنظر الاعتبار برهان السبر و التقسیم یکون الفرض الثانی هو الصحیح.

أما لماذا نسب الله تعالى الروح الیه و اضافها الى ذاته المقدسة حینما قال: "فَإِذا سَوَّیْتُهُ وَ نَفَخْتُ فیهِ مِنْ رُوحی‏ فَقَعُوا لَهُ ساجِدینَ"[2] فهو بسبب أهمیة الروح و عظمتها.

و قد تعرض العلامة الطباطبائی فی تفسیر للآیة المذکورة الى بیان المراد من "نفخت فیه من روحی"، قائلا: النفخ إدخال الهواء فی داخل الأجسام بفم أو غیره و یکنى به عن إلقاء أثر أو أمر غیر محسوس فی شی‏ء، و یعنی به فی الآیة إیجاده تعالى الروح الإنسانی بما له من الرابطة و التعلق بالبدن، و لیس بداخل فیه دخول الهواء فی الجسم المنفوخ فیه کما یشیر إلیه قوله سبحانه: «ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِی قَرارٍ مَکِینٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَکَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ»[3]، و قوله تعالى: «قُلْ یَتَوَفَّاکُمْ مَلَکُ الْمَوْتِ الَّذِی وُکِّلَ بِکُمْ».[4]

فالآیة الأولى- کما ترى- تبین أن الروح الإنسانی هو البدن منشأ خلقا آخر و البدن على حاله من غیر أن یزاد فیه شی‏ء، و الآیة الثانیة تبین أن الروح عند الموت مأخوذ من البدن و البدن على حاله من غیر أن ینقص منه شی‏ء.

فالروح أمر موجود فی نفسه له نوع اتحاد بالبدن بتعلقه به و له استقلال عن البدن إذا انقطع تعلقه به و فارقه.[5]

و کذلک ورد هذا المعنى فی الروایات الشریفة، منها:

1. روى الاحول عن الامام الصادق (ع) قال: سأَلْتُ أَبا عبد اللَّه (ع) عنِ الرُّوحِ التی فی آدم (ع) قولهُ (فَإِذا سَوَّیْتُهُ وَ نَفَخْتُ فِیهِ مِنْ رُوحِی)[6]؟ قال: "ذه روحٌ مخلوقَةٌ و الرُّوحُ الَّتی فی عیسى مخلوقَة".[7]

2 عن محمَّد بن مسلمٍ قال: سأَلتُ أَبا جعفر (ع) عن قول اللَّه عزَّ و جلَّ (وَ نَفَخْتُ فِیهِ مِنْ رُوحِی)؟ قال: "رُوحٌ اختارَهُ اللَّهُ و اصطفاهُ و خلقَهُ و أَضافَهُ إِلى نَفْسِهِ و فضَّلَهُ على جمیع الأَرواح فأَمَرَ فَنُفِخَ مِنْهُ فِی آدَمَ –ع-".[8]

3. ٍ عن عبد الکریم بن عمرو عن أَبِی عبد اللَّه (ع) فی قوله عزَّ و جلَّ (فإِذا سوَّیتُهُ و نَفَخْتُ فِیهِ مِنْ رُوحِی) قال: "إِنَّ اللَّهَ عَزَّ و جلَّ خلق خلقاً و خلق روحاً ثمَّ أَمرَ ملکاً فنفَخَ فیه و لیستْ بِالَّتِی نَقَصَتْ مِنْ قُدْرَةِ اللَّهِ شَیْئاً هی منْ قُدْرَتِه".‏[9]

4. عن محمد بن مسلم أیضا قال: سألت أبا جعفر (ع): عما روی أن الله خلق آدم على صورته؟ فقال: "ی صورة محدثة مخلوقة اصطفاها الله و اختارها على أساس الصور المختلفة فأضافها إلى نفسه کما أضاف الکعبة إلى نفسه و الروح فقال بیتی و قال (وَ نَفَخْتُ فِیهِ مِنْ رُوحِی)"‏.[10]

5.و جاء فی تفسیر العیاشی عن محمد بن مسلم، عن أبی جعفر (ع) قال: سألته عن قول الله: (وَ نَفَخْتُ فِیهِ مِنْ رُوحِی فَقَعُوا لَهُ ساجِدِینَ)؟، قال: «روح خلقها الله فنفخ فی آدم منها».[11]



[1] انظر فی هذا الخصوص العناوین التالیة: "نفی التشبیه و  النفخ فی الروح" رقم 4431، " الروح فی القرآن و العلة فی عدم  التفصیل فی ماهیتها کثیراً" الرقم 5973، " العلم و الجهل و تصور البساطة و الترکیب" رقم 2249 و " العلاقة بین الروح و البدن" رقم 2250.

[2]  حجر، 29؛ ص 72.

[3]المؤمنون،14.

[4] الم السجدة: 11.

[5]الطباطبائی، محمد حسین، المیزان فی تفسیر القرآن، ج‏12، ص: 154، مکتب النشر الاسلامی التابع لجماعة مدرسی الحوزة، قم، الطبعة الخامسة، 1417هـ.

[6] الحجر، 29؛ ص 72.

[7] الکلینی، الکافی، ج 1، ص 133، دارالکتب الاسلامیة، طهران، 1365 هـ ش.

[8] المجلسی، محمد باقر، بحارالأنوار، ج 4، ص 11، نشر مؤسسه الوفاء، بیروت، لبنان، 1404 هـ ق.

[9] بحارالأنوار، ج 4، ص 12، ح 7.

[10] الطبرسی، فضل بن حسن‏، الاحتجاج، ج 2، ص 323، نشر المرتضی، مشهد المقدسة، 1403 هـ ق.

[11] العیاشی، محمد بن مسعود، کتاب تفسیر العیاشی، ج 2، ص 241، نشر المطبعة العلمیة‏، طهران، سال 1380 هـ. ق، تحقیق: السید هاشم رسولی محلاتی.

 

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279426 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257205 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128128 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113209 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    88982 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59817 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59533 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56847 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49712 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47155 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...