بحث متقدم
الزيارة
8863
خلاصة السؤال
ظهر في السنين الاخيرة ابتكار علمي عرف بعلم الاستنساخ فكيف نوفق بين هذا التطور العلمي و نفخ الروح في البدن؟
السؤال
ظهر في السنين الاخيرة ابتكار علمي عرف بعلم الاستنساخ فكيف نوفق بين هذا التطور العلمي و نفخ الروح في البدن؟ و كيف نرد على المتذرعين بهذه الامور للطعن في التعاليم الدينية؟
الجواب الإجمالي

صحيح ان العالم شهد نقطة تحوّل كبيرة في تاريخ البشريّة، قلبت مفاهيم علم الأحياء (البيولوجيا) و قوانين الطبيعة، رأسا على عقب، حيث توصّل العلماء الى استنساخ كائن حي من خليّة جسديّة واحدة، ينتج عنها كائن آخر، طبق الأصل عن الأول.

و بغض النظر عن مشروعية هذا العمل او انسجامه من القيم الاخلاقية، فان غاية ما قام به العلم من إِنجاز يتمثل في: (1) إنجاب بغير تزاوج ذكر و أُنثى.  (2) الحصول على نسخة طبق الأَصل و قابلة للتكرار بأي عدد من للأَصل الذي اخذت منه.

و يلاحظ هنا:

1. انهم لم يخلقوا شيئا من العدم، بل غاية ما قاموا به التصرف بخلايا و بويضات مخلوقة من قبل الله تعالى.

2. ان هذه الخلايا و البويضات تحمل نوعا من الحياة و مرتبة من مراتبها قطعاً.

3. انهم اعتمدوا في استمرارية حياة المولود الجديد نفس قوانين و اصول الرحم الطبيعية.

4. إن العلم الحديث نفسه لا ينفي تدخل الغيب "الله" في نفخ الروح، بل لم يتدخل علم الاستنساخ في هذه القضية و لم يقترب منها.

5. لا التعاليم الدينية و لا العلمية تحصر الانجاب و تكاثر النسل بطريقة التزاوج و الجماع المتعرفة، بل غاية ما تقول ان المتعارف هو هذا الطريق و يمكن ان يتم من خلال طريق آخر كما في ولادة عيسى (ع).

و أخيراً ان  نفخ الروح في الجسد المادي يعني: عند ما تكامل النطفة في الرحم تصل إلى مرحلة تبدأ عندها بالحركة، و تحيا و تنبعث فيها القوى الإنسانية الأخرى تدريجياً، و هذه هي المرحلة التي يعبّر عنها القرآن بنفخ الروح.

فما المانع ان تحدث هذه العملية للجنين الذي خلق من عملية صناعية توفرت فيها جميع ظروف العملية الطبيعية الا التزاوج و العوامل الوراثية فقط؟!!

الجواب التفصيلي

شهد العالم نقطة تحوّل كبيرة في تاريخ البشريّة، قلبت مفاهيم علم الأحياء (البيولوجيا) و قوانين الطبيعة، رأسا على عقب، حيث توصّل العلماء الى استنساخ كائن حي من خليّة جسديّة واحدة، ينتج عنها كائن آخر، طبق الأصل عن الأول، و الاستنساخ هو عبارة عن أخذ خليّة جسدية من كائن حي تحتوي على كافة المعلومات الوراثية، و زرعها في بويضة مفرّغة من مورثاتها، ليأتي الجنين مطابقا تماما في كل شي‏ء للأصل و هو الكائن الأول الذي أخذت منه الخليّة، و بالتعبير العلمي:  «ان هذا الكائن الجديد قد تمّ تغيير حامضه النووي في البويضة، بعد انتزاع الحامض النووي من الأصلي، و زراعته (في طريقة مختبريّة) في البويضة، التي أنتجت الكائن الجديد».

و أصل الفكرة بدأت في ألمانيا في العقد الثالث من هذا القرن، فلم يوفّقوا، ثم جاءت نقطة التحوّل عام 1960 م، يوم استطاع العلماء استنساخ النباتات، و في عام 1993 م تمكّن العلماء من استنساخ توأم من بويضة، ما لبثا أن ماتا، و في عام 1995 م تمكّن العلماء من ولج خليّة جنينيّة مع خليّة جسدية عن طريق التيار الكهربائي، ليحصلوا لأول مرّة في تاريخ الإنسان على نسل لم يتم بالمعاشرة الجنسيّة، (أي عن طريق تلقيح البويضة بالحيوانات المنويّة).. الى أن توصل العلماء الى استنساخ النّعجة (دولي) بالطريقة التي ذكرت أعلاه، فتولّد جنين طبق الأصل عن صاحب الخليّة، و قد أحدث هذا الحدث ضجّة، و سبب هذه الضجّة هو التخوّف من استخدام نفس التقنية لإنتاج بشر متشابهين في الشكل و المظهر حسب الطلب.[1]

و بغض النظر عن مشروعية هذا العمل او انسجامه من القيم الاخلاقية، فان غاية ما قام به العلم من إِنجاز:

(1) إنجاب بغير تزاوج ذكر و أُنثى.

(2) الحصول على نسخة طبق الأَصل و قابلة للتكرار بأي عدد من الضفدع[2] الأَصل.[3]

و يلاحظ هنا:

1. انهم لم يخلقوا شيئا من العدم، بل غاية ما قاموا به التصرف بخلايا و بويضات مخلوقة من قبل الله تعالى.

2. ان هذه الخلايا و البويضات تحمل نوعا من الحياة و مرتبة من مراتبها قطعاً.

3. انهم اعتمدوا في استمرارية حياة المولود الجديد نفس قوانين و اصول الرحم. و بعبارة اخرى: استفادوا من الرحم الطبيعي أو صناعة رحم آلية تجعل فيه الخلية الجديدة موقتا حتى يتم التلاقح ثم الانتقال الى الرحم الطبيعية.

4. صحيح ان المتعارف و الشائع في التناسل الحيواني هو المتعارف عن طريق الجماع و التلاقح الجنسي، الا ان ذلك لا يعد قانوناً عاماً لا يتخلف قطعا، كيف و هذا القرآن الكريم يصرح بان النبي عيسى (ع) قد خلق من دون أب، كما في قوله تعالى: " وَ اذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا * فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجاباً فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا * قالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا * قالَ إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا * قالَتْ أَنَّى يَكُونُ لي‏ غُلامٌ وَ لَمْ يَمْسَسْني‏ بَشَرٌ وَ لَمْ أَكُ بَغِيًّا * قالَ كَذلِكِ قالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَ لِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَ رَحْمَةً مِنَّا وَ كانَ أَمْراً مَقْضِيًّا * فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكاناً قَصِيًّا".[4]

5. إن العلم الحديث نفسه لا ينفي تدخل الغيب "الله" في نفخ الروح، بل لم يتدخل علم الاستنساخ في هذه القضية و لم يقترب منها. فكيف يأتي غير المختص ليشكك في قضية سكت عنها المختصون أنفسهم؟!

6. إن نفخ الروح في الجسد المادي يعني: إنّ النطفة عند ما تنعقد في البداية ليس لها إلا نوع من «الحياة النباتية»، أي التغذية و النمو فقط، أمّا الحسّ و الحركة التي هي علامة «الحياة الحيوانية»، و كذلك قوّة الإدراكات التي هي علامة الحياة الإنسانية، فلا أثر عن كلّ ذلك. و عند تكامل النطفة في الرحم تصل إلى مرحلة تبدأ عندها بالحركة، و تحيا و تنبعث فيها القوى الإنسانية الاخرى تدريجيا، و هذه هي المرحلة التي يعبّر عنها القرآن بنفخ الروح.

أمّا إضافة «الروح» إلى «اللّه» فهي «إضافة تشريفية»، أي إنّ روحا ثمينة و شريفة بحيث أنّ من المناسب أن تسمّى «روح اللّه» قد دبّت في الإنسان و نفخت فيه، و هذا يبيّن حقيقة أنّ الإنسان و إن كان من ناحية البعد المادّي يتكوّن من الطين و الماء، إلّا أنّه من البعد المعنوي و الروحي يحمل «روح اللّه».[5]

فما المانع ان تحدث هذه العملية للجنين الذي خلق من عملية صناعية توفرت فيها جميع ظروف العملية الطبيعية الا التزاوج و العوامل الوراثية فقط؟!!

 


[1] انظر: السيد الخوئي، صراط النجاة (للخوئي مع حواشي التبريزي)، ج‏3، ص: 392، المسألة رقم 1169.

[2] باعتبار ان التجربة انجريت على الضفادع.

[3] الشيخ آصف محسني، محمد، الفقه و المسائل الطبية، ص: 120.

[4] مريم، 16-22.

[5] مكارم الشيرازي، ناصر، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج‏13، ص: 108، مدرسة الامام علي بن أبي طالب (ع)، قم، الطبعة الاولى، 1421هـ.

 

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279435 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257250 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128143 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113246 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    88997 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59838 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59551 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56856 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49741 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47165 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...