بحث متقدم
الزيارة
5602
محدثة عن: 2011/10/20
خلاصة السؤال
کیف تسنّى لابلیس دخول الجنة و قد طرد منها؟
السؤال
عندما امتنع ابلیس من السجود لآدم قام الباری تعالى بطرده من الجنة، فکیف استطاع الدخول الیها مرّة أخرى لاضلال کل من آدم و حواء (ع)؟
الجواب الإجمالي

من المحتمل عدم حاجة الشیطان لعقد علاقة مع الانسان و الوسوسة له، الى الحضور المادی الجسدی، فقد یکون قد اخترق المکان و وسوس لهما لا بجسده حتى یرد الاشکال المذکور. و لکن مع ذلک نجد الباحثین و المفسرین ذکروا مجموعة من الآراء فی خصوص هذه القضیة المطروحة، و هی:

1. إن الجنة التی کان یسکنها آدم و حواء هی نفس الجنة الموعودة و جنة الخلد التی وعد الله بها المتقین و الصالحین من عباده. و قد ذهب بعض المفسرین الى تبنّی هذا الرأی؛ معللین ذلک بدخول الالف و اللام على مفردة "الجنة" و هی تشیر الى الجنة المعهودة.

2. لم تکن الجنة التی أخرج منها آدم و حواء هی الجنة الموعودة و جنة الخلد، و إنما هی جنة (بستان) من جنان الارض التی أعدها الله تعالى لهما.

3. و هناک من المفسرین من تبنّى القول بان الجنة التی سکنها آدم و حواء (ع) هی بستان من بساتین أحد الکواکب الاخرى.

اما على الفرض الاول فیکون السبیل الذی سلکه الشیطان للنفوذ الى الیهما هو سبیل القلب والذی یتمثل فی الشهوات و الغضب و الوهم و...، و لم یدخل الجنة بل لم یظهر لهم بصورته فقط، و انما وسوس لهما کما یوسوس لغیرهم من الناس.

و أما على الفرضین الثانی و الثالث فلم یبق هناک أی استغراب فی القضیة؛ و ذلک لان الجنة لم تکن هی الجنة الموعودة التی لا یحق لابلیس دخولها سواء کانت من بساتین الارض أم من بساتین الکواکب.

الجواب التفصيلي

فی البدء نرى من المناسب الى الالتفات الى أن التطور العلمی مکّن الانسان من اختراق بعض الاماکن بصورته او صوته من دون ختراق جسدی، حیث الجسد فی مکان و صورته فی مکان آخر.

اضف الى ذلک أن آیات الذکر الحکیم قد صرحت بعدم انقطاع الاتصال بین الشیطان و بین الانسان و هذا و عد قد اخذه ابلیس من الله تعالى "قالَ أَنْظِرْنی‏ إِلى‏ یَوْمِ یُبْعَثُونَ * قالَ إِنَّکَ مِنَ الْمُنْظَرینَ * قالَ فَبِما أَغْوَیْتَنی‏ لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَکَ الْمُسْتَقیمَ * ثُمَّ لَآتِیَنَّهُمْ مِنْ بَیْنِ أَیْدیهِمْ وَ مِنْ خَلْفِهِمْ وَ عَنْ أَیْمانِهِمْ وَ عَنْ شَمائِلِهِمْ وَ لا تَجِدُ أَکْثَرَهُمْ شاکِرینَ".[1] و من هنا اتضح الجواب عن السؤال المطروح الى حد ما. و لکن مع هذا نجد الباحثین و المفسرین عرضوا مجموعة من الابحاث و النظریات فی خصوص هذه القضیة، منها:

1. إن هذه الجنة التی کان یسکنها آدم و حواء هی نفس الجنة الموعودة وجنة الخلد التی وعد الله بها المتقین و الصالحین من عباده.

وقد ذهب بعض المفسرین الى تبنّی هذا الرأی؛ معللین ذلک بدخول الالف و اللام على مفردة "الجنة"[2] و الالف و اللام هذه عهدیة تشیر الى الجنة المعهودة و هی الجنة التی اشیر الیها فی قوله تعالى"اهبطوا"[3] الدال على الهبوط من الاعلى الا الاسفل.[4]

2. لم تکن الجنة التی اخرج منها آدم و حواء هی الجنة الموعودة و جنة الخلد، و إنما هی جنة (بستان) من جنان الارض التی اعدها الله تعالى لهما. و قد برر اصحاب هذا النظریة رأیهم هذا و انه لا یمکن أن تکون الجنة هی جنة الخلد، بالامور التالیة:

الف: إن الجنة الموعودة تقع فی مسیر الکمال أو قوس الصعود و نتیجة لاعمال و ملکات الانسان لا انها متقدمة على العمل. و بعبارة أخرى: أن جنّة آدم بدایة مسیر الإنسان و جنّة الخلد نهایتها. و هذه مقدمة لأعمال الإنسان و مراحل حیاته، و تلک نتیجة أعمال الإنسان و مسیرته.

ب: لا معنى للخروج من جنة الخلد و أن من یدخلها لا یطرد منها بحال من الاحوال.

ج: لا مجال لوساوس الشیطان داخل حریم جنة الخلد. و من هنا لا یمکن ان یکون المقصود من تلک الجنة هی جنة الخلد و لعل المراد منها جنة من جنان الارض التی تقع فی مکان ذی طبیعة خلابة.[5]

3. و هناک من المفسرین من تبنّى القول بان الجنة التی سکنها آدم و حواء علیهما السلام هی بستان من بساتین أحد الکواکب الأخرى، و هی غیر الجنة الموعودة؛ و ذلک لانه لا تکلیف فی جنة الخلد و أن من یدخلها لا یخرج منه أبداً.[6]

و هنا لابد من دراسة القضیة حسب الفرض الاول القائل بانها الجنة الموعودة، لنرى کیف تسنّى للشیطان اجتیاز حریمها و اختراق اسوارها؟!

الف: هنا نتساءل کیف یتمکن الشیطان الى دخول قلب الانسان؟ هل من خلال منافذ البدن؟ و هل یمکن ان نتصور للشیطان جسماً و مع هذا یستطیع اختراق القلب؟ لابد من القول بان السبیل الذی یسلکه الشیطان للنفوذ الى القلب یتمثل فی الشهوات و الغضب و الوهم و...، کما ان طریق الملائکة یتمثل فی القوة العقلیة. فعندما مال کل من آدم و زوجه الى الاکل من الشجرة المنهیة کانت تلک الشهوة وسیلته فاتخذ منها سبیلاً لاختراق قلبیهما، و بهذا نعرف انه لم یدخل الجنة و لم یخترق اسوارها حتى یرد الاشکال المذکور. و کذلک لم یدخل الى قلبیهما بجسمه، و کذلک لم یتجلَّ أمامهما بصورته.[7]

ب.  التوجیه الثانی أن الشیطان لم یدخل الى الجنة بجسمه و لم یخترق اسوارها و انما وسوس لهما من خارجها.[8]

و أما على الفرضین الثانی و الثالث فلم یبق هناک أی استغراب فی القضیة؛ و ذلک لان الجنة لم تکن هی الجنة الموعودة التی لا یحق لابلیس الدخول الیها سواء کانت من بساتین الارض أم من بساتین الکواکب الاخرى.[9]

و من هنا نجد العلامة الطباطبائی (ره) یقول: و بالجملة فهما (آدم و حواء) کانا یشاهدانه و یعرفانه، و الأنبیاء و هم المعصومون بعصمة الله کذلک یعرفونه و یشاهدونه حین تعرضه بهم لو تعرض على ما وردت به الروایات فی نوح و إبراهیم و موسى و عیسى و یحیى و أیوب و إسماعیل و محمد (ص) هذا.

و کذا ظاهر هذه الآیات کظاهر قوله تعالى: «ما نَهاکُما رَبُّکُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ»  حیث ینبئ عن کونهما معه لعنه الله بحیال الشجرة فی الجنة، فقد کان دخل الجنة، و صاحبهما و غرهما بوسوسته، و لا محذور فیه إذ لم تکن الجنة جنة الخلد حتى لا یدخلها الشیطان، و الدلیل على ذلک خروجهم جمیعاً من هذه الجنة.[10]



[1]الاعراف، 14-18.

[2]انظر قوله تعالى:"یا بَنی‏ آدَمَ لا یَفْتِنَنَّکُمُ الشَّیْطانُ کَما أَخْرَجَ أَبَوَیْکُمْ مِنَ الْجَنَّةِ یَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما لِیُرِیَهُما سَوْآتِهِما إِنَّهُ یَراکُمْ هُوَ وَ قَبیلُهُ مِنْ حَیْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّیاطینَ أَوْلِیاءَ لِلَّذینَ لا یُؤْمِنُونَ" الاعراف، 27.

[3]"فَأَزَلَّهُمَا الشَّیْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما مِمَّا کانا فیهِ وَ قُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُکُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَ لَکُمْ فِی الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَ مَتاعٌ إِلى‏ حین"، البقرة، 36.

[4] داور پناه، ابوالفضل، أنوار العرفان فی تفسیر القرآن، ج‏1، ص 456، ناشر انتشارات صدر، طهران‏، 1375 ش‏.

[5]نفس المصدر، ص432.

[6]نفس المصدر، ص 356.

[7] طیب، سید عبد الحسین، أطیب البیان فی تفسیر القرآن، ج ‏9، ص 111 و 112، ناشر: انتشارات اسلام، الطبعة الثانیة‏، طهران، 1378 ش‏.

[8] أنوار العرفان فی تفسیر القرآن، ج‏1، ص 456

[9]نفس المصدر.

[10]الطباطبائی، السید محمد حسین، المیزان فی تفسیر القرآن، ج‏1، ص: 131- 132، نشر: مکتب التبلیغ الاسلامی التابع لجماعة المدرسین، قم، الطبعة الخامسة، 1417 ق.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279466 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257330 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128194 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113308 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89023 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59877 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59589 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56880 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49820 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47189 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...