بحث متقدم
الزيارة
9470
محدثة عن: 2007/11/14
خلاصة السؤال
لماذا خلق الله الإنسان، و ما هو الهدف من ذلک؟
السؤال
لماذا خلق الله الإنسان، و ما هو الهدف من ذلک؟
الجواب الإجمالي

أ- خالقیة الله تعالى تقتضی أن یخلق.

ب- إن نظام الخلق یقوم على أساس الحکمة و الهدفیة.

ج- إن العلة الغائیة و الهدف النهائی لخلق الکائنات و إیجاد الموجودات هو الإنسان، و ذلک لأن جمیع المخلوقات خلقت من أجله، و إنه أحسن المخلوقین کما أن إلهه أحسن الخالقین.

هـ- و مهما کان الهدف من خلق الإنسان، فإن نتیجة ذلک تعود إلى الإنسان نفسه لا إلى الله سبحانه لأنه هو الغنی المطلق.

د- إن غایة الغایات و الهدف الأساسی من خلق الإنسان هو بلوغ الکمال و نیل السعادة الواقعیة، و الوصول إلى مقام الإنسانیة الشامخ، و سلوک الطریق إلى عالم الملکوت، و جمیع هذه الأهداف تتحقق فی إطار المعرفة و العبودیة الواعیة لذات الحق الأحدیة و لا تتیسر إلاّ عن هذا الطریق.

الجواب التفصيلي

من المسائل الثابتة أن الله سبحانه یتصف بصفات و أسماء سواء کانت تلک المتعلقة بالذات، و التی تکون عین ذات الواجب بمقتضى بساطته تعالى کالعلم و القدرة، القیومیة، المالکیة و الحاکمیة. أو کانت متعلقة بفعله و هی ما یصطلح علیها صفات الفعل کالربوبیة و الرازقیة و الخالقیة، و الإرادة و الرحمة. و هی جملة صفاته الثبوتیة التی یصدر من خلالها الفیض الإلهی على الدوام و دون انقطاع و من بینها صفة الخالقیة التی تقتضی أن یکون الله خالقاً بشکل مستمر و دائم دون توقف، فهو دائماً فی حالة خلق و مخلوقاته متجددة باستمرار. «کُلَّ یَوْمٍ هُوَ فِی شَأْنٍ».[1]

و المسألة الأخرى التی یمکن أن تذکر فی هذا الباب هی أن الله سبحانه حکیم، و لا یصدر عن الحکیم عمل عبثی لا هدف له، فنظام الخلق نظام هادف مبنی على أساس الأهداف العالیة السامیة للخالق (جل و علا) و لذلک فلا یوجد فیها أثر للاعوجاج أو الخلل، و لسان حال ذرات العالم یقول:

لا توجد فی هذا المحیط نقطة خلاف واحدة

و هذا أمر مفروغ منه من دون سؤال و جواب

و بحسب ما جاء فی آیات القرآن الکریم فإن الخالق سبحانه لم یخلق الموجودات باطلاً و لا عبثاً و لا لهواً و لا لعباً، و إن المحور الأساس الذی یرتکز علیه نظام الخلق هو الحق، فهو النظام الأحسن.

و حتى أدق الأجزاء فی هذا الکون فإنه یندرج ضمن سیاق هذه الهدفیة الدقیقة ذات القیمة العالیة، و لا وجود لجزء معطل لا عمل له و لا هدف.

لا وجود لشیء عاطل فی هذا الوجود

و لکنه قد یکون خافیاً على إدراکنا

و لا بد أن لا یغیب عن الأذهان أن العلة الغائیة و الهدف النهائی لخلق الکائنات و إیجادها هو الإنسان، و بعبارة أکثر شفافیة: إن الله خلق العالم لیخلق آدم، لأن الإنسان أحسن المخلوقین، کما أن إلهه أحسن الخالقین، و لم یخرج لهذا العالم مخلوق کابن آدم، و لذلک قال الله فی الحدیث القدسی: «یا ابن آدم خلقت الأشیاء لأجلک و خلقتک لنفسی».[2]

و بعد کل الذی تقدم ندخل فی صلب الموضوع فنقول: مهما یکون الهدف من خلق الإنسان فإن نتیجة الأمر تعود علیه و لیس على الله سبحانه لأنه غنی مطلق، و إن جمیع الممکنات محتاجة إلیه، و الإنسان من جملتها:

«یَا أَیُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَ اللَّهُ هُوَ الْغَنِیُّ الْحَمِیدُ».[3]

کان موسى (ع) یخاطب بنی إسرائیل: «وَ قَالَ مُوسَى إِنْ تَکْفُرُوا أَنْتُمْ وَ مَنْ فِی الأَرْضِ جَمِیعاً فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِیٌّ حَمِیدٌ».[4]

و یقول الإمام علی (ع) فی خطبته (المعروفة بخطبة المتقین) لهمام: «أما بعد، فإن الله سبحانه و تعالی خلق الخلق حین خلقهم غنیاً عن طاعتهم، آمناً من معصیتهم، لأنه لاتضره معصیة من عصاه، و لا تنفعه طاعة من أطاعه».[5]

و إن الغرض فی الأمر بالطاعة و النهی عن المعصیة لأجل نفع العباد.

و قد وردت آیات قرآنیة متعددة تبین الهدف من خلق الإنسان، و کل واحدة منها تشیر إلى بعد من أبعاد هذا الهدف، و من جملتها قوله تعالى: «وَ مَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الإِنْسَ إِلاَّ لِیَعْبُدُونِ».[6] و نقرأ فی موضع آخر: «الَّذِی خَلَقَ الْمَوْتَ وَ الْحَیَاةَ لِیَبْلُوَکُمْ أَیُّکُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً».[7]

و جاء فی مورد آخر: «وَ لا یَزَالُونَ مُخْتَلِفِینَ * إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّکَ وَ لِذَلِکَ خَلَقَهُمْ».[8]

و کما نلاحظ، فإن جمیع هذه الخطوط تلتقی فی نقطة واحدة متمثلة بهدایة الإنسان و تربیته و تکامله و سعادته، و رفعه إلى أعلى مراتب الکرامة و القیم الإنسانیة، و لا یتحقق هذا الهدف إلا من خلال المعرفة و العبودیة الواعیة لحقیقة الذات الإلهیة الأحدیة: «العبودیة جوهرة کنهها الربوبیة».[9] و کل من یبلغ هذا المقام یکون سلطاناً على کل ما سوى الله.

و نقرأ فی روایة عن الإمام الصادق (ع): «إن الله عز و جل ما خلق العباد إلاّ لیعرفوه، فإذا عرفوه عبدوه، فإذا عبدوه استغنوا بعبادته عن عبادة من سواه».[10]



[1] «کُلَّ یَوْمٍ هُوَ فِی شَأْنٍ»، الرحمن، 29.

[2] المنهج القوی، ج5، ص516؛ علم الیقین، ج1، ص 381.

[3] «یَا أَیُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَ اللَّهُ هُوَ الْغَنِیُّ الْحَمِیدُ»، فاطر، 15.

[4]  إبراهیم ، 8.

[5] نهج البلاغة فیض، ص11، خطبة همام.

[6] الذاریات، 56.

[7] الملک، 2.

[8] هود، 118 و 119.

[9] مصباح الشریعة فی حقیقة العبودیة.

[10] علل الشرائع، الصدوق، طبق لما نقل فی المیزان، ج 18، ص 423.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279435 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257244 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128140 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113244 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    88996 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59835 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59551 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56854 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49732 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47164 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...