بحث متقدم
الزيارة
6499
محدثة عن: 2008/09/10
خلاصة السؤال
ما هو رأی الاسلام و الامام الخمینی (ره) فی الترفیه و المزاح؟
السؤال
ما هو رأیکم فی کلام نسب الی الامام الخمینی (ره) بأنه قال: ان الله لم یخلق الانسان لکی یلعب و یلهو، ان هدف خلقة الانسان هو أن یجعله فی امتحان عن طریق الصعوبات و المشاکل و العبادات، ان النظام الاسلامی یجب أن یکون جدیاً فی جمیع المجالات، لیس فی الاسلام مزاح و طرائف و ملح، فمن کان جدّیاً لا ینبغی له أن یمزح. لا یجیز الاسلام لأحد أن یسبح فی البحر، و الاسلام یعارض الاستماع الی الرادیو و مشاهدة المسلسلات التلفزیونیة بالرغم من ان الاسلام یجیز الرمایة و الفروسیة و سباق الخیل فهل هذا صحیح؟ و هل هذا هو جوهر الاسلام؟
الجواب الإجمالي

یری الاسلام أن الهدف الاساسی للخلق هو تکامل الانسان، و أن جمیع موجودات العالم خلقت لأجل هذا الهدف الکبیر؛ لان الانسان أشرف المخلوقات، یقول القرآن: "و ما خلقت الجنّ و الانس الاّ لیعبدون".[i] و یری المفسرون أن المراد بالعبادة فی هذه الآیة عبودیة الانسان التی هی التکامل الحقیقی للانسان.

و لذا فقد أخذ الاسلام بنظر الاعتبار جمیع الابعاد و النواحی المادیة و المعنویة للانسان و کما یقول أمیر المؤمنین علی (ع): "یابنی: للمؤمن ثلاث ساعات ساعة یناجی فیها ربه و ساعة یحاسب فیها نفسه و ساعة یخلو فیها بینه نفسه و لذتها فیما یحلّ و یحمد و لیس للمؤمن بدّ من أن یکون شاخصاً فی ثلاث: مرمة لمعاش أو خطوة لمعاد أو لذة فی غیر محرم.

و الاسلام لم یعترض فی أی موضع علی الترفیه و المزاح و السباحة فی البحر، بل أمر بذلک و قد حصل مثل ذلک فی سیرة الائمة الاطهار (ع) أیضاً. فقد کان النبی (ص) یمزح مع الناس و یلاطفهم من أجل إدخال السرور علیهم.

و الامام الراحل (ره) لم یعترض فی کلامه علی المزاح و الترفیه السلیم و ... بل کان یقول دائماً: یجب أن یکون الترفیه سلیماً. و لم یعترض علی البرامج الترفیهیة للرادیو و لا علی المسلسلات التلفزیونیة، بل کان کثیراً ما یشجع العاملین فی ذلک و یثمن جهودهم. نعم کان یدلی أیضاً بارشاداته المفیدة و یقول انه یجب ان یکون کل ذلک فی خدمة الاسلام و ان یکون له جنبة أخلاقیة و تربویة.

و یلزم التذکیر بانه من أجل التعرف علی آراء الامام الخمینی (ره) یتحتم الرجوع حصراً الی مرکز تنظیم و نشر آثار الامام الخمینی (ره) او الی متن کتاب صحیفة النور الموجود فی العنوان ادناه.

http://www.imam-khomeini.org/farsi/main.html



[i] الذاریات، 56.

الجواب التفصيلي

للجواب عن هذا التساؤل ینبغی أولاً أن نری ما هو رأی الشرع المقدس للاسلام حول الهدف من خلقة الانسان و التصرف فی النعم الطبیعة کالجبال و الغابات و الترفیه السلیم و المزاح و ... ثم بعد ذلک نذکر آراء الامام الخمینی (ره) أیضاً حول هذه المواضیع لکی یتضح جیداً أن ما قاله الامام الراحل هو عین ما یراه الاسلام و لا اختلاف بینهما. یقول القرآن و هو المصدر الأساسی للشرع الاسلامی المقدس حول الخلقة: "و ما خلقت الجن و الانس الا لیعبدون".[1][2] (و لیتکاملوا عن هذا الطریق و یتقربوا الیّ) و علی هذا فالتأمل الیسیر حول هدف الخلقة یکشف عن أن الهدف الاصلی هو العبودیة وصول الانسان الی مرتبة الکمال، و أن الامور الاخری کالعلم و المعرفة و الامتحان هی أهداف تقع فی مسیر العبودیة و ان الرحمة الواسعة الالهیة هی نتیجة هذه العبودیة.[3] و قال الامام الخمینی أیضاً فی بعض کلماته: ان هدف الاسلام هدایة الانسان و نحن خلقنا لکی نصل من عالم التراب الی عالم الملکوت، و ان هدف تأسیس و وجود الحکومة هو أن یعبد الله فی ظلها.[4]

و حول المزاح و الملاطفة، فقد وردت توصیات بها فی الاسلام، و من ذلک ما روی عن الامام الصادق (ع): "ما من مؤمن الاّ و فیه دعابة. قلت: و ما الدعابة قال المزاح".[5]

و قد وردت فی کتبنا الروائیة أحادیث کثیرة حول استحباب المزاح و الملاطفة.[6]

فقد نقل یونس الشیبانی عن الامام الصادق (ع) قوله: "کیف مداعبة بعضکم بعضاً؟ قلت: قلیل، قال: فلا تفعلوا! فان المداعبة من حسن الخلق و انک لتدخل بها السرور علی أخیک، و لقد کان رسول الله (ص) یداعب الرجل یرید أن یسره".[7]

و قد رویت نماذج من ملاطفات الرسول (ص) و مزاحه تشیر إلی أنه (ص) فی الوقت الذی کان حسن الخلق و منسبط الوجه طیّب اللسان کان لا یتجاوز حدود الحق و کلمة الحق، و لم یکن مزاحه فی الباطل و اللغو و ما لا ینبغی، حیث یقول: "إنی لأمزح و لا أقول الاّ حقاً".[8]

و هذا الکلام کما یشیر الی المزاح فی سیرة رسول الله (ص) کذلک یشیر الی حدوده أیضاً. و أما قول الامام الراحل بانه (لامزاح فی الاسلام)،[9] فهو لیس بمعنی ان الاسلام لا یوجد فیه مزاح و ملاطفة، بل بمعنی ان أحکام الاسلام لا یصّح ان تذکر علی سبیل اللهو و اللعب و الهزل، لانه قال فی بقیة کلامه: ان الاسلام جدّ کلّه و لا لغو و لا هزل فیه، فهو جدّی فی الامور المادیة و المعنویة أیضاً، یرید الاسلام أن ینشأ مجاهداً لا شخصا متمیعاً مشغولاً باللغو و اللهو.[10] و لکن لیس معنی ذلک انه لا ینبغی للانسان فی حالات الاستراحة (بعد العمل و السعی و المطالعة و العبادة ...) ان یمزح او یرفّه عن نفسه. و لهذا السبب لا نری فی کلام الامام انه قال ان الاسلام یعارض المزاح و الملاطفة البریئة. فقد ورد فی الاسلام أوامر حول الترفیه و التشجیع علیه. یقول أمیر المؤمنین علی (ع) لولده: "یا بنی للمؤمن ثلاث ساعات، ساعة یناجی فیها ربه و ساعة یحاسب فیها نفسه و ساعة یخلو فیها بین نفسه و لذاتّها فیما یحلّ و یحمد، و لیس للمؤمن بد من ان یکون شاخصاً فی ثلاث: مرمة لمعاش أو خطوة لمعاد أو لذة فی غیر محرم".[11]

و الملفت انه و فی حدیث آخر أضیفت هذه الجملة و هی ان هذا الترفیه السلیم إعانة علی باقی الأعمال. لکن المهم هو ان ان یکون هذا اللهو و الترفیه سلیماً و الاّ فسوف یولّد المشاکل، فکثیر من الامور الترفیهیة غیر السلیمة تلحق الضرر بالنفس و أعصاب الانسان بحیث تؤدی الی تعطله عن العمل و الفعالیة لفترة.

و الملاحظة الملفتة هنا هی أن الاسلام أعطی الأهمیة لمسألة الترفیه السلیم حتی‌ أن بعض المسابقات کانت تتّم بحضور النبی (ص) و قد یکون هو (ص) المشرف و الحکم فیها.[12]

و الامام الخمینی أیضاً فی کلماته و فی رسالته العملیة یعدّ السفر و السیر فی الارض أحد أنواع الترفیه السلیم و یقول: اذا سافر الشخص بقصد الترفیه و التجوّل فلا اشکال فی ذلک و لیس حراماً . و الترفیه یجب أن یکون سلیماً.[13] و یقول فی بقیة کلامه: أنا لا أقول لا تترفّهوا و لا أقوال یجب ان تکونوا مشغولین دوماً، بل یجب علی الشاب أن ینظم أوقاته.[14]

و یقول حول استخدام التلفزیون و الرادیو: (التلفزیون أکثر الوسائل الاعلامیة حساسیة و علیه فیجب أن یکون تربویاً و تعلیماً و یجب أن یکون فی خدمة الاسلام، و لا أقول انه لا یجب استخدام التلفزیون.[15]

و الاسلام لا یعارض السباحة فی البحر و لیس هذا فحسب، بل نراه یؤکّد علی تعلیم الاولاد السابحة و الرمایة و رکوب الخیل.[16] و لکن یجب الانتباه الی أنه یجب الا یتلوث هذا الترفیه السلیم بالامور غیر الاخلاقیة، و لهذا السبب اعترض الامام الخمینی (ره) علی الذین یذهبون الی ‌البحر و یمارسون بعض الاعمال غیر الائقة و یخلقون أجواء الابتذال و التمیع و الذنوب.[17]

و الخلاصة بکلمة واحدة: انه لیس فی الاسلام أیّ نوع من التحجّر و الرهبانیة کما ورد فی روایة عن النبی (ص): أنه لا رهبانیة فی الاسلام. فمن الشواهد التی ذکرناها من القرآن و الروایات یتضح جیداً ان الاسلام دین فیه تعالیم و أوامر جذابة فی جمیع مراحل حیاة الانسان، حتی فی الامور المادیة الدنیویة و کیفیة استعمال النعم الدنیویة المحللة و المزاح و الترفیه السلیم ایضاً.

و یتضح کذلک بالبحث الدقیق فی کلمات الامام الخمینی (ره) انه لم یعارض أبداً المزاح و الترفیه و اللذائذ المحللة و الاستعمال الصحیح للنعم الالهیة.

و فی الختام نؤکّد علی انه یلزم من أجل التعرّف علی آراء الامام الخمینی (ره) الرجوع حصراً الی مرکز تنظیم و نشر آثار الامام الخمینی (ره) أو الی متن کتاب صحیفة النور الموجود فی العنوان ادناه.

http://www.imam-khomeini.org/farsi/main.html



[1] میزان الحکمة، ج 10، ص 376 – 380.

[2] الذاریات، 56.

[3] البابائی، احمد علی، منتخب تفسیر الأمثل، ج 4، ص 523؛‌ المیزان، ج 18، ص 583.

[4] الامام الخمینی، الجهاد الکبر، قسم المقدمة.

[5] الکلینی، اصول الکافی، ج 2، ص 654.

[6] الشیخ الحر العاملی، وسائل الشیعة، ج 12، ص 112، باب استحباب المزاح و الضحک.

[7] وسائل الشیعة، ج 12، ص 114، حدیث 15794؛ و سنن النبی، العلامة الطباطبائی، ص 60.

[8] العلامة المجلسی، بحار الانوار، ج 16، ص 117.

[9] صحیفة النور، الامام الخمینی، ج 9، ص 455.

[10] المصدر.

[11] النجفی الخمینی، تفسیر آسان (التفسیر المیسر)، ج 8، ص 70؛ میزان الحکمة، ج10، ص 376 – 380.

[12] نفس المصدر، ص 71.

[13] صحیفة النور، 395، الرسالة العملیة، م 1300.

[14] نفس المصدر، ج 3، ص 218.

[15] نفس المصدر، ج 8، ص 496.

[16] کنز العمال، حدیث 35342.

[17] صحیفة النور، ج 15، ص 178.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279456 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257312 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128181 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113291 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89015 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59867 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59574 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56875 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49802 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47182 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...