بحث متقدم
الزيارة
3545
محدثة عن: 2014/10/11
خلاصة السؤال
مع الأخذ بنظر الاعتبار محدودية عدد الشيعة و كونهم الأقلية في العالم بنحو لا تتجاوز نسبتهم 10/. من مجموعة سكان الأرض، يثار السؤال التالي: ما هو مصير سائر البشرية يوم القيامة و التي تبلغ نسبتها 90/.؟ و هل يتعرضون للاختبار أم لا؟ و هل ينتهي مصيرهم إلى السعادة و الخلود أم لا؟
السؤال
هناك مجموعة من الأسئلة المحيّرة التي تراودني و تشغل بالي، منها السؤال الذي يندرج ضمن مجموعة الفقه الأكبر و الرؤية الكونية للعالم. و هو يتعلق بمصير البشرية يوم القيامة، حيث يؤمن المسلمون بل سائر الأديان الإلهية بتعرض الانسان لاختبارات تؤهله لنيل السعادة و الخلود الاخرويين و أنّ الدنيا مزعة للآخرة و منطلق منها نحو الخلود و الفلاح. فاذا قلنا إنّ الخط القويم و الموصل إلى الله تعالى هو خط الاسلام المتمثل بمدرسة أهل البيت أو ما يعرف بالتشيع فقط، فمع الأخذ بنظر الاعتبار محدودية عدد الشيعة و كونهم الأقلية في العالم بنحو لا تتجاوز نسبتهم 10/. من مجموعة سكان الأرض، يثار السؤال التالي: ما هو مصير سائر البشرية يوم القيامة و التي تبلغ نسبتها 90/.؟ و هل يتعرضون للاختبار أم لا؟ و هل ينتهي مصيرهم إلى السعادة و الخلود أم لا؟ و الجدير بالذكر هنا أنه لا يمكن الاكتفاء بالجواب المتعارف القائل بأنّ ملاك السعادة و الشقاء يكمن في إتمام الحجّة و عدمها؛ و ذلك لأنه قد يحدد تكليف تلك الطائفة التي القيت عليها الحجّة الإلهية مع الأخذ بعين الاعتبار طاعتهم و عصيانهم، إلا أنه لا يكفي للاجابة عن تحديد مصير من لم تقم عليهم الحجة، إذ الكل – مهما كان مستواهم من الانصاف- يدركون أنّ الاكثيرة لم تلق عليهم الحجّة و لم تتضح لهم حقانية الاسلام عامّة و التشيع خاصّة. ثم إن هؤلاء هل يتعرضون للاختبار و الامتحان الالهيين أم لا؟ ثم لو فرضنا أن تلك النسبة الكبيرة تحظى بالسعادة شأنها شأن الاقلية فهنا يثار السؤال الآخر: كيف يستوي من تحمل الصعاب و المحن و وقع على كاهله كلّ تلك المهام الصعبة و الاحكام الدينية الشاقة نسبياً مع هؤلاء الذين عاشوا التحلل و اللامبالاة أمام الشريعة و الدين؟! و على فرض كون مصيرهم العذاب و الشقاء في المستقبل، فهنا يطرح السؤال التالي: ما هي الحجّة التي ألقيت عليهم و ما هي الدعوة التي لم يذعنوا لها؟ فاذا كان الجواب بأنّ مراتب الجنة و السعادة متفاوته هنا نقول: لماذا لم يتح لهؤلاء فرصة الوصول إلى الكمال و انحصر ذلك في أقلية محدودة؟ إلى غير ذلك من التساؤلات المطروحة من قبيل مصير الأطفال و القصّر من الناس و....؟
الجواب الإجمالي
للاجابة عن السؤال المطروح لا بد من الالتفات إلى مجموعة من النقاط:
1. لابد من التفريق بين مفردتي التفاوت و التمييز، و أن الذي لا ينسجم مع العدالة الالهية هو التمييز لا التفاوت. و هذا ما تجد جوابه في السؤال رقم 1196 (الموقع: 1198) فلسفة الاختلاف و التفاوت بين البشر).
2. إن أصل وجود التفاوت من الملازمات الوجودية لعالم الخلق و بالخصوص العالم المادي منه، و ذلك لأنه:
ألف. إنّ خلق الأشياء يُعد من اللوازم الضرورية؛ إذ مع عدم لزوم و ضرورية الخلق و انعدام المخلوقات مطلقا فحينئذ لا بد من التسليم بعدم تجلي الظهور و الفيض الإلهي و أنّه تعالى يكون في الخفاء المطلق و الدائم، و هذا مما يتنافى مع  التجلي الذاتي و الفيض الإلهي الدائم. مضافاً إلى استلزامه عدم تحقق الخير في شيء من العلم فالخلق أمر لازم و ضروري ينسجم مع مقتضيات ذات الحق تعالى.
ب. ان ظهور و تجلي الذات الالهية يستلزم التفاوت بين المخلوقات؛ و ذلك – بوضوح- لأن المخلوقات إنما وجدت على أساس قاعدة العلية و السنخية بين العلة و المعلول، و كان تجليها على أساس رعاية المراتب الذاتية للباري تعالى.
3. كلّ موجود متكامل في حدّ ذاته  و يتوفر على الآليات التي توفر له إمكانية الوصول إلى الكمال.
4. تكون العلاقة طردية بين الامتيازات و المسؤوليات فكلما إزدادت الامتيازات زادت نوعية التكاليف و المسؤوليات و العكس صحيح؛ و الشاهد على ذلك بالاضافة إلى الاحاديث الكثيرة التي تؤكد على هذه الحقيقة كالحديث المروي حفص بن غياث عن أَبي عبد اللَّه (ع) قال: قال يا حَفصُ يُغْفَرُ للجاهل سبعُونَ ذنباً قبلَ أَن يُغْفَرَ للعالِمِ ذنبٌ واحدٌ".[1] الآيات و الروايات التي تضيق على الأنبياء و الأولياء و  أنهم يؤاخذون بأدنى ذنب أو خطأ يصدر عنهم على فرض صدوره من الأنبياء؛ و أن الاعمال التي قد تكون مباحات للعامة من الناس تعد نفسها معاصي و ذنوباً لو صدرت من الأنبياء و الأولياء، بل قد تعد من كبار المعاصي و الذنوب.[2] و عليه يمكن القول بأنّه قد يصل انسان يعيش خارج دائرة المحيط الشيعي إلى مراتب سامية من خلال أعمال يسيره في الوقت الذي يراد فيه من الإنسان الشيعي القيام باعمال كبيرة للوصول إلى تلك المرتبة.
فالمتحصل أن ادعاء كون هناك طائفة من الناس لهم الحجّة على الله يوم القيامة يكون من قبل الاوهام و زخرف القول التي لا يمكن القبول بها؛ إذ معنى ذلك أنّه لا يرضى عن الله تعالى يوم القيامة الا طائفة محدودة من الناس الكمّل كالأنبياء  و الأئمة فقط.
و الشاهد على هذه الحقيقة و أنّه ليس لأحد مهما كان الحجّة على الله تعالى ما اشارت إليه الآية الكريمة التي وصفت موقف الكافرين يوم القيامة و حسرتهم على التفريط بالفرصة التي اتيحت لهم: "أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى‏ عَلى‏ ما فَرَّطْتُ في‏ جَنْبِ اللَّهِ وَ إِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرينَ".[3] و لاريب أن الحسرة و الحزن إنما يحصلان عندما يشعر الانسان بالتقصير و إهدار الفرص المتاحة له و عدم الاستفادة من النعم الإلهية.
و كما ورد في وصف حال الكافر يوم القيامة  و أنه يتمنى أن يكون ترابا "يَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَني‏ كُنْتُ تُراباً".[4] إذ يمتنى ذلك لأنه يعلم أنّ كونه تراباً يعني اعفاءه عن المسؤوليات و المهام التي لم ينجح في القيام بها.
5. الأمر الآخر الذي ينبغي الالتفات إليه هو التفريق بين مقولة الحق و دخول الجنة، إذ لا تلازم بين كون الانسان على الحق و دخول الجنة، فقد يكون الإنسان على الحق في اعتقاده و المنهج الذي يسير عليه و مع ذلك لا يدخل الجنة بسبب عوامل أخرى من قبيل عدم رسوخ المعتقد في قلبه و القيام باعمال تتنافى مع الشريعة التي يؤمن بها، مما يجعله في نهاية المطاف في عداد أصحاب النار؛ و من الممكن أيضاً أن ينال الانسان الجنة بسبب طهارته و نقائه الفطرية و إن لم يكن على عقيدة صحيحة.
لمزيد الإطلاع انظر: السؤال رقم 1389(الموقع: 1751) تحت عنوان: القاصرون و النجاة من الجحيم؛ و الرقم 2089 (الموقع: 283) تحت عنوان: الجحيم لغير المسلمين.
 

[1]. الكافي، ج 1، ص 47.
[3] الزمر، 56.
[4] النبأ، 40.
س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279471 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257336 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128200 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113314 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89028 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59880 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59591 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56883 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49822 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47192 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...