بحث متقدم
الزيارة
8257
محدثة عن: 2010/08/07
خلاصة السؤال
من هو الشخص المسؤول عن جمع الخمس فی زمن الإمام علی (ع)؟
السؤال
من هو الشخص الذی یستلم الخمس فی عهد الإمام علی بن أبی طالب (ع)؟
الجواب الإجمالي

یعتقد المسلمون جمیعاً أن الخمس أحد الواجبات الإلهیة و لا بد من الالتزام بدفعه، و هذا الحکم ینفذ منذ زمن تشریعه، أی بعد معرکة بدر، وکان الإمام علی (ع) إلى جانب رسول الله ممن ساهم فی إجراء هذا الواجب و المساعدة فی تنفیذه، و لم یقصر لحظة واحدة فی تنفیذ هذا الحکم بعد رحلة النبی الأکرم (ص)، و یشهد التاریخ أن الشیعة بعد زمن أمیر المؤمنین(ع) و فی زمن الأئمة المعصومین کانوا یهتمون بهذا الواجب، و یحولون أموالهم و أخماسهم إلى الأئمة المعصومین و المسألة الجدیرة بالذکر أن الشواهد التاریخیة تدل على أن خمس الغنائم و خمس الکنز و المعادن کانت تدفع فی زمن الرسول (ص) و زمن الإمام علی (ع) و زمن الأئمة المعصومین (ع)، و لکن التاریخ لم ینقل أن خمس أرباح المکاسب أخذ فی زمن رسول الله (ص) أو زمن الإمام علی (ع)، و لکن عدم وجود الدلیل التاریخی لا یدل على عدم وجود هذا القسم من الخمس، و ذلک لأن الکثیر من المصادر التاریخیة فقدت خلال الحروب التی وقعت على طول التاریخ، إضافة إلى أن هذا القسم من الخمس قد بین فی زمن الأئمة المعصومین فیما بعد.

الجواب التفصيلي

بحسب التعالیم الإسلامیة و الآیات القرآنیة[1] فإن الخمس أحد التکالیف الإلهیة، و قد شرع فی وقت تقسیم غنائم وقعة بدر، وقد اتفق الشیعة و السنة على أصل وجوب هذا التشریع و لا یوجد اختلاف إلا فی بعض مسائله، فالسنة یرون أن الخمس یقتصر على غنائم الحرب و المعادن و الکنز، و أما الشیعة فیضیفون بعض الموارد الأخرى، کالخمس فی ما زاد عن المؤونة، و الاختلاف بین الشیعة و السنة لا بد أن یتابع من خلال معنى کلمة «غنمتم»[2] فی آیة الخمس، لأن أهل السنة یفسرون «الغنیمة» فیما یتم الحصول علیه من الحرب، و لکن علماء الشیعة یعتقدون أن «الغنیمة» تشمل جمیع الفوائد و لذلک أوجبوا الخمس فیها، أعم من أن تکون من المکاسب أو من الکنز و المعادن أو ما یحصل علیه بواسطة الغوص فی البحر، و إن اعتقاد الشیعة هذا فی معنى الآیة یمکن إثباته، لأن عرف اللغة یطلق على جمیع الموارد المذکورة لفظ «الغنیمة»[3]، و قد ذکر الشیعة عدة شواهد على ذلک من کلام النبی (ص) و کلام الأئمة المعصومین (ع)، و من الأمثلة فی زمان الرسول (ص) و الإمام علی (ع) یمکن أن یقال: أن الخمس أخذ من غیر غنائم الحرب کالمعادن و الکنز و کذلک ما یستخرج من الغوص فی البحر من جواهر و لئالی، و قد ورد فی سنن البیهقی أن رجلاً وجد کنزاً فجاء إلى الإمام علی (ع) فأخبره، فقال له الإمام: أربعة أخماس المال لک و خمسه لنا[4].

و کذلک نقل فی نفس الکتاب المعتبر عند أهل السنة أن النبی (ص) قال: «فی الرکاز خمس» و سألوا، ما هو الرکاز؟ قال: الذهب والفضة الذی خلقه الله فی الارض یوم خلقت[5].

و فی کتاب وسائل الشیعة نقل أیضاً حدیث مفصل فی هذا الموضوع، و ذلک فی عصر الإمام علی (ع)، أن شخصاً استخرج رکازاً أو وجد کنزاً فی الأرض، و عندما جاء إلى الإمام علی (ع) قال له آتنا بخمسه[6].

و لکن السؤال الملح هو هل أن خمس أرباح المکاسب أخذ فی زمن رسول الله (ص) أو زمن الإمام علی (ع) أم لم یؤخذ؟

و فی الإجابة عن هذا السؤال لا بد من القول: لا توجد وثائق تاریخیة تدل على أن الرسول (ص) أو الإمام علی (ع) أخذ خمس المکاسب، و لکن هذه المسألة لم تثر أی إشکال فی قضیة وجوب الخمس فی أرباح المکاسب، و ذلک للروایات الکثیرة الواردة عن الأئمة المعصومین (ع) الآخرین و قد جمع صاحب وسائل الشیعة هذه الروایات فی أبواب مختلفة، و جمیع هذه الروایات تبین أن الناس أدوا خمس المکاسب فی أقسام مختلفة، نشیر إلى بعض هذه الروایات بعنوان الأمثلة:

1ـ کتب أحد أصحاب الإمام التاسع (ع): «أخبرنی عن الخمس أعلى جمیع ما یستفید الرجل من قلیل وکثیر من جمیع الضروب وعلى الصناع؟ وکیف ذلک؟ فکتب بخطه: الخمس بعد المؤونة»[7] و یستفاد من هذه العبارة بشکل واضح أن السائل کان لدیه شک فی عمومیة الخمس، و کذلک فی کیفیة دفعه، و أن الإمام (ع) أجابه بجملة واحدة على کلا الشقین من سؤاله، کما هو متعارف فی رسائل و أجوبة ذلک الزمان و ذلک عندما قال: «الخمس بعد مؤنة السنة» ففیه إجابة على شقی السؤال المتعلقین بالکیفیة و أصل الوجوب.

2ـ «عن علیِّ بن مَهْزِیَارَ قال: قال لی أَبُو علیِّ بنُ رَاشِدٍ: قُلْتُ لَهُ: أَمَرْتَنِی بِالْقِیَامِ بِأَمْرِکَ وَ أَخْذِ حَقِّکَ فَأَعْلَمْتُ مَوَالِیَکَ بِذَلِکَ، فقال لی بعْضُهُمْ و أَیُّ شَیْ‏ءٍ حَقُّهُ؟ فَلَمْ أَدْرِ مَا أُجِیبُهُ فَقَالَ: یَجِبُ عَلَیْهِمُ الْخُمُسُ. فَقُلْتُ: فَفِی أَیِّ شَیْ‏ءٍ؟ فقال: فی أَمْتِعَتِهِمْ وَ صَنَائِعِهِمْ. قُلْتُ: وَ التَّاجِرُ عَلَیْهِ وَ الصَّانِعُ بِیَدِهِ؟ فَقَالَ إِذَا أَمْکَنَهُمْ بَعْدَ مَئُونَتِهِم»[8].

راوی هذه الروایة شخص یسمى «علی بن راشد» و هو من وکلاء و ممثلی الإمام التاسع (ع) الخاصین. و عندما یقول مثل هذا الشخص " قُلْتُ لَهُ: أَمَرْتَنِی بِالْقِیَامِ بِأَمْرِکَ وَ أَخْذِ حَقِّکَ "، فإننا لا نشک أن المخاطب هو الإمام (ع).

3ـ کتب إبراهیم بن محمد الهمدانی الى الامام (ع): « أَقْرَأَنِی عَلِیٌّ (بن مهزیار) کِتَابَ أَبِیکَ فِیمَا أَوْجَبَهُ عَلَى أَصْحَابِ الضِّیَاعِ أَنَّهُ أَوْجَبَ عَلَیْهِمْ نِصْفَ السُّدُسِ بَعْدَ الْمَئُونَةِ وَ أَنَّهُ لَیْسَ عَلَى مَنْ لَمْ تَقُمْ ضَیْعَتُهُ بِمَئُونَتِهِ نِصْفُ السُّدُسِ وَ لا غَیْرُ ذَلِکَ فَاخْتَلَفَ مَنْ قِبَلَنَا فِی ذَلِکَ فَقَالُوا: یَجِبُ على الضِّیَاعِ الْخُمُسُ بَعْدَ الْمَئُونَةِ مَئُونَةِ الضَّیْعَةِ وَ خَرَاجِهَا لا مَئُونَةِ الرَّجُلِ و عِیَالِهِ. فَکَتَبَ وَ قَرَأَهُ عَلِیُّ بْنُ مَهْزِیَارَ: عَلَیْهِ الْخُمُسُ بَعْدَ مَئُونَتِهِ وَ مَئُونَةِ عِیَالِهِ و بَعْدَ خَرَاجِ السُّلْطَان »[9]

و هذا الحدیث الصحیح سنداً و المتقن فیه تصریح بأمر الامام الناس أن یدفعوا الخمس من عائدات الأراضی بعد عزل مؤنة السنة، و إذا لاحظتم أن بعض الأئمة لا یأخذون أکثر من نسبة 1/12 فذلک محمول على أن خصائص و ظروف ذلک العصر لا تسمح إلا بذلک، أو أنهم أباحوا لشیعتهم قسماً من الخمس حتى لا یضیقوا علیهم و یحرجوهم.

إن المطالب و الروایات المتقدمة تثبت أخذ الخمس فی زمن الإمام علی (ع) و زمن الأئمة المعصومین (ع) سواء فی خمس الغنائم و غیره، و أما ما یتعلق بالسؤال عن الشخص الذی یأخذ الخمس فی زمن الإمام علی (ع) فذلک ما لا تسعفنا وقائع التاریخ بمعرفته، و من الطبیعی أن عدم بیان التاریخ لا یدل على عدم وجود الخمس.

و ذلک أن العدید من کتب الشیعة المعتبرة أحرقت فی زمن الحروب، أو أنها ضاعت أو تلفت عبر العصور الزمنیة المتطاولة و القرون العدیدة، و علیه فالکثیر من الروایات و المسائل المهمة لم تصل إلینا. و محصلة القول: أنه مع الاخذ بنظر الاعتبار ان بیان الأحکام کان عن طریق الإمام علی (ع) و الأئمة المعصومین[10] نصل إلى أن مسألة الخمس الموجودة و المبینة الآن فی الفقه الشیعی مأخوذة من سنة رسول الله (ص) و الأئمة المعصومین (ع)، و هذه السنة هی تعبیر عن کلام الله تعالى، و الإسلام الحقیقی، و إن الخمس أحد الواجبات المالیة.



[1] الأنفال، 41.

[2]  «واعلموا أنما غنمتم من شیءٍ فأن لله خمسه».

[3]  راغب، مفردات، ج1، ص615؛ الطبرسی، مجمع البیان، ج4، ص544.

[4]  سنن البیهقی، ج4، ص156

[5]  المصدر نفسه، ص152

[6]  الحر العاملی، وسائل الشیعة، ج9، کتاب الخمس، الباب السادس، ح1، مؤسسة آل البیت، قم، 1409هـ.

[7]  الحر العاملی، وسائل الشیعة، ج9، کتاب الخمس، الباب الثامن، حدیث 1، مؤسسة آل البیت، قم، 1409هـ.

[8]  المصدر نفسه، الباب الثامن، ح4.

[9]  المصدر نفسه، ح3.

[10]  الکلینی، أصول الکافی، ترجمة مصطفوی، ج2، ص478، المکتبة العلمیة، الطعبة الاولى، طهران.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279458 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257317 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128184 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113301 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89018 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59870 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59578 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56877 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49807 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47183 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...