بحث متقدم
الزيارة
7890
محدثة عن: 2011/02/12
خلاصة السؤال
هل المداومة و الاستمرار على الذکر یؤدی الى الفقر؟
السؤال
هل المداومة و الاستمرار على الذکر یؤدی الى الفقر؟
الجواب الإجمالي

یتضح من خلال الشریعة و روایات أهل المعصومین (ع) تأکیدها على استحباب الاذکار الالهیة ولها ثمار ایجابیة کبیرة تترتب علیها، و أن تلک المصادر الدینیة لا ترى فی ذلک أی منقصة أو مردود سلبی، لکنها فی الوقت نفسه تحث المسلمین على النظر الى الامور نظرة معرفیة لان کل تلک الاعمال اذا لم تصدر عن معرفة و اخلاص لا یکون لها الاثر المطلوب بل قد تخلق فی الانسان حالة من التضاد و الفصام بین اللسان و القلب. و علیه لابد اولا من المعرفة بالاعمال التی نقوم بها و ثانیا لابد من الانسجام بین اللسان و القلب معا، و الأهم من ذلک أن لا یحصل الفصام و التضاد بینهما و ذلک لانه کما قال تعالى "إِلَیْهِ یَصْعَدُ الْکَلِمُ الطَّیِّبُ وَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ یَرْفَعُه".

الجواب التفصيلي

لاریب أن جمیع الاذکار الالهیة مبارکة و لها مردودات کبیرة جداً على المدى القصیر و البعید. و قد وردت روایات کثیرة تؤکد على البرکات و الثمار المهمة التی تحصل من تردید کلمة "لا اله الا الله"، منها الروایة المفصلة المنقولة عن الامام الصادق (ع) حیث جاء فی مقطع منها: "َقال رسولُ اللَّه (ص): ... مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مِائَةَ مَرَّةٍ کَانَ أَفْضَلَ النَّاسِ عَمَلًا ذَلِکَ الْیَوْمَ إِلَّا مَنْ زَاد"[1]

فبالاضافة الى استحباب الاذکار عامة و منها قوله "لا اله الا لله" التی تمثل کلمة التوحید و شعار المسلمین الاساسی. نرى من المناسب هنا الاشارة الى بعض الامور التی ذکرت فی العرفان العملی من باب الاوراد و الاذکار لما اکتنف هذه القضیة من شبهات و شکوک ناشئة من الخلط فی الابحاث و عدم معرفتها حقیقة.

ورد فی بعض الکتب خاصة الکتب المتعلقة بالعلوم الغریبة الحدیث عن استعمال الاوراد و الاذکار للحصول على المبتغى و قد تستغل هذه العلوم استغلالاً خاطئاً من قبل العامة من الناس. و هذه الاوراد بعضها یراد منها تحقیق أمور مادیة و أخرى یراد منها الوصول الى کمالات معنویة و باطنیة غیبیة و هذه تحتاج الى طی مجموعة من المراحل و الریاضات الخاصة خلال فترة زمنیة معینة کاربعین یوما او تکرار العمل مرات معینة و...

إن طریقة الاوراد و الاذکار فی الحقیقة تعد فناً روحیّاً و طریقة عرفانیة لها اثرها الخاص فی روح الانسان و بالتبع تترک اثرها على العالم. و طبقا لهذه الرؤیة یکون لکل ورد و ذکر أثره الخاص به و الذی لایتوفر فی سائر الاذکار و الاوراد.

کذلک نرى أنه هذه القضیة تختلف عن سائر الامور التی طرحت فی الشریعة حیث حکمت الشریعة باستحباب کل هذه الاذکار و العبادات و ذلک لان الجمیع یعد ذکراً لله تعالى و موجباً للتقرب منه، و یترتب علیه آثار و فوائد مهمة.

هذان المقامان من البحث (البعد العرفانی و الجانب التشریعی) أدّیا الى إثارة الشبهات و الابهامات لدى عامة الناس فتصور البعض أنه و بمجرد أن یردد الانسان جملة "لا اله الا الله" مائة مرة فانه یقع فی الفقر و یبتلى بالحاجة، و علیه أن یقوم ببعض الاذکار التی ترفع عنه الفقر و الحاجة و تحقق له الغنى المالی بالاضافة الى بعض النجاحات الاخرویة الأخرى.

الملاحظة أن هذا التلقی الساذج لذکر الله تعالى یبدل بصورة علمیة ذکر الله تعالى باسم الله و لا تتعدى ثمرته أکثر من جعله آلة لتحقیق ما یرید و خلط لطریقة أوراد و أذکار العرفان بالامور الدنیویة.

الأمر الآخر الجدیر بالذکر أن الاستفادة الآلیة الساذجة و فقدان المعرفة القلبیة للاوراد و الاذکار تجر الى تحدٍ و مشکلة أخرى و هی أن کل عمل شرعی یقع فی تعارض مع القلب والاعمال الفردیة لیس له ثمرة الا النفاق.

من هنا ننتقل الى جواب السؤال الذی یقول هل من الممکن أن یکون استعمال ذکر خاص مؤدیاً الى حصول الابتلاءات؟

جوابه: أن الرؤیة القرآنیة لا تنفی الابتلاء بل تؤکده و تجعله قرینا للایمان فلا ایمان من دون ابتلاء " أَ حَسِبَ النَّاسُ أَنْ یُتْرَکُوا أَنْ یَقُولُوا آمَنَّا وَ هُمْ لا یُفْتَنُونَ"[2]

من هنا على الذین یرددون بعض الاذکار و یکررونها على السنتهم من دون أن یجعلوا أنفسهم مسؤولین أمام تلک الاذکار و الکلمات التی یرددونها، أن یعیدوا حسابهم و مواقفهم هذه.

إن جمیع أعمال الانسان المسلم العبادیة و الشرعیة و أقدسها کالصلاة و تلاوة القرآن اذا لم یکن لها الاثر الفاعل فی القلب و لم تجعل عمل الانسان المسلم منسجما معها، حینئذ لا تکون لها أی ثمرة إیجابة بل سیکون لها مردود سلبی على صاحبها، فالذی یردد تلاوة القرآن یومیا و لکنه لا یتورع عن إرتکاب ما نهى عنه القرآن الکریم سیکون مصداقا للحدیث القائل "رُبَّ تَالٍ لِلْقُرْآنِ وَ الْقُرْآنُ یَلْعَنُهُ".[3]

کذلک الصلاة التی هی عبادة لله تعالى إن لم تصدر عن صدق نیّة و إخلاص لله تعالى فانها ستکون کصلاة المنافقین و یکون صاحبها مصداقاً لقوله تعالى "فَوَیْلٌ لِلْمُصَلِّینَ الَّذِینَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُون"[4] فلا تکون ثمرتها الا الویل و الهلاک و الثبور.

إن الاذکار و الاوراد اللسانیة خاصة التی ذکرت بصورة محددة - کما و کیفا- غیر مستثناة عن هذه القاعدة، و من هنا تظهر ضرورة وجود الاستاذ العارف الذی کان قد طوى مراحل من التکامل المعنوی و الروحی حتى وصل الى مقام الاستاذیة.

و هنا لیس من المستبعد أن یکون لبعض الاذکار التی وردت بطریقة خاصة -کماً و کیفا- الاثر فی اختبار الانسان و ابتلائه و ذلک حینما یکون الانسان صادقاً فی کل ذلک و یکون لسانه منسجماً مع ما فی قلبه، و ذلک لیمحص الله تعالى صدقه و یختبره فی موضع الشدائد، و فی الحقیقة هذا لطف الهی و ما قاله بعض الکبار "کلمه لا اله الا الله ورد الموحد الحقیقی" ناظر الى هذا المقام و لا یعنی ذلک نفی الاستحباب الذاتی للاذکار و الاوراد. و ذلک لان معنى کلمة "لا اله الا الله" أن الفرد لیس له هدف و معبود الا الله تعالى فهو یرید التجرد عن کل ما سوى الله تعالى، و هذا الامر یتضاد مع حب الدنیا و التعلقات الدنیویة. فالحقیقة أن الاخلاص شرط التوحید، و لا تعنی نتیجة ذلک التجرد و التنزه عن الاذکار، و الا لکان من الافضل حینئذ عدم الایمان و الذکر و تلاوة القرآن الکریم و کذلک الصلاة لان جمیعها تستلزم نوعا من الامتحان و الاختبار الالهی!!!. بل لابد من جعل هدفنا هو الله تعالى و مضاعفة الاخلاص له.

و لقد أشار القرآن الکریم الى قضیة مهمة و هی أن من حبائل الشیطان و مکائده إیحاءه للناس بان الایمان بالله ستکون عاقبته الفقر و الفاقة "الشَّیْطانُ یَعِدُکُمُ الْفَقْرَ وَ یَأْمُرُکُمْ بِالْفَحْشاءِ"[5] و من هنا ینبغی للانسان أن لایقع فریسة الشیطان و حبائله لان الایمان بما یوسوس به الشیطان لا ینسجم مع الایمان الحقیقی؛ فلابد من دراسة القضیة دراسة صحیحة و وضع الحلول الناجعة للتخلص من حالة الفقر و الحرمان لا اعتماد اسلوب الاوراد و الاذکار التی تجلب الثروة و تبعد الامتحان و الاختبار کما یتصور ذلک بعض الناس. إن التغلب على هذه الوساوس لا یحصل الا بالمعرفة الحقة و الایمان الخالص و لا یکفی فی هذا المجال مجرد لقلقة اللسان و مجرد الالفاظ.

اتضح من خلال کل ما مر أن خلاصة البحث تکمن فی أن الشریعة و روایات أهل المعصومین (ع) تؤکد استحباب الاذکار الالهیة و لا ترى فی ذلک أی منقصة أو مردود سلبی، لکنها فی الوقت نفسه تحث المسلمین على النظر الى الامور نظرة معرفیة لان کل تلک الاعمال اذا لم تصدر عن معرفة و اخلاص لا یکون لها الاثر المطلوب بل قد تخلق فی الانسان حالة من التضاد و الفصام بین اللسان و القلب. و لاریب أن هذه القضیة تنطوی على درجة عالیة من الخطورة و الاهمیة بحیث یکون اغفالها و عدم الاهتمام بها مؤدیا الى حدوث امور لا تحمد عقباها، و علیه لابد اولا من المعرفة بالاعمال التی نقوم بها و ثانیا لابد من الانسجام بین اللسان و القلب معا، و الأهم من ذلک أن لا یحصل الفصام و التضاد بینهما و ذلک لانه کما قال تعالى "إِلَیْهِ یَصْعَدُ الْکَلِمُ الطَّیِّبُ وَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ یَرْفَعُهُ"[6]



[1] الکلینی ،محمد بن یعقوب ،الکافی ج 2، ص 505، بَابُ التَّسْبِیحِ وَ التَّهْلِیلِ وَ التَّکْبِیرِ، حدیث1، نشر دار الکتب الاسلامیه، طهران، 1365هـ.

[2] العنکبوت، 2.

[3] جامع الاخبار، ص48، انتشارات الرضی، قم ، 1363هـ ش.

[4] الماعون،4-5.

[5] البقرة،268.

[6] فاطر،10.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279469 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257334 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128197 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113312 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89026 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59879 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59590 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56882 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49822 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47191 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...