بحث متقدم
الزيارة
9180
محدثة عن: 2011/05/21
خلاصة السؤال
لماذا قال الله تعالى فی الحدیث القدسی من قتلته فانا دیته؟
السؤال
لماذا قال الله تعالى فی الحدیث القدسی من قتلته فانا دیته؟
الجواب الإجمالي

العبارة المذکورة هی مقطع من الحدیث القدسی المعروف: "من طلبنی وجدنی و من وجدنی عرفنی و من عرفنی احبنی و من احبنی عشقنی و من عشقنی عشقته و من عشقته قتلته و من قتلته فعلیّ دیته و من علیّ دیته فانا دیته".

و لکن لو نظرنا الى معنى الدیة فی الحدیث القدسی نظرة معرفیة لوجدنا ان الله تعالى جعل المیزان الذی تقوم علیه الدیة و مقدارها هو المیزان المعرفی، بمعنى أن الانسان کلما ازدادت معرفته و تجذرت بحیث وصل الى درجة من السمو المعنوی و الرفعة الروحیة و وصل الى مقام الشهادة فحینئذ یکون الله تعالى دیته. و هذا المعنى لا یدرک الا فی مدرسة "معرفة النفس".

الجواب التفصيلي

العبارة التی وردت فی متن السؤال هی مقطع من الحدیث القدسی المعروف: "من طلبنی وجدنی و من وجدنی عرفنی و من عرفنی احبنی و من احبنی عشقنی و من عشقنی عشقته و من عشقته قتلته و من قتلته فعلیّ دیته و من علیّ دیته فانا دیته".

روى حدیث "من عشقنی..." المحدث الکبیر الفیض الکاشانی (م1091هـ ق) فی کتابه "کلمات مکنونة" و کذلک رواه آیة الله السید نور الله الجزائری (م1384هـ ق) تحت عنوان حدیث قدسی، فی کتاب الخصائص الزینبیة. فالحدیث وارد فی مصادر جیدة.

و لکن لفهم المراد منه و بیان حقیقة معناه لابد من البدء ببیان معنى "الدیة" من الناحیة اللغویة و القانونیة و الحقوقیة.

اما الدیة فی اللغة العربیة و القانون هی: المال الواجب بالجنایة على الحرّ فی نفس أو ما دونها، و ربما یسمى الدیة لغةً عقلًا؛ لمنعها من التجرّی على الدماء، فإنّ من معانی العقل المنع.[1]

و لکن لو نظرنا الى معنى الدیة فی الحدیث القدسی نظرة معرفیة، لوجدنا أن الله تعالى جعل المیزان الذی تقوم علیه الدیة و مقدارها هو المیزان المعرفی، بمعنى أن الانسان کلما ازدادت معرفته و تجذرت بحیث وصل الى درجة من السمو المعنوی و الرفعة الروحیة و وصل الى مقام الشهادة فحینئذ یکون الله تعالى هو دیته.

و جزاء من یصل الى مکانة من السمو و الجدارة بحیث یفدی نفسه من أجل الله تعالى فیصل الى مقام الشهادة، جزاءه الرجوع الى الله و بالتبع یکون الله تعالى دیته و ثوابه.

و تجب الدیة عندما یحصل القتل. و فی الحدیث المذکور یوجد قاتل و مقتول و دیة، و النظرة العرفانیة تنطلق من الفکر العرفانی الذی رسمه أمیر المؤمنین (ع) و هو هناک نفس واقعیة و هی"النفس المطمئنة" و نفس و وجود کاذب "النفس الامارة" و جزاء و ثواب من یقتل نفسه الکاذبة و یعد نفسه للوصول الى مقام الشهادة، الرجوع الى الله تعالى، و بهذا یظهر المراد من کون الله تعالى دیة ذلک القتل الذی سببه العشق الالهی و تجلی الجمال الالهی للعاشقین ففنیت ذواتهم و ذابوا فی الخالق تعالى.

فالله تعالى دیة شهداء العشق فقط، و ذلک لانه لیس الدین الا العشق فقد روی عن الصادقین (ع) انهما قالا: "ل الدین الا الحب"[2]. کما لا یصل الى مقام الشهادة الا العاشق فقط.

إن ادراک المعنى العمیق للعشق یکمن فی ادراک المعنى الباطنی للشهادة. و أن الأمر واضح لاصحاب المعرفة بان الشهادة فی حقیقة الامر تمثل مقاما باطنیا یختص بالائمة و الاولیاء و المحبین للذات الاحدیة لا مجرد القتل فی میادین الجهاد. إن أئمتنا فسروا لنا العشق الذی یؤدی الى الشهادة، فقد روی عن الرسول الاکرم (ص) أنه قال: "من عشق فکتم و عف فمات فهو شهید".[3]و فی حدیث آخر له (ص): " من مات على حب آل محمد مات شهیدا".[4]

و قد ذهب الملا صدرا فی الحکمة المتعالیة الى الاتحاد بین العشق و الوجود حیث قال: "إن تمام صفات الکمال و التی تساوق الوجود لبساطة الوجود تلازمه فی جمیع مراحل الوجود؛ فلا مرتبة إذن تخلو من العشق"[5]. فکلما ازداد الانسان عشقا لله تعالى و حبا له، عاد موجودا یحمل حقیقة الوجود. لان حقیقة الوجود تتمثل فی الله تعالى و ما سواه عدم و ظل لا غیر. و بهذا اللحاظ لا تتحقق العدالة اذا لم یکن الله تعالى دیة الانسان العاشق و ذلک لانه لا یخرج حینئذ عن العدمیة و الظلیة.



[1] طباطبائى، صاحب ریاض، سید على بن محمد، ریاض المسائل فی تحقیق الأحکام بالدلائل( ط- الحدیثة)، ج16 ، ص343، نشر: مؤسسه آل البیت (ع)،  1418 ه ق، الطبعة الاولى.

[2]العلامة محمدباقر المجلسی، بحارالانوار ،ج66 ،ص237

[3] ریشهری، منتخب میزان الحکمة، قم:مرکزالطباعة والنشر فی دارالحدیث، الطبعة الثانیة، 1422ق، ص281،ش3384

[4] محمدی ریشهری، منتخب میزان الحکمة، قم:مرکزالطباعة والنشر فی دارالحدیث، الطبعة الثانیة، 1422ق، ص281، ش3385

[5] سیما محمدپور دهکردی، عشق بدون مرز، قم:مطبوعات دینی،1384،ص120

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279435 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257235 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128140 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113240 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    88996 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59835 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59549 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56854 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49727 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47164 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...