بحث متقدم
الزيارة
6531
محدثة عن: 2012/08/13
خلاصة السؤال
ما المراد من الخسران في الأعمال؟
السؤال
ما المراد من الخسران في الأعمال؟ أرجو بيان ذلك مع ذكر مصاديق ذلك.
الجواب الإجمالي

الخسران من المواضيع التي سلّط القرآن الكريم عليها الأضواء عدة مراّت، حيث وردت مادة "خسر" 56 مرة بمشتقاتها المختلفة في هذا الكتاب المقدس. و كما أن الخسران هو أمر نسبي في الأمور المادية، لذلك يتراءى لمن أفلس بالكامل أنه خاسر كما يتراءى لمن حصل على ربح أقل من المتوقع، و هذا الامر يجري في الأمور المعنوية كذلك. لذلك نجد أولياء الله يعتبرون أنفسهم من الخاسرين و يضعون أنفسهم موضع التقريع الشديد على تقصيرهم في تحصيل الفائدة الكاملة مع توفر الظروف المناسبة لذلك، و في نفس الوقت يوجد أفراد يزيد خسرانهم بمراتب عن هؤلاء فإنهم ليسوا قد حرموا من الفائدة فحسب، بل قد إبتلوا باضرار و خسارات جسيمة أثقلت كاهلهم.

على كل حال، قد ذكر القرآن و كذلك روايات أهل البيت (ع) مصاديق مختلفة للخاسرين، منها: "قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً*الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيهُمْ في الحْياةِ الدُّنْيَا وَ هُمْ يحَسَبُونَ أَنهَّمْ يحُسِنُونَ صُنْعًا* أُوْلَئكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِايَاتِ رَبِّهِمْ وَ لِقَائهِ فحَبطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لهَمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا* ذَالِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُواْ وَ اتخَّذُواْ ءَايَاتيِ وَ رُسُليِ هُزُوًا".[1]

فهذه الآيات من القرآن الكريم تبين أن أخسر الناس هم الذين يقترفون المعاصي ظناٌ منهم أنهم يحسنون صنعاً. فالشيطان يلقي هذا الظنّ و الواهم في أذهانهم و يزيّن لهم أعمالهم القبيحة بوسوسته و بسوء إستفادته من فطرة الإنسان المحبة للخير الطالبه له.[2]

أما لماذا عبّر عنهم القرآن بالأخسرين إعمالا؟ فقد ذكر المفسّرون نكاتاً و ملاحظات جميلة، نشير الى بعض منها كما جاء في أحد التفاسير:[3] "نلاحظ في حياتنا و حياة الآخرين، أن الإنسان عندما يقوم بعمل خاطئ و يعتقد أنه صحيح، فإن جهله المركب هذا لا يدوم أكثر من لحظة أو موقف أو حتى سنّة، أما أن يدوم على امتداد عمره فذلك هو سوء الحظ و هو الخسران المبين. لهذا وجدنا القرآن الكريم يسمّي مثل هؤلاء الأشخاص بالأخسرين، لأن الذي يرتكب الذنب و هو يعلم بذلك، فإنه سيضع حدّاً لما هو فيه و يعوّض عن الذنب بالتوبة و العمل الصالح، أما أولئك الذين يظنّون – طوال حياتهم- أن ذنوبهم عبادة و أعمالهم السيئة أعمالاً صالحة، و إنحرافهم استقامة، فإن مثل هؤلاء لا يستطيعون التعويض عن ذنوبهم و جبران الخلل الذي وقعوا فيه، بل يستمرّون فيما هم عليه إلى نقطة النهاية، فيصدق بحقهم التعبير القرآني: "بالأخسرين أعمالا".

و قد وردت في الروايات تفاسير مختلفة لـ "الأخسرين أعمالا" و كل منها تشير إلى مصداق بيّن لهذا المفهوم الواسع، من غير أن تحده و تعينه.

ورد في حديث عن الأصبغ بن نباته أن شخصاً جاء لأمير المؤمنين (ع) يسأله عن تفسير هذه الآية فقال: "كفرة أهل اليهود و النصارى فقد كانوا على الحق فابتدعوا في أديانهم "و هم يحسبون أنهم يحسنون صنعا" ثم نزل عن المنبر و ضرب بيده على منكب إبن الكوّاء ثم قال: يا إبن الكوّاء و ما أهل النهروان منهم ببعيد![4] و توجد في حديث آخر إشارة إلى الرهبان (تاركي الدنيا من الرجال و النساء) و أهل البدع من المسلمين.[5]

بعد هذا الكلام نطرح هذا السؤال و هو: ما هو منشأ هذه الحالة الإنحرافية؟ من المسلم به أن التعصّبات الشديدة و الغرور و التكبّر و الأنانية و حبّ الذات تعتبر من أهم عوامل ظهور هذه الظنون الخاطئة.

و قد يكون سبب ظهورها هو التزلّف و المداهنة و الإنزواء، و قد يكون السبب هو الشعور بالغرور و الإفتخار و المباهاة بهذه الأعمال القبيحة بدلاً عن الخجل من اقترافها و التنفر منها.

 


[1]  الكهف، 106 ـ 103.

[2]  الأنعام، 43، الأنفال، 48، النمل 24، العنكبوت 38، ...

[3]  مكارم الشيرازي، ناصر، تفسير الأمثل، ج 9، ص 380، مدرسة الإمام علي بن أبي طالب (ع)، قم، 1421 ق.

[4]  المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج 10، ص 122، مؤسسة الوفاء، بيروت، 1404 ق.

[5]  نفس المصدر، ج 2، ص 298.

 

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279467 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257331 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128195 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113311 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89023 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59877 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59589 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56881 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49820 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47189 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...