بحث متقدم
الزيارة
8735
محدثة عن: 2007/05/23
خلاصة السؤال
کیف ینفذ الشیطان فی أفکارنا و یلقی الینا أوامره؟
السؤال
کیف ینفذ الشیطان فی أفکارنا و یلقی الینا أوامره؟
الجواب الإجمالي

قبل ان نستعرض طرق نفود الشیطان فی الانسان یلزم ان نتعرف و لو اجمالاً علی موجود اسمه الشیطان. و فی مبدأ اشتقاق کلمة الشیطان وقع اختلاف بین اصحاب النظر، و لکن الأصح ان یقال بانّ هذه الکلمة مأخوذة من مادة شطن أی بعد، و لذا یمکن ان یکون لها مصادیق متعددة و لکن أبرزها، و رئیسها هو ابلیس. انه موجود من جنس الجن و لهذا یمکنه أن یتمثل بأشکال مختلفة و یظهر نفسه بصورة انسان أو حیوان أو أیّ شیء آخر غیر المعصوم (ع).

اذن فانّ احد الطرق الاساسیة للاغواء هو هذا الطریق. حیث انّه یظهر نفسه بشکل انسان ظاهر الصلاح وذلک خلال اللحظات الحساسة المصیریة للانسان فیؤدی الى انخداع الانسان به. و لکنه لا یستخدم هذا الاسلوب دائماً. انّه موجود مثالی؛ یعنی ان له حالة بین التجرّد و التجسم و لهذا فهو لا یستطیع النفوذ مباشرة الی الروح المجردة للانسان التی هی قوام الانسان و انسانیة،‌ و لهذا فهو یحقق مآربه و یدخل فی نفوسنا عن طریق مجری یعرف باسم النفس الامارة، فانّ النفس الأمارة هی البعد الحیوانی للنفس الانسانیة و التی تتبدل فی حالة التکامل و الرقی الی النفس المطمئنة أو الروح العالیة.

اذن فالشیطان بتزیینه و تحسینه للانحرافات التی تمیل الیها النفس الامارة او الاهواء النفسیة للانسان، یحقق موجبات ضلال الانسان و انخداعه. و علیه فینبغی القول بانّ الشیطان جزء العلة او انّه علّة معدة للاضلال، لا أنّه علّة تامّة.

و للاغواءات الشیطانیة مظاهر مختلفة تتناغم مع میولنا الحیوانیة و هی عبارة عن:

الف- تزیین الأعمال القبیحة:

فالشیطان بتزیینه للقبائح یؤدی الی زوال قبح الظلم و الذنوب و یقلل الموانع الاجتماعیة من العمل بالمحرمات لکی یسهل علی الانسان السقوط فی أحضان الذنوب،‌و ذلک هو ما نقوم به من توجیهات لارتکاب الذنوب.

ب- الوعود الکاذبة:

ان الشیطان بوعوده الکاذبة و أمانیه البعیدة الخیالیة، یسبب غفلة الانسان عن المعاد و الموت و عن الله سبحانه، فتتجاذبه الأهواء النفسانیة، فهو من أجل ان یصل الی امنیته مستعد لان یرتکب الکبائر من الذنوب أیضاً.

ج- الخوف و القلق:

فالشیطان عن طریق إثارته الرعب و الخوف من المستقبل و حوادثه یحرض الانسان علی تجمیع الثروة و الفرار من الجهاد و مماشاة الطاغوت و ... و یدعوه الی‌ ارتکاب الاعمال القبیحة و الذنوب الناشئة من الخوف من المستقبل.

الجواب التفصيلي

للحصول علی جواب صحیح عن السؤال المذکور ینبغی اوّلاً ان یکون لدینا معرفة و لو اجمالیة عن موجود اسمه الشیطان. و توجد عدة مبان بین العلماء فی مبدأ اشتقاق کلمة الشیطان. و لکن الأنسب برأینا هو انّ کلمة الشیطان مأخوذة من شطن بمعنى بعد [1]. و برأی کثیر من المفسرین فانّ الشیطان؛ یعنی الموجود المؤذی و الطاغی و الذی خرج عن الطریق. و علی هذا الافتراض‌ فالشیطان اسم عام و له مصادیق متعددة، و انّه یشمل کل موجود طاغٍ من الانس و الجن[2]. اما ابلیس فهو الشیطان الذی أبى السجود لآدم أبی البشر[3].

و کما ورد فی القرآن صریحاً؛ فان ابلیس لیس إنسیاً بل هو من جنس الجن[4] و هو مخلوق من النار. و من خصائص هذا النوع من المخلوقات انّ لها حالة وسطیّة بین الجسم المادی و المجرّد، و یمکنها ان تتمثل بأشکال مختلفة؛ یعنی ان تظهر بقوالب خارجیة و عینیة. و یظهر انّ المقصود من السؤال عن الشیطان هو السؤال عن إبلیس. و نحن نجیب عن السؤال بناءً علی هذا الافتراض:

و کما قلنا فانّ الشیطان موجود مثالی و نحن نعلم بانّ الانسان موجود ذو بعدین؛ یعنی انّ له جنبة جسمانیة و له جنبة روحانیة أیضاً. و علیه فاذا أراد الشیطان اغواء انسانٍ ما، فلابد له من ایجاد ارتباط مع روحه التی تمثل انسانیة الانسان و قوامه و ذلک عن طریق منفذ خاص.

ان نفس الانسان لها حالتان مختلفتان أحداهما روحانیة و یعبّر عنها بالروح او النفس المطمئنة، و الاخری النفس الشیطانیة و التی یعبّر عنها بالنفس الامارة او الاهواء النفسانیة.

و لکی یتسلط الشیطان علی الانسان لابد له ان یستخدم منفذ النفس الامارة[5] و یستفید منها؛ و من ناحیة اخری ان الموجود المثالی لا یمکنه الارتباط المباشر بالموجودات الجسمانیة و هذا الارتباط المشبوه للشیطان مع النفس الامارة هو الذی یعبّر عنه بالالقاء او الوسوسة.

یقول العلامة الطباطبائی بهذا الصدد: انّ الشیطان یخدع الانسان عن طریق القاء الوسوسة فی قلبه[6]

فالشیطان اذن هو جزء العلّة و لا یمکنه بمفرده ان یضل الانسان، بل هو یدعو الانسان الی ما تمیل الیه نفسه. أو بعبارة اخری، هو علّة معدّة و لیس علّة تامّة.

و الانسان أیضاً فی قباله هو مختار،‌ فیمکنه ان یتبّع طریقه،‌ و یمکنه ان یتبّع أوامر الحق و العقل. و لهذا یقول الله تعالی فی نهی الانسان عن العمل بأوامر الشیطان:

«و لا تتبعوا خطوات الشیطان انه لکم عدو مبین».[7]

و السؤال الآن هو، انه کیف یحرک الشیطان الاحساسات غیر العقلانیة و یثیر الأهواء النفسانیة للانسان و یبعثه علی ارتکاب الأعمال القبیحة؟

انّ الشیطان یستخدم طرقاً مختلفة من أجل الوصول الی هذا الهدف سنشیر الی بعضها: و کما قلنا فانّ الشیطان یمکنه ان یتمثل بصورة موجود عینی و خارجی،‌ و هذا أحد طرق اغواء الشیطان؛ یعنی انّه و فی اللحظات التاریخیة الحساسة یظهر بصورة انسان ظاهر الصلاح فیضل الناس عن طرق الحق و قد سجل التاریخ نماذج لهذه القضیة و ربما یکون ذلک قد وقع لبعضنا.[8]

لکنه یستعمل أسالیب اخری أیضاً و قد اشیر الیها فی الآیات القرآنیة:

الف- تزیین الأعمال القبیحة:

یعنی ان الشیطان یزیّن الأعمال المنکرة و یحسنها حتى یبدو العمل بها مقبولاً و لائقاً و هذا هو ما عبّر عنه القرآن بتلبیس الحق بالباطل و الباطل بالحق[9]، و الذی هو أحد اسالیب الیهود.

ان تزیین الأعمال طریق سهل و موافق للمیول النفسانیة للانسان،‌و لذا ورد فی القرآن قوله تعالی: «وزین لهم الشیطان أعمالهم فصدهم عن السبیل».[10]

ب- الوعود الکاذبة:

انّ الشیطان باعطائه الوعود الکاذبة و ترویجه للامانی البعیدة یجعل الانسان فی غفلة عن الواقعیات و التحدیات المحیطة به، و یشغله بالاوهام البعیدة فتکون النتیجة هی الغفلة و نیسان الله. و لهذا یقول الله تعالى: «یعدهم و یمنیهم و ما یعدهم الشیطان الاغرواً».[11]

ج- الخوف و القلق:

ان أحد أسلحة الشیطان الاخری هو التمسّک بتخویف الانسان و قلقه بالنسبة للمستقبل. ان حالة الخوف هذه هی علّة لمعالیل فاسدة کثیرة کالیأس و سوء الظن بالله و عدم التوکل، و بالتالی امتناع الانسان عن الأعمال الحسنة و ذلک مثل ان یخوف الشیطان الانسان من الفقر و الحاجة فی المستقبل مما یوجوب البخل و منع الانسان من الانفاق و قد نبّه القرآن علی هذا الموضوع بقوله: «الشیطان یعدکم الفقر و یأمرکم بالفحشاء».[12]

المصادر:

1. التفسیر الأمثل، ناصر مکارم الشیرازی.

2. المیزان، محمد حسین الطباطبائی.

3. الاخلاق فی القرآن،‌محمد تقی مصباح الیزدی.



[1] لسان العرب، ج13، مادة شطن.

[2] تفسیر الأمثل، ج1، ص 191.

[3] «و اذ قلنا للملائکة اسجدوا لادم فسجدوا الا ابلیس ابى و استکبر و کان من الکافرین»، البقرة، 34.

[4] الکهف، 50.

[5] الاخلاق فی القرآن، ج1، ص 234.

[6] المیزان، ج1، ص 210.

[7] البقرة، 208.

[8] انظر: اسرار آل محمد (کتاب سلیم بن قیس الهلالی)، ص 80.

[9] البقرة، 2.

[10] النحل، 24.

[11] النساء، 120.

[12] البقرة، 268.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279474 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257343 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128201 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113320 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89034 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59888 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59592 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56885 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49826 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47196 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...