بحث متقدم
الزيارة
7909
محدثة عن: 2008/11/19
خلاصة السؤال
هل کان الامام الحسن المجتبی (ع) مطلاقاً؟
السؤال
هل کان الامام الحسن المجتبی (ع) مطلاقاً؟
الجواب الإجمالي

ان من الآفات الکبیرة التی – و للاسف – تعرضت لها مصادر الحدیث الاسلامیة هی ادخال الاحادیث الموضوعه و الکاذبة بین الاحادیث الصحیحة من قبل أشخاص مغرضین نفعیین؛ و من بین الشخصیات التی تعرضت للافتراء من قبل الوضاعین هو الامام الحسن المجتبی (ع) المعصوم الثانی ائمة اهل البیت، فهو من الشخصیات التی نسبت إلیها تهم باطلة فی إطار الحدیث و الروایة من قبل واضعی الحدیث و الکذابین، و من ذلک وضعهم لروایات مفادها زواجه بنساء کثیرات و تطلیقهن.

و مع الأسف ان هذه الروایات أوردتها المصادر الحدیثیة و التاریخیة الشیعیة ایضا و فی کتب التاریخ لأهل السنة، و لکن و لحسن الحظ فانه توجد شواهد تاریخیة و عقائدیة کثیرة توضح کونها موضوعة.

الجواب التفصيلي

ان من الآفات الکبیرة و المخربة التی – و للاسف – تعرضت لها مصادر الحدیث الاسلامیة هی جعل الاحادیث و إدخالها بین الاحادیث الصحیحة و الذی تم بدوافع سیاسیة و دینیة و من أجل تزکیة و تجمیل صور الحکام الأمویین و العباسین، و کذلک من أجل تشویه و ضرب الشخصیات الطاهرة و المقدسة. و لهذا السبب فان تمییز الاحادیث الصحیحة عن الموضوعة هو عمل مهم و شاق.

و الامام الحسن المجتبی (ع) هو من الشخصیات التی وقعت مورداً لهجوم الأحادیث المسمومة الموضوعة، و لکن و لحسن الحظ فان أعداءه الحمقی اتهموه هذه المرة بتعدد الازواج و کثرة التطلیق، و هو الاتهام الواضح البطلان فی حق شخصیة مثل الامام الحسن المجتبی (ع). فقد جاء فی بعض روایات ان أمیر المؤمنین علیاً (ع) قال للرجل الذی شاوره حول خطبة الحسن و الحسین و عبدالله بن جعفر لا بنته: ما مضمونه: "اعلم ان الحسن رجل مطلاق فزوج ابنتک من الحسین فذلک خیر لها".[1]

و ورد فی روایة اخری ان الامام الصادق (ع) قال: "ان الحسن بن علی (ع) طلق خمسین امراة فقام علی (ع) بالکوفة فقال: یا معاشر أهل الکوفة لا تنکحوا الحسن فانه مطلاق فقام إلیه رجل فقال: بلی و الله لننکحنه فانه ابن رسول الله (ص) و ابن فاطمة (ع) فان أعجبة أمسک و ان کره طلق".[2]

و ورد فی روایة اخری ان الامام الباقر (ع) قال: قال علی (ع) لأهل الکوفة: "لا تزوجوا حسناً فانه رجل مطلق".[3]

و فی بعض الکتب التاریخیة لأهل السنة نظیر: أنساب الاشراف،[4] قوت القلوب،[5] إحیاء العلوم،[6] شرح نهج البلاغة لابن ابی الحدید المعتزلی،[7] و ... کررت نفس هذه المطالب و کما قیل بان الکذبة مهما کبرت کانت أسهل تصدیقاً فقد أوصلوا فی بعض الموضوعات عدد الزوجات المطلقات له (ع) الی ثلاثمائة،[8] و کل ذلک سخافة و لا قیمة له و مجانب للعقل و المنطق.

و هناک شواهد تاریخیة و عقائدیة کثیرة تدل علی بطلان هذه النقول منها:

1. ان الامام المجتبی (ع) ولد فی النصف من شهر رمضان فی السنة الثانیة او الثالثة الهجریة و توفی فی 28 صفر سنة 49 هجریة، فکان عمره 46 أو 47 سنة لا اکثر، فان کان زواجه الأول فی العشرین من عمره الشریف فیجب أن یکون هذا العدد من الزواج و الطلاق قد وقع فی مدة 18 أو 17 سنة أی الی سنة استشهاد والده (ع) فی سنة 40 هجریة، مع انه (ع) کان فی فترة الخمس سنوات من حکومة والده (ع) قد اشترک فی جمیع الحروب الثلاثة: النهروان و الجمل و صفین، و انه (ع) قد حج ماشیاً عشرین مرة من المدینة، فمع کل هذا کیف یمکن أن یکون له الوقت الکافی لمثل هذه الزیجات. و علی هذا فالقبول بمثل هذه الاحادیث أمر غیر معقول.

2. ان اکثر الروایات الواردة فی کتب الحدیث منقولة عن الامام الصادق (ع) أی ان هذا المطلب طرح بعد قرن من زمان الامام المجتبی (ع)، حیث ان وفاة الامام الصادق (ع) کانت فی سنة 148 هجریة و ان استشهاد الامام المجتبی (ع) قد وقع سنة 48 هجریة. فان کانت هذه الروایات صادرة حقیقة من الامام الصادق (ع)، هنا نتساءل ما هو الهدف من بیان ذلک بعد قرن کامل؟ فهل کان الهدف بیان و نشر التفکک الاسری للامام المجتبی؟ و الجدیر بالذکر ان هذا الکلام جری فی ذلک الوقت علی لسان المنصور الدوانیقی عدو الائمة (ع) اللدود. فقد نقل المسعودی کلام المنصور مع الخراسانیین بهذا الشکل: یا اهل خراسان، أنتم شیعتنا و أنصارنا و اهل دولتنا، و لو بایعتم غیرنا لم تبایعوا من هو خیر منا، و ان اهل بیتى هؤلاء من ولد على بن ابى طالب‏ ترکناهم و الله الذى لا اله الا هو و الخلافه، فلم نعرض لهم فیها بقلیل و لا کثیر، فقام فیها على بن ابى طالب فتلطخ و حکم علیه الحکمین، فافترقت عنه الامة، و اختلفت علیه الکلمة، ثم وثبت علیه شیعته و انصاره و اصحابه و بطانته و ثقاته فقتلوه، ثم قام من بعده الحسن بن على، فو الله ما کان فیها برجل، قد عرضت علیه الأموال، فقبلها، فدس الیه معاویه، انى اجعلک ولى عهدی من بعدی، فخدعه فانسلخ له مما کان فیه، و سلمه الیه، فاقبل على النساء یتزوج فی کل یوم واحدة فیطلقها غدا، فلم یزل على ذلک حتى مات على فراشه.[9]

3. اذا کان مثل هذا الامر قد حصل واقعاً لاقتضی علی أعدائه الألداء و المترصدین لکل نقطة ضعف و الذین کانوا یشکلون علیه (ع) حتی بلون ثیابه و جنسها، أن یعترضوا علیه بذلک فی زمان حیاته و لأوردوه فی مناظراتهم و اعتراضاتهم علی الامام فانه لو صح ذلک لکان نقطة ضعف کبیرة فکان ینبغی ان یرکزّوا علیها، و لکن لم یذکر مثل هذا و لم ینقل عن تلک الفترة.

4. ان عدد الأزواج و الأولاد و الأصهار الذین ذکروا للامام الحسن (ع) فی کتب التاریخ لا ینسجم مع هذه الأرقام، فقد کان اکبر عدد ذکروه لأولاده هو (22) و أقله (12) و ذکروا أسماء (13) کزوجات له و لم تذکر إلا ترجمة ثلاثة منهن، و لم یذکر أیضاً فی کتب التاریخ ان له اکثر من ثلاثة أصهار.[10]

5. دلّت روایات کثیرة علی مبغوضیة الطلاق، و قد نقلت هذه الروایات کراراً فی کتب حدیث الشیعة و أهل السنة، فقد قال رسول الله (ص): "أبغض الحلال عند الله الطلاق".[11] و قال الامام الصادق (ع): "تزوجوا و لا تطلقوا فان الطلاق یهتز منه العرش".[12] و نقل الامام الصادق (ع) أیضاً عن أبیه (ع) انه قال: "ان الله عزوجل یبغض کل مطلاق و ذواق".[13]

و بعد هذا فهل یمکن القول بان إماماً معصوماً قام بمثل هذا العمل و بشکل متکرر و ان هذا العمل لم یکن له مبرر و أن أباه أیضاً قام بالمنع عنه.

6. ان الامام المجتبی (ع) کان من أعبد و ازهد أهل زمانه.[14] و کان یقول دائماً: "انی لأستحیی من ربی أن القاه و لم أمش الی بیته".[15] فمشی عشرین مرة من المدینة علی رجلیه، فکیف یمکن ان یکون قد ارتکب مثل تلک الاعمال.

7. ان صفة (المطلاق) أی کثیر الطلاق کانت مذمومة فی الجاهلیة ایضاً، فحینما استشارت خدیجة (س) ابن عمّها ورقة حول الذین تقدموا لخطبتها و سالته عمن تختار منهم: اجاب ورقة ان شیبة سیئ الظن و عقبة شیخ کبیر و ابوجهل رجل متکبر و بخیل، و الصلت رجل مطلاق. فقالت خدیجة (س): لعنهم الله، و لکن أعلمت ان رجلاً أخر تقدم لخطبتی ... .

و هنا موضع التأمّل فکیف یمکن أن تکون خصلة ذمیمة فی الجاهلیة حیث لم یکونوا یزوجون المطلاق، کیف یمکن لأمیر المؤمنین علی (ع) قد وصف ولده الزاهد التقی بمثل هذه الخصلة؟ و کیف یکون الامام المعصوم مرتکباً لمثل هذه الصفة الذمیمة و المبغوضة لله؟

کانت هذه بعض الشواهد التی تدل علی کذب هذه النقول و اختلاقها.

و بناء علی‌ هذا فلا یمکن قبول هذه المضامین السخیفة و النقول الکاذبة فی حق شخصیة امتدحها رسول الله (ص) فی روایات متعددة و أشاد بفضلها.

و للاطلاع اکثر لاحظ:

1. حیاة الامام الحسن (ع)، باقر شریف القرشی، ج 2، ص 457 – 472.

2. نظام حقوق المرأة فی السلام، الشهید المطهری، ص 306 – 309.

3. حیاة الامام الحسن (ع)،‌ مهدی البیشوائی، ص 31 – 39.

4. الامام المجتبی (ع)، حسن المصطفوی، ص 228 – 234.

5. من جوانب التاریخ، السید علی الشفیعی، ص 88.

6. حیاة الامام المجتبی (ع)، السید هاشم رسولی محلاتی، ص 469 – 484.

7. الحقائق المخفیة، احمد الزمانی، ص 254 – 331.[16]



[1] البرقی، المحاسن، ج 2، ص 601.

[2] الکافی، ج 6، 56، ح 5 و 4.

[3] دعائم الاسلام، ج 2، ص 257 ح 980.

[4] انساب الاشراف، ج 3، ص 25.

[5] قوت القلوب، ج 2، ص 246.

[6] المحجة البیضاء، ج 3، ص 69.

[7] شرح نهج البلاغة، ج 4، ص 8.

[8] انظر: قوت القلوب، ابوطالب المکی.

[9] مروج الذهب، ج 3، ص 300.

[10] حیاة الامام الحسن (ع)، ج 2، ص 493 – 469 و 457.

[11] سنن ابی داود، ج 2، ص 632 ح 2178.

[12] وسائل الشیعة، ج 15، ص 268؛ مکارم الاخلاق، ص 225.

[13] وسائل الشیعة، 15، ص 267 ح 3.

[14] فرائد السمطین، ج 2، ص 68؛ بحار الانوار، ج 16، ص 60.

[15] بحار الانوار، ج 43، ص 399.

[16] مأخوذ من مقالة: نظرة فی احادیث کثرة الطلاق، مهدی المهریزی، مجلة رسالة المرأة، العدو 76 مع تصرف یسیر.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279359 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    256909 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128057 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    112879 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    88919 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59629 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59355 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56812 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49389 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47111 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...