بحث متقدم
الزيارة
6606
محدثة عن: 2009/03/12
خلاصة السؤال
ما هو هدف القرآن من ایراد القصص؟
السؤال
ما هو هدف القرآن من ایراد القصص؟ و ما هی الدروس المستوحاة منها؛ و ما هو دور القصة فی حیاة الناس؟
الجواب الإجمالي

یمکن ذکر الموارد التالیة کاهداف للقرآن من ایراده القصص:

1. إثارة حالة التفکر   2. استلهام العبرة 3. المنع من تحریف القصص 4. ازالة الاختلاف 5. اطلاع الناس علی‌ السنن الالهیة و ما یترتب علی الاعمال الحسنة و السیئه.

الجواب التفصيلي

بعد الالتفات الی ان جزء مهماً جداً من القرآن یختص بذکر مصیر الاقوام السالفة و قصص الماضین فان هذا السؤال یتبادر الی بعض الاذهان و هو انه لماذا اشتمل هذا الکتاب التربوی الصانع للانسان علی کل هذا التاریخ و القصص؟

لکن الالتفات الی‌ عدة ملاحظات یوضح العلة الحقیقیة فی هذا الموضوع:

1. بالالتفات الی ان التاریخ مختبر لقضایا متنوعة فی حیاة البشر، و ان ما یتصوره الانسان فی ذهنه بالادلة العقلیة یراه فی صفحات التاریخ بصورة عینیة، یمکننا فهم دور التاریخ فی عرض حقائق الحیاة جیداً.

ان الانسان یری بعینه فی صفحات التاریخ السقوط المدمر الذی حل بقوم و امة من الامم علی اثر الاختلافات و التفرق، و کذلک یری الانتصار الباهر لقوم آخرین نتیجة اتحادهم و تضامنهم.

ان التاریخ یعرض بلسانه الصامت النتائج القطعیة و غیر القابلة للانکار للمذاهب و الاسالیب و المناهج لکل قوم و فرقة. فقصص السابقین هی مجموعة من أعلی التجارب، و نحن نعلم ان حاصل الحیاة هو التجربة لا غیر. فالتاریخ مرآة تنعکس فی داخلها جمیع صور المجتمعات الانسانیة، فهی تبین الحسنات و القبائح و الانتصارات و الاندحارات، و النجاحات و الاخفاقات، و اسباب کل من هذه الامور. و لهذا السبب فان مطالعة تاریخ الماضین تطیل عمر الانسان بمقدار عمر التاریخ الذی یطالعه! حیث انه یعرض الانسان مجموعه التجارب فی مرحلة عمرهم.

یقول أمیر المؤمنین علی (ع) فی کتابه لولده الامام الحسین (ع): "أی بنی انی و ان لم اکن عمرت عمر من کان قبلی فقد نظرت فی اعمالهم و فکرت فی اخبارهم و سرت فی آثارهم حتی عدت کأحدهم بل کأنی بما انتهی إلیّ من امورهم قد عمرت مع اولهم الی آخرهم!"[1].

و بالطبع فان المراد بالتاریخ هو الخالی من الخرافات و الکذب و التملق و المدیح و التحریف و المسخ، و لکن و للاسف فان مثل هذه التواریخ قلیلة و لا یمکننا التغافل عن دور القرآن فی عرض نماذج من التاریخ الأصیل، التاریخ الذی یکون صافیاً کالمرآة لا التاریخ المحرف. التاریخ الذی لا یتعرض لذکر الوقائع فقط، بل یتعرض لذکر الاسباب و النتائج أیضاً. و علی‌ هذا فمن المناسب جدا ان یستند القرآن و هو کتاب تربوی رفیع الی التاریخ فی بعض فصوله و مقاطعه، و کیف لا یأتی بشاهد و مثال من قصص الماضین و هی تدخل فی صمیم هدفه التربوی.

2. و مضافا الی ذلک فان للتاریخ و القصة جذابیة خاصة، و الانسان واقع تحت تأثیر هذه الجذابیة فی جمیع ادوار عمره من سنی الطفولة و إلی‌ المشیب، و لهذا السبب ایضاً فان جزءً مهماً من الادب العالمی و قسماً‌ کبیراً من کتابات المؤلفین یشتمل علی التاریخ و القصة، فان افضل آثار الشعراء و الکتاب الکبار فی مختلف اللغات هو قصصهم، فان گلستان سعدی و الشاهنامة للفردوسی، و الخمسة للنظامی، و المؤلفات الجذابة للکتاب المعاصرین و کذلک مؤلفات الفرنسی فیکتور هیجو المثیرة و الانجلیزی شکسبیر و الالمانی غوته، کلها قد کتبت علی هیئة القصص.

و القصة سواء کانت بشکل منظوم او منثور او علی هیئة تمثیل و فلم فانها تترک أثراً علی‌ القارئ و المشاهد لا یمکن ان تترکه الاستدلالات العقلیة أبداً.

و یمکن ان یکون السبب فی ذلک هو ان أکثر الناس عادة حسیون قبل أن یکونوا عقلیین، و هم قبل ان یفکروا فی مسائل عقلیة غارقون فی قضایا حسیة.

و ان قضایا الحیاة المختلفة کلما ابتعدت عن میدان الحس و اتخذت لنفسها جنبة التجرد العقلانی، کلما کانت ثقیلة و بطیئة الفهم.

و لهذا نری الاستعانه دائماً بالامثلة الحسیة لتفهیم الاستدلالات العقلیة، و قد یضاعف ذکر مثال مناسب واحد احیاناً من تأثیر الاستدلال، و لذا فإن العلماء الناجحین هم الذین یتمکنون من اختیار احسن الأمثلة. و کیف لا یکون کذلک و الحال ان الاستدلالات العقلیة هی بالتالی استنتاجات من القضایا الحسیة و العینیة و التجربیة.

3. ان القصة و التاریخ قابلة للفهم و الادراک من قبل الجمیع، بخلاف الاستدلالات العقلیة التی تختلف فیها درجات الادراک و الفهم! ، و لهذا السبب فان الکتاب الذی یخاطب العموم و ینبغی ان یفهمه الجمیع بدءً من العربی البدوی الامی و الی الفیلسوف الکبیر، فانه یجب ان یعتمد علی‌ التاریخ و القصص و الامثلة.

ان مجموع هذه الاسباب توضح ان القرآن سلک افضل الطرق (التاریخ و القصص) فی التعلیم و التربیة. و خصوصاً بعد الالفتات الی هذه الملاحظة و هی ان القرآن لم یتعرض فی جمیع الموارد الی ذکر الوقائع التاریخیة عاریة و مجردة، بل انه استنتج منها فی کل مرحلة و استفاد منها فائدة تربویة [2].

و قبل التعرض لاهداف القرآن من القصص یجدر ان نشیر الی ان ماهیة القصص القرآنیة هی ذکر الوقائع التی حصلت فی العالم و لیس الخیال.

و علی ای حال فیمکن ذکر اهداف القرآن من ایراد القصص بشکل مختصر کما یلی:

1. التفکر: (فاقصص القصص لعلهم یتفکرون) [3] .

2. اخذ العبرة [4].

3. المنع من تحریف القصص. یقول الله تعالی بعد ذکر قصة المباهلة "ان هذا لهو القصص الحق" ای ان حقیقة القصة هی هذه [5]. و بعد ذکره جانباً من حیاة النبی عیسی (ع) یقول: "الحق من ربک" ای ان الکلام الصحیح هو الذی یکون من ناحیة الله [6].

4. رفع الاختلافات: "ان هذا القرآن یقص علی بنی اسرائیل اکثر الذی هم فیه یختلفون" [7].

5. اطلاع الناس علی السنن الالهیة فی المحسنین و المسیئین [8].

ان ذکر قصص الماضین کان تسلیة للنبی و المؤمنین القلة الاوائل و للمؤمنین فی کل عصر و زمان، بان کثرة الاعداء و الاکثریة الضالة لا ینبغی للمؤمن ان یستوحش منها و ان یکون واثقاً مائة بالمائة من نتیجه عمله.

و کذلک فهی تهدید و انذار للجبابرة و الظلمة و أهل الضلال فی کل عصر و زمان بان لا یستبعدوا العقوبات الالهیة عن انظارهم. ان عقوبات مثل الزلزلة و الصواعق و الاعصار الممیت و البراکین و انشقاق الارض و السیول یعجز انسان العصر الحاضر عن مواجهتها کما عجز انسان العصور السابقة.

ان ذلک کله هو لاجل ان الهدف من قصص القرآن هو تربیة و تکامل الناس و الهدف هو تنویر الارواح و اضاءتها و السیطرة النفسانیةعلی الشهوات و المیول، و بالتالی فان الهدف هو مواجهة الظلم و الجور و الانحراف.[9]



[1] نهج البلاغة، کتاب 31.

[2] تفسیر الأمثل، 7، 121 – 125.

[3] الاعراف، 7 و 176.

[4] المجتبوی، السید جلال الدین، علم الاخلاق الاسلامی، ترجمة کتاب جامع السعادات، ج 3، ص 194.

[5] آل عمران،62.

[6] آل عمران، 59.

[7] النمل، 27 و 76.

[8] الفیض الکاشانی، محسن، المحجة البیضاء، 7، 85.

[9] تفسیر الأمثل، 11، 455.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279360 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    256924 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128057 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    112886 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    88920 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59630 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59356 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56813 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49394 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47111 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...