بحث متقدم
الزيارة
2540
محدثة عن: 2014/03/03
خلاصة السؤال
هل كانت هناك خطوط حمراء للحریة في حكومة الإمام علي(ع)؟
السؤال
إلى أي مدى كانت الحرية للشعب في حکومة الإمام علي(ع)؟ يرجى إعطاء أمثلة.
الجواب الإجمالي

انّ الحرّیة هی احدی الحقوق الموکدة والمعترف بها لكل مواطن في الحكومة العلوية. لم تكن هناك خطوط حمراء للحرية في حكم الإمام علي(ع) طالما لم یحمل المعارضون والانتهازيون السلاح ولم يهددوا حرية الآخرين وأمنهم، أو طالما لم یتحدّوا الأمن الفكري للناس من خلال الترويج للأفكار الملحدة، لم تُحدد حرياتهم الفردية والمدنية من قِبل حکومة الإمام علي(ع) ولم توجد لها خطوط حمراء.

بالطبع، ما نعني به من الحرية في هذا المقال، هو الحريات الفكرية والأيديولوجية، وليس الحرية في الانحرافات الأخلاقية. يمكن العثور على نماذج واضحة لهذه الحرية في كلمات الامام علي(ع)، منها قوله(ع): فلا تکلّمونی بما تکلم به الجبابرة، أو، فلا تکفوا عني مقالة بحقّ. وکذلک فی سلوکه(ع) حیث أنه کان یعامل الخوارج الّذین هم اشد معارضیه بمنتهی الحریة والديمقراطية. لم یسجنهم، ولم یلجدهم و حتی لم یقطع حصصهم من بیت المال.

الجواب التفصيلي

المقدمة

في مدرسة الإسلام الواهبة للحياة، تعدّ حرّية الإنسان من اهم الحقوق الطبيعية الّتي منحها الله لهم. الحرّية جزء من جوهر الإنسان وأعظم هدية کان یحلم بها المجتمع البشري دائما؛ لأن کمال البشر وسموه یتحقق دائمًا في سياق الحرية.

ان الحرية من وجهة نظر الإمام علي(ع)، مرتبطة بفطرة الإنسان وهي أحد المواهب الرئيسية التي اودعها الله فی وجود الانسان ولیس بامکان احد ان یسلبها منه؛ لأن الحرية خلقت مع الإنسان: «وَ لَا تَكُنْ عَبْدَ غَيْرِكَ وَ قَدْ جَعَلَكَ‏ اللَّهُ‏ حُرّاً».[1]

الجَعل في هذه الرواية بمعنی "الخلق"؛ أي أنّ الحرية هي ودیعة إلهية جعلها الله فی وجود الإنسان أثناء الخلق. ان العبودیة لغير الله تتعارض مع الحرية، فی نظر الامام علي(ع)؛ لأن البشر يتشاركون في الإنسانية، والعبادة والعبودية هي فقط أمام الله.

 

 

إن أحد أهداف الأنبياء اساسا، هو إذاقة الناس طعم الحرية والتحرر. ولهذا كان معظم أنصار الأنبياء و المؤمنون بهم، المضطهدین والمحرومين من الناس، وکان خصومهم الظالمین وأصحاب السلطة وفراعنة التاريخ. يقول القرآن الكريم في هذا الصدد: «الَّذِینَ یَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِىَّ الْأُمِّىَّ... وَیَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِی کَانَتْ عَلَیْهِمْ».[2]

إن الفقر والتمييز والاستبداد، وما إلى ذلك الامور التی تفرض على المجتمع والشعب من قبل الظالمين واصحاب السلطة، هي أمثلة واضحة "للاصر والاغلال" وجاء الأنبياء لرفع هذه الاغلال عن أعناق البشر و لإذاقتهم حلاوة الحرية والتحرر.

بالنظر الی هذه المقدمة، يجب أن يقال؛ انّ الحرّية هي واحدة من أهم الحقوق المسلّمة و المعترف بها لكل مواطن في الحكومة العلوية. لم يكن هناك خط أحمر لهذه الحرية طالما لم یحمل المعارضون والانتهازيون السلاح، ولم یهددوا حرية الآخرين وأمنهم الفكري والديني. أو أنهم لم يتحدّوا الأمن الفكري للناس من خلال الترويج للأفكار الإلحادية. بالطبع نعني بالحرية في هذا المقال، الحريات الفكرية والأيديولوجية، وليس الحرية في الانحرافات الأخلاقية و الشذوذات الجسیة.

اولئك الذين هم على دراية بتاريخ الحكومة العلوية، يفهمون بوضوح أن الحكومة من وجهة نظر الإمام علي(ع)، لیست الهدف النهایی، بل هي وسيلة للدفاع عن الحقوق المنتهكة للناس، وخاصة الشرائح الضعيفة في المجتمع کالمحرومین والمظلومین. إنّ حقیقة عدم تحدید الحرية في حكومة الإمام أوضح من أن تحتاج الی دلیل، مع ذلک سنذكر نماذج من کلامه وسلوکه(ع) فی ما یختص بهذا الموضوع.

  1. حریة التعبیر: «فلا تکلّمونی بما تکلم به الجبابرة»؛[3] أي، تکلم معي بحرية و عبّر عن مطالبک ورغباتك دون أي خوف، إني لا أخاف من قول الحق. ان لهذا الکلام وضوح تام حول حرية التعبیر من وجهة نظر الإمام علي(ع).
  2. المثال الآخر لحرية التعبیر في حكم الامام علي(ع) هو اسئلة عبد الله بن الكوا من أمير المؤمنين(ع). كان هذا الشخص أحد قادة الخوارج ومعارضًا عنيدًا للإمام علي(ع). وکان یعترض وینتقد علی کل ما کان یفعله الامام(ع). لکن الامام(ع) کان یجبیب عن مسائله و شبهاته التی کان یلقیها، بصبر وسعة.[4]
  3. الحرية في النقد: یقول الامام(ع) فيما يتعلق بحرية المواطنين: «فَلَا تَكُفُّوا عَنِّي مَقَالَةً بِحَقٍّ»؛[5] أي إذا كان هناك خطأ في عملي بشأن القضايا الاجتماعية والسياسية، فعبروا عنها بحریة حتی اقوم باصلاحها.
  4. الحرية في التشاور: «أَوْ َمَشُورَةً عَدْل‏».[6] ان الامام علي(ع) نفسه دعا الناس لتقديم الحلول والاقتراحات في إدارة شؤون المجتمع. المشاركة في صنع القرار بشكل المشورة هی إحدی البرامج والسياسات الرئيسية للإمام علي(ع) في إدارة البلاد. هذا يعني أن الناس يشاركون في مصيرهم. أي المشاركة في اتخاذ القرارات.
  5. عدم إکراه الناس على ما لم یریدوه: «و لیس لی أَن أحمِلکم علی ما تکرهون».[7]
  6. كذلك، عندما أهان أحد الخوارج الإمام(ع) فقال قاتله‏ اللّه‏ كافرا ما أفقهه!! فوثب أصحابه ليقتلوه فقال لهم: رويدا إمّا سبّ بسبّ أو عفو عن ذنب ‏».[8]

لذلک فانا نعتقد، بان الحریة بکل اشکالها، کالحریة الاجتماعیة، والحریة السياسية، وحریة التعبير، وحریة العقیدة، إلخ. كانت موجودة في حكم الإمام علي(ع)، وقد اعتنى بها. ربما یكون هذه المقدار من الحرية غير مسبوق في العالم حیث تتعامل الحکومة مع خصومها بهذه الدرجة من الديمقراطية.

إن الامام(ع) قد عامل الخوارج الذین کانوا من المعارضین الرئیسیین له، بمنتهی الحریة والدیمقراطیة. انه لم يسجنهم، ولم یجلدهم، وحتى لم یقطع حصصهم من بیت المال. وكانوا آنذاک أحرارا في التعبير عن آرائهم في كل مكان، لأن الإمام علي(ع) وأصحابه قد واجهوهم بحریة الفكر و القول. لذلک نری أن الناس قد تمتعوا بحرية واسعة خلال الحكم العلوي. کان المسلمون واليهود والمسيحیون والمجوس وكل البشر من جميع الأديان يعيشون بكرامة واحترام تحت ظل الإسلام. لأنه(ع) کان يعتقد أن الناس: «... إمّا أخ لك في الدّين وإما نظير لك في الخلق».[9]

 


[1]. ابن شعبة الحرانى، الحسن بن على‏، تحف العقول، المحقق، الغفاری، علی اکبر، النص، ص 77، قم، جامعة المدرسين، الطبعة الثانیة، 1404ق، 1363ش؛ الشریف الرضی، محمد بن الحسین، نهج البلاغة، المحقق، صالح، صبحی، ص 401، قم، الهجرة، الطبعة، 1414ق.

[2]. اعراف، ۱۵۷.

[3]. الکلینی، محمد بن یعقوب، الكافي، المحقق، المصحح، الغفاری، علی اکبر، الآخوندی، محمد، ج ‏8، ص 356، طهران، دار الکتب الاسلامیة، الطبعة الرابعة، 1407ق.

[4]. ر. ک: الطبرسى، احمد بن على‏، الاحتجاج على أهل اللجاج، المحقق، المصحح، الخرسان، محمد باقر، ج ‏1، ص 228- 229، مشهد، نشر المرتضى، الطبعة الاولی، 1403 ق.‏

[5]. الكافي، ج ‏8، ص 356.

[6]. نفس المصدر.

[7]. نهج البلاغة، ص 324.

[8]. نهج البلاغة، ص 550.

[9]. تحف العقول، ص 127؛ نهج البلاغة، ص 427.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279478 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257348 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128204 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113332 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89037 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59892 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59598 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56891 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49834 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47201 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...