بحث متقدم
الزيارة
5632
محدثة عن: 2011/12/18
خلاصة السؤال
نحن نعقد بأن المعصوم (ع) یجب أن یکون منزّهاً عن کل عیب ظاهری و باطنی، الآن و مع الالتفات إلی هذا الأمر، هل أن الروایات التی تتکلّم عن قصر الإمام علی (ع) صحیحة أم لا؟
السؤال
هل أن الأحادیث التی تتکلّم عن قصر الإمام علی (ع) صحیحة؟ أو لا یحسب القصر عیباً؟ حیث نسمع دائماً بأن المعصوم (ع) مبرّء من کل عیب حتی الظاهری منه.
الجواب الإجمالي

هناک أصل کلّی یجب الالتفات إلیه و هو أن المعصوم (ع)یجب أن یکون منزّهاً عن کل عیب خَلقیّ و خُلقیّ و کذلک فی الصفات و الخصائص الظاهریة، حتی لا یؤدی ذلک إلی التنفّر و إبتعاد الناس عنه. و صفات أمیر المؤمنین (ع)التی وردت فی الروایات لا تعتبر عیباً لوجود قرائن فی نفس الروایات سیأتی توضیحاً فیما بعد، کما أن الطول و القصر لیسا عیباً للشخص إذا لم یخرج عن الحد المتعارف.

الجواب التفصيلي

لتوضیح الموضوع، ندخل فی دراسة المسألة من ثلاث محاور:

1- هل أن کل ما نُقل عن قصر الإمام علی (ع) صحیح أم لا؟

2- و فی حال الصحة، هل یُحسب القصر عیباً للإنسان؟

3- ما هی تفسیرات بعض الخصوصیات الظاهریة للمعصومین التی ذُکرت فی الروایات و التی یمکن أن تُحسب عیباً؟

الآن ندخل فی دراسة هذه المسائل بالترتیب المذکور:

أولاً: یجب -و قبل الجواب عن هذا السؤال- العلم بأن بعض الصفات التی یعتبرها البعض عیباً لیست بعیب، فمن باب المثال معروف أن من صفات الإمام علی (ع) "الأنزع البطین" و قد فُسّرت بالأصلع و کبر البطن، و بما أن کبر البطن یأتی غالباً من البطنة، لذا نحن نفتّش عن توجیهاً لهذه المسألة یلیق بأمیر المؤمنین (ع).

أما واقع الأمر هو" الأنزع هو الذی یکون مقدم رأسه قلیل الشعر و البطین هو الذی یکون فی بطنه ارتفاع قلیل و لکن لیس لکثرة الطعام فقد کان أمیر المؤمنین (ع) قلیل الطعام جشب العیش".[i]

فی کلام له (ع) فی نهج البلاغة یقول فیه: "ألا و إن إمامکم قد اکتفی من دنیاه بطمریة و من طعمه بقرصیة".[ii]

بعد هذه المقدمة، یجب القول بأنه وردت فی الروایات التی تتکلّم عن صفات الإمام علی (ع) و خصوصیاته عبارات کـ «ربع القامة»[iii] و «ربعة فی الرجال»[iv] التی فُسّرت بعضها بقصر قامته.

و هذا التفسیر غیر صحیح بدلیل ما جاء فی کتب اللغة، بل أن معناه عریض ما بین المنکبین. التفتوا إلی هذه العبارة فی لسان العرب:

"وَتَرٌ مَربوعٌ یقال: أراد رُمحاً مَربوُعاً لا قَصیراً و لا طَویلاً". [v] و قد اُشیر إلی هذا المعنی فی کتب اللغة الأخری.[vi]

ثانیاً: لو افترضنا قبول مسألة قِصر قامته، فیجب الإلتفات إلی أن قصر القامة لا یعتبر عیباً إلا إذا خرج عن الحد المتعارف و الطبیعی، أو أنه کان مصاحباً لنقص ظاهریّ آخر تختفی عندئذٍ جاذبیته المعنویة تحته. و إلا فلا یعتبر قصر القامة عیباً، لأن الله سبحانه خلق الأفراد بصفات فردیة مختلفة، و من الطبیعی أن تکون هذه الصفات الظاهریة متفاوتة فلا یُمکن أن یُذم الشخص علی لون بشرته أو قصر قامته أو نوع صوته أو ....

ثالثاً: ما ذکر فی الروایات حول الصفات الظاهریة للمعصومین (ع) هو یجب کونها بحیث لا تؤدی إلی نفرة الناس و إبتعادهم عنهم، و ذلک لأنهم قادة الناس و لازم دعوتهم العامة هو حفظ جذّابیّتهم.

و هذه المسألة التی ذکرت فی الروایات؛ لا تخص الأئمة المعصومین (ع) بل تعم الأفراد الذین لهم نوع ارتباط دینی مباشر بالناس، فیجب أیضاً أن یکونوا منزّهین عن کل صفة تؤدی إلی نفرة الناس منهم، فقد جاء فی صفات إمام الجماعة فی الروایات وجوب کونه غیر مصاب بمرض الجُذام و البرص و غیره. [vii]

و فی الختام نشیر الى قضیة مهمة و هی: أن أمیر المؤمنین (ع) کان قائد الجیش الاسلامی فی اکثر من موضع و کان القائد العام فی ثلاث حروب فی عصره، و هذا المنصب یتطلب فی العرف العسکری جسما متکاملا من الناحیة البنیویة خاصة مع الاخذ بنظر الاعتبار ان الحرب کان مبارزة وجها لوجه. و لقد اشار القرآن الکریم الى صفة القائد العسکری کما فی قضیة طالوت: "وَ قالَ لَهُمْ نَبِیُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَکُمْ طالُوتَ مَلِکاً قالُوا أَنَّى یَکُونُ لَهُ الْمُلْکُ عَلَیْنا وَ نَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْکِ مِنْهُ وَ لَمْ یُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ قالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاهُ عَلَیْکُمْ وَ زادَهُ بَسْطَةً فِی الْعِلْمِ وَ الْجِسْمِ وَ اللَّهُ یُؤْتی‏ مُلْکَهُ مَنْ یَشاءُ وَ اللَّهُ واسِعٌ عَلیمٌ"[viii]

فمن صفات القائد العسکری بسطة الجسم و هذه الصفة کانت متوفرة فی أمیر المؤمنین (ع)على اکمل وجه.



[i]  التبریزی، جواد، صراط النجاة، ج10، ص426، م1197، بیتا.

[ii]  السید الرضی، أبو الحسن محمد، نهج البلاغة، ص417، الرسالة 45، إنتشارات الهجرة، قم، 1414 هـ.ق.

[iii]  المجلسی، محمد باقر، بحار الأنوار، ج35، ص2، مؤسسة الوفاء، بیروت، 1404 هـ.ق.

[iv]  نفس المصدر، ج35، ص4.

[v]  إبن منظور، محمد بن کرم، لسان العرب، ج8، ص101، نشر أدب الحوزة، قم، 1405 هـ.ق.

[vi]  إبن الأثیر، محمد الجزری، النهایة، ج2، ص190، مؤسسة إسماعیلیان، قم، 1364 هـ.ش.

[vii]  بحار الأنوار، ج16، ص408.

[viii]  البقرة،247.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279356 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    256902 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128056 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    112874 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    88917 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59624 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59354 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56810 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49382 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47110 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...