بحث متقدم
الزيارة
5095
محدثة عن: 2009/02/04
خلاصة السؤال
لماذا انفصلت الآیتان 3 و 67 من سورة المائدة عن بعضهما مع أنهما تتعلقان بیوم واحد و حادثة واحدة؟
السؤال
لماذا انفصلت الآتیان 3 و 67 من سورة المائدة عن بعضهما مع انهما تتعلقان بیوم واحدً و حادثة واحدة؟
الجواب الإجمالي

الآیتان الثالثة و السابعة و الستون من سورة المائدة ترتبطان مع بعضهما ارتباطا خاصاً و یتضح ذلک من ملاحظة مضمونهما و المسیر التاریخی لحادثة غدیر خم و شأن نزول هاتین الآتین و حساسیة إبلاغ هذه الرسالة المهمة الی المسلمین. و اما السؤال عن سبب انفصال هاتین الآیتین فی الترتیب فی القرآن الکریم مع کونهما مرتبطتین مع بعضهما. فیمکن ذکر بعض الملاحظات:

منها ان ترتیب الآیات و السور لم یکن علی اساس تاریخ نزولها بل کان علی أساس الاوامر الالهیة و المبلغة من قبل النبی الاکرم (ص)، و منها انه لاجل حفظ القرآن من التحریف و حذف هذه الآیات فقد اوردت فی ضمن آیات اخری لکی یکون موضوع ولایة و امامة الامام علی (ع) محفوظاً کجوهر نفیس غال فی مکان لایثیر الانتباه من اجل صرف الانظار عنه.

و منها انه من الممکن ان یکون ورود الآیة غیر المرتبطة بالآیات التی قبلها و بعدها هو لاجل التناسب الاستطرادی"باب الالفتات"؛ ای ان القرآن من خلال تعرضه لموضوع ما فانه یغیر مسیر الکلام لاجل مصلحة ما فیتعرض لمطلب جدید ثم یعود الی الموضوع السابق!

الجواب التفصيلي

للتوصل الی‌ الجواب المناسب عن هذا السؤال ینبغی البحث حول محورین:

1. کیفیة ارتباط الآیة الثالثة مع الآیة السابعة و الستین من سورة المائدة و ما هو الدلیل علی ذلک.

2. ما هو السبب لوقوع الفصل بین الآیتین المذکورتین؟

المحور الاول: یقول الله تعالی فی الآیة السابعة و الستین من سورة المائدة "یا ایها الرسول بلغ ما انزل الیک من ربک و ان تفعل فما بلغت رسالته و الله یعصمک من الناس ان الله لا یهدی القوم الکافرین".

و قد ذکر مفسروا الشیعة و السنة و کتاب السیر بان هذه الآیة نزلت فی شأن نصب علی بن أبی طالب (ع) للامامة و قیادة المسلمین بعد رسول الله (ص).[1]

یتضح جیدا من مضمون الآیة بان الله تعالی قد انزل علی النبی قبل هذه الآیة امراً مهماً للغایة و ان النبی کان متردداً من ابلاغ ذلک الامر للناس بشکل صریح و خائفاً من ان یواجه بردود فعل سلبیة من قبلهم و تعرض اساس الدین للخطر نتیجة للاختلاف حول ذلک، و فی هذه الآیة تأکید علی ان النبی ان لم یبلغ هذا الامر فانه لم یبلغ اصل الرسالة و الله تعالی من خلال تأکیده هذا یطمئن رسوله بانه سیحفظه من اذی الناس و یعصمه منهم.

و بعد ملاحظة ان الآیة المذکورة نزلت فی آخر سنة من حیاة النبی (ص) و فی حجة الوداع – ای بعد 22 سنة من بعثة الرسول الاعظم (ص) – و فی ظروف کان للاسلام قدرة و شوکة عظیمة و کانت جزیرة العرب تحت سلطة النبی (ص)، یجب ان نلاحظ ما هو هذا الامر المهم الذی طلب من النبی بهذا الخطاب الحاد و هذا التأکید ان یبلغه و لماذا کان النبی یتخوف من إبلاغه؟

و الجواب هو ان تاریخ الاسلام – استنادا الی روایات الفریقین – یذکر بشکل قاطع بانه امر صدر من الله تعالی لرسول الکریم (ص) بأن یبلغ بصراحة تامة للناس بان الخلیفة من بعده هو علی بن ابی طالب و یأمر الناس باطاعته.

اما لماذا خشی النبی فی ابلاغ ذلک؟ ذلک نظراً الی ان علی بن ابی طالب (ع) کان صهره و ابن عمه، و لذا کان رسول الله (ص) خائفاً من عدم قبول الناس کلامه و قولهم بان النبی قد رجح مصالحه و فرض اسرته علی الناس. اضافة لذلک ان البعض منهم کان حانقاً علی علی (ع) لانه قتل اقاربهم من المشرکین فی الحروب المختلفة [2].ا

و هنا نود ان نشیر الى واقعة غدیر خم و الامور التی رافقتها: کان النبی الاکرم (ص) قد توجه الی مکة فی السنة العاشرة للهجرة لاداء مناسک الحج فقد التحق عدد کبیر منهم، لان المسلمین فی مختلف المناطق کانوا علی علم بهذه الرحلة حیث اخبروا من الساق بان یلتحقوا بالنبی فی هذا السفر، و قد ذکر ان عدهم بلغ ما بین التسعین الی‌ المائة و العشرین الفاً.

و علی ای حال فبعد ان ادی النبی (ص) مناسک الحج و فی طریق رجوعه الی المدینة یوم الخمیس الثامن عشر من ذی الحجة وصل الی مشارف ارض غدیر خم حیث مفترق طرق القوافل، فطریق الی الشمال باتجاه المدینة و طریق الی الشرق باتجاه العراق و طریق الی الغرب باتجاه مصر و طریق الی‌ الجنوب باتجاه الیمن. و بناء علی هذا ففی مثل هذا المکان یجب ان تبلغ رسمیاً اهم وظائف الرسالة و الضمانة لبقاء الاسلام. و لذا صدر الامر من قبل النبی (ص) لمن کان معه بالتوقف، فرجع من کان متقدماً و التحق من کان متأخراً و اجتمعوا جمیعاً فی غدیر خم، و بعد بعض المقدمات خطب النبی (ص) خطبة جاء فیها: "انظروا کیف تخلفونی فی الثقلین فنادی مناد و ما الثقلان یا رسول الله؟ قال الثقل الاکبر کتاب الله "قرآن" طرف بید الله عز و جل و طرف بایدیکم فتمسکوا به لا تضلوا، و الآخر الاصغر عترتی و ان اللطیف الخبیر نبأنی انهما لن یفترقا حتی یردا علیّ الحوض؛ ثم أخذ بید علی فرفعها حتی رؤی بیاض آباطهما و عرّفه القوم اجمعون فقال: "من کنت مولاه فعلی مولاه" یقولها ثلاث مرات الی ان قال فلیبلغ الشاهد الغائب. ثم لم یتفرقوا حتی نزل أمین وحی الله بقوله "الیوم اکملت لکم دینکم و..."[3]

فکبر رسول الله (ص) بعد نزول هذه الآیة و حمد الله علی اکمال الدین و اتمام النعمة و الرضا برسالة محمد (ص) و ولایة و إمامة علی (ع).

و بناء علی هذا اتضح علاقة الآیة 67 من سورة المائدة [4] و الآیة الثالثة[5] منها بالحدث المهم فی تاریخ الاسلام و الذی أوردناه بصورة مختصرة.

و اما المحور الثانی: لماذا وقع الفصل بین هاتین الآتین فی القرآن؟

فینبغی ان نقول: اولاً انه و علی اساس ما ذکره المفسرون فان آیات القرآن و کذلک سوره لم تنظم طبقاً لتاریخ النزول، بل ان کثیراً من السور التی نزلت فی المدینة تشتمل علی آیات نزلت فی مکة و بالعکس حیث نشاهد آیات مدنیة فی ضمن سور مکیة. و بملاحظة هذه الحقیقة سوف لا یکون انفصال هاتین الآیتین عن بعضهما فی القرآن مثیراً للاستغراب (و بالطبع فان وضع آیات کل سورة کان بأمر من النبی (ص) فقط) نعم لو کانت آیات القرآن مجموعة طبقا لتاریخ النزول لکان هناک محل لهذا السؤال. و ثانیاً من الممکن ان یکون اندراج الآیة المرتبطة بالغدیر فی ضمن الاحکام المتعلقه بالاطعمة المحللة و المحرمة هو لأجل الحمایة من التحریف و الحذف، فکثیراً ما یوضع الشی النفیس بین الاشیاء التی لاتثیر الاهتمام لکی لا یجلب النظر و ذلک من اجل الحفاظ علیه [6].

و بناء علی هذا فاذا قال قائل بانه حیث ان ایة التبلیغ واردة فی ضمن الآیات التی تتحدث عن اهل الکتاب فلا بد ان تکون مرتبطة باهل الکتاب، فان هذا الکلام لیس امراً صحیحاً بالضرورة! لان نزول آیات القرآن و اکمال السور هو أمر توقیفی و قد وضع طبقاً لما أمر به رسول الله (ص)ً.

و علی فرض عدم الارتباط فان مجیئ آیة بشکل مستقل بین الآیات یمکن ان یکون لاجل الاستطراد؛ ای ان القرآن و من خلال تعرضه لمسألة اساسیة فانه یقطع سیر الکلام – لوجود المصلحة فی ذلک – و یثیر مطلباً جدیداً فی ذهن المخاطب، و من ثم یعود مجدداً الی کلامه السابق لیتمه [7].



[1] تفسیر العیاشی، ج 1،‌ ص 331، مسند احمد، ص 118، 321 و ...

[2] مجمع البیان، ج 3، ص 223.

[3] نفس المصدر، ج 3، ص 159، و المیزان، ج 5، ص 205.

[4] یا أَیُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَیْکَ مِنْ رَبِّکَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَ اللَّهُ یَعْصِمُکَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا یَهْدِی الْقَوْمَ الْکافِرین‏.

[5] الْیَوْمَ یَئِسَ الَّذینَ کَفَرُوا مِنْ دینِکُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَ اخْشَوْنِ الْیَوْمَ أَکْمَلْتُ لَکُمْ دینَکُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَیْکُمْ نِعْمَتی‏ وَ رَضیتُ لَکُمُ الْإِسْلامَ دیناً.

[6] تفسیر الأمثل، ج ‏3، ص 594 .

[7] تفسر الکشاف، ج 2، ص 97.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279435 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257237 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128140 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113242 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    88996 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59835 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59549 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56854 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49728 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47164 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...