بحث متقدم
الزيارة
7137
محدثة عن: 2009/04/28
خلاصة السؤال
کیف ینسجم قوله تعالی " و ما أرسلنا من رسولٍ الا بلسان قومه" مع عالمیة الرسالة؟
السؤال
یقول القرآن الکریم"و ما أرسلنا من رسولٍ الّا بلسان قومه" و فی نفس الوقت الدین الإسلامی دین عالمی و نبی الإسلام نبی عالمی، فکیف تجری هذه القاعدة فی غیر العرب المکلفین بإتباع الدین الإسلامی؟
الجواب الإجمالي

صحیح ان النبی الأکرم(ص) قد بُعث لهدایة کل الناس و لکن دعوته قد شرعت من مجتمع صغیر و مجموعة قلیلة و معیّنة لتنتشر بالتدریج الی المجتمعات الکبیرة لتعم کل أرجاء العالم و بما ان دعوة الرسول(ص) کانت عن طریق الأسباب و العوامل الطبیعیة فعلیه یجب ان تکون لغته فی البدایة لغة قومه الذین بُعث فیهم لأنه أولاً یجب ان تتعرّف هذه الجماعة علی رسالته- خاصة اذا اخذنا بنظر الاعتبار قصر عمر الرسول(ص)- ثم تنتقل من خلال هذه الجماعة المتقدمة الی المجتمعات الاخری فی العالم. فمن هذه الجهة لا یوجد أی تناف بین بعثة الرسول (ص) لکل الناس و بین لغته التی کان یتکلّم بها مع قومه الذین بعث الیهم حینئذٍ.

الجواب التفصيلي

ان کلمة اللسان فی هذه الآیة" بلسان عربی مبین"[1] بمعنی اللغة، و بلسان قومه بمعنی بلغة قومه و لسان هؤلاء و معنی الآیة هکذا:

نحن لم نرسل أی رسول الّا بلغة قومه و الناس الذین کانو یعیشون معه حتی یستطیع ان یوصل و یوضح لهم الأحکام.

ان المقصود من إرسال الرسل بلسان قومهم هو ان الرسل الذین بعثناهم کل واحد منهم أهل تلک اللغة التی اُمر أن یذهب لإرشادهم و هدایتهم، اما ان یکون النبی من نفس تلک المنطقة و من نفس ذلک العنصر الذی هم علیه، أو أن یکون من منطقة اخری و لکنه یتکلم بلغتهم کما نری ذلک فی النبی لوط (ع)

و لکنه هل یعتبر نبی الإسلام نبی العرب فقط؟

ان المستفاد من صریح الآیات الشریفة ان نبی الإسلام (ص) قد بعُث لجمیع البشر " و ما أرسلناک الا کافّة لِلنَّاس‏ "[2] و " قل یا أیها الناس انی رسول الله الیکم جمیعاً"[3]، و غیرها من الآیات الدالة علی عمومیة الرسالة.

إذن العمومیة و عالمیة الدین الإسلامی أمر مسلّم به و مفروغ عنه، و اما انه کل نبی یتکلّم بلسان قومه لأن الأساس فی ذلک ان فهم کل أمر و موضوع متوقف علی ان المتکلم و السامع یفهم کل منهما لسان و لغة الآخر بشکل تام، و بما ان المتکلم یبیّن و یوضّح مراده فلا یکون ادنی ابهام و غموض للسامع و لهذا یقول الباری تعالی فی هذه الآیة الکریمة التی هی مدار بحثنا:" و ما أرسلنا من رسولٍ الا بلسان قومه" و أفضل سند حی للمعنی الذی ذکرناه هو فی ذیل الآیة التی تصرح "لیبیّن لهم" حتی ان الرسول یبین الحقائق الدینیّة لقومه بشکل تام، و ألّا یبقی أی غموض و ابهام عندهم.[4] و یتمکن ان یهدی الناس بإذن الله تعالی و یخرجهم من الظلمات الی النور حتی یحقق الهدف من البعثة.

صحیح ان النبی (ص) قد بُعث للناس کافة و لکنه یجب ان یتکلّم بلسان قومه لأن انتشار الدین یجب ان یکون عن طریق الأسباب و الطرق الطبیعیة و العادیّة، خاصة اذا اخذنا بنظر الاعتبار قصر عمر الرسول(ص) و بعده سیقع حمل الرسالة الی البشریة علی عاتق اولئک الذین آمنوا بها جمعاء ، و علی هذا الاساس لابد ان تعرف الجزیرة العربیة الإسلام أولاً و تؤمن به حقیقةً لتکون منطلقالنشره و لتتحرک تلک الجماعات المؤمنة و تحمل معها ذلک النور الی مختلف سائر اقطار العالم.

و علی هذا الأساس فلا تنافی و لا تعارض بین بعثه (ص) الی کافة الناس و بین إرساله بلسان قومه.[5]

و لهذا ان معنی الآیة"و ما أرسلنا من رسولٍ الّا بلسان قومه لیبیّن لهم" هو ان الله سبحانه و تعالی عند ارساله للرسل و الدعوة الی الدین لم یجعله علی أساس المعجزة و الأمر غیر العادی و غیر الطبیعی و لم یضع أی شیء من قوته و قدرته و اختیاراته فی هذا السبیل تحت تصرف أنبیائه فی هذا المجال بل أرسلهم بلغة قومهم و لیکلموا الناس بلغتهم التی یعرفونها و یفهموهم الهدف من إرسالهم و ما هی مقاصد الوحی[6].



[1] سورة الشعراء، الآیة 195 .

[2] سورة سبأ، الآیة 28.

[3] سورة الأعراف، الآیة 158.

[4] التفسیر المیسّر ج8، ص 319.

[5] سید قطب بن ابراهیم الشاذلی، فی ظلال القرآن، الناشر دار الشروق، بیروت القاهرة، 1412 ق الطبعة 17، ج4 ص2087.

[6] نفس المصدر.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

  • ما هو الادلة التی تثبت صدور حدیث الغدیر؟
    6882 الکلام القدیم 2009/02/03
    واقعة الغدیر من الوقائع المعروفة التی اعلن فیها النبی الاکرم (ص) تنصیب الامام علی (ع) للخلافة بعد رسول الله (ص)، و لقد کان الحدث بمقدار من العظمة حتى انه رواه مائة و عشرة من الصحابة. لکن هذا لا یعنی انحصار الناقلین ممن کان مع الرسول فی تلک القضیة بهذا العدد، ...
  • ما هو رأی الإسلام بخصوص وجود کائنات حیة على الکواکب الأخرى؟
    10341 التفسیر 2008/05/18
    لایوجد جواب الجمالی لهذا السؤال، النقر الجواب التفصیلی ...
  • أرجوا ان تبینوا لی شیئاً مما یتعلق بمسجد جمکران و سبب بنائه.
    8217 تاريخ کلام 2008/07/27
    مسجد جمکران هو أحد الأمکنة المقدسة و المنتسبة إلی صاحب الزمان (عج)، و تأسیس هذا المسجد قبل اکثر من ألف عام بأمر من الامام (عج) فی الیقظة (لا فی المنام)، اما ما یختص بسبب البناء فیمکننا الاشارة الی الموارد التالیة:اولاً: ان للمجسد مقاماً خاصاً فی الثقافة الاسلامیة، فان القیمة ...
  • لماذا أجاب القرآن عن السؤال فیما یخص الأنفال عن ملکیتها؟
    5575 التفسیر 2010/07/15
    مع ملاحظة القرائن و الشواهد و دراسة التفاسیر لدى السنة و الشیعة یمکن الوصول الى نتجة مؤداها أن ماهیة (الأنفال) کانت معروفة قبل نزول الآیة، بل قبل ظهور الإسلام، و لذلک لا معنى للسؤال عنها، و إن السؤال عنها الوارد فی أول سورة الأنفال إنما هو عن ...
  • عدم نجاسة کل من المذی و الوذی و الودی
    8506 الحقوق والاحکام 2009/01/03
    هذه الامور الثلاثة: المذی و الوذی و الودی، و الأوّل هو ما یخرج بعد الملاعبة، و الثانی ما یخرج بعد خروج المنیّ، و الثالث ما یخرج بعد خروج البول، کلها طاهرة.نعم اذا اختلط الودی بالبول أو اتصل به فهو نجس من هذه الناحیة.کذلک قال الفقهاء انه اذا استبرأ ...
  • ما المقصود من أن الأئمة لیس لهم استقلال وجودی؟
    5372 الکلام القدیم 2011/06/14
    یأتی هذا البحث فی ذیل الأبحاث الخاصة بمقامات الأئمة (ع) حیث إننا نعتقد على أساس الروایات بمقامات خاصة للأئمة فی علمهم و قدرتهم و ولایتهم و مسائل أخرى ما قد یؤدی إلى توهم البعض باستقلالهم الذی یستلزم الشرک و من هنا تطرح قضیة عدم الاستقلال لرفع ذلک التوهم.
  • لماذا لم یؤلف الإمام کتاباً فی زمن الغیبة من أجل هدایة الناس؟
    7258 الکلام القدیم 2009/05/09
    لایوجد جواب الجمالی لهذا السؤال، النقر الجواب التفصیلی. ...
  • لماذا نذكر في الركوع اسم "العظيم" و في السجود اسم "الأعلى"؟
    21555 الکلام القدیم 2012/05/17
    السبب الرئيسي لترديدنا هذين الذكرين و هما "سبحان ربّي العظيم و بحمده" و "سبحان ربّي الأعلى و بحمده" في الركوع و السجود، هو الأمر الإلهي، فقد أكدت الروايات على الأمر بهذا الفعل. لكن و مع كونها أمراً إلهياً، من الممكن أن نعثر لها على حكم ما.
  • ما هی منزلة الألفاظ فی الوحی الإلهی؟
    6185 التفسیر 2009/12/01
    لکل شیء أربعة أنحاء من الوجود: الوجود اللفظی و الوجود الکتبی و الوجود الذهنی و الوجود الخارجی. و للوحی أیضاً هذه الأنحاء الأربعة من الوجود، و کمثال علی ذلک نقول حول الوجود الخارجی للقرآن أن هذا القرآن نزل علی النبی عن طریق الوحی بنفس هذه الألفاظ و له ...
  • هل صحیح أن الامام أمیر المؤمنین (ع) خاطب ولده العباس (ع) بقوله: "إنک ذخر لولدی الحسین"؟
    6535 تاريخ بزرگان 2011/10/06
    لاریب أن العباس بن علی (ع) جعل من نفسه وقفاً فی خدمة الاسلام و فی خدمة أخیه الحسین (ع) و تشهد مواقفه العظیمة یوم عاشوراء على مدى الاخلاص الذی کان یتحلى به تجاه أخیه الحسین (ع)، الأمر الذی جعل له منزلة خاصة حتى بین الشهداء و کما شهد بذلک ...

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    281402 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    261503 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    130443 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    118797 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    90293 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    62004 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    61826 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57938 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    53506 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • هل أن أكل سرطان البحر هو حرام؟
    49918 الحقوق والاحکام 2019/06/10
    لقد ورد معيار في أقوال و عبارات الفقهاء بخصوص حلية لحوم الحيوانات المائية حيث قالوا: بالاستناد إلى الروايات فان لحوم الحيوانات البحرية لا تؤكل و هذا يعني إن أكلها حرام[1]. إلا إذا كانت من نوع الأسماك التي لها فلس[2]، و ...