بحث متقدم
الزيارة
6316
محدثة عن: 2008/12/07
خلاصة السؤال
بملاحظة أن المسجد الأقصى تحرر أیام خلافة عمر، و بعد ذلک تحرر ثانیة على ید قائد سنی، فما هی إنجازات الشیعة طوال التاریخ؟
السؤال
تحرر المسجد الأقصى فی أیام خلافة عمر، و بعدها تحرر ثانیة على ید قائد سنی و هو صلاح الدین الأیوبی، فما هی منجزات الشیعة طوال التاریخ؟! فهل فتحوا شبرا من الأرض، و هل ساهموا فی هزیمة عدو من أعداء الإسلام؟
الجواب الإجمالي

لایوجد جواب الجمالی لهذا السؤال، النقر الجواب التفصیلی

الجواب التفصيلي

لکی یکون جوابنا متناغما مع السؤال المطروح نقول: أن السؤال تعرض لذکر شخصیتین أحدهما من السلف و هو عمر بن الخطاب، و الآخر من الخلف و هو صلاح الدین الأیوبی.

و فی مقام الإجابة نقوم بدورنا ببیان جهاد الشیعة فی عصر السلف ثم فی عهد الخلف.

و نکتفی فی عصر السلف ببیان أن الثقل الأکبر من الجهاد فی زمن النبی (ص) وقع على عاتق علی بن أبی طالب (ع) و حدیث: "لا فتی إلا علی لا سیف إلا ذو الفقار"، إنما هو فی حقه. و فی معرکة الخندق و فی یوم مثل حسب تعبیر النبی الأکرم (ص): «برز الإسلام کله إلى الشرک کله»، نهض علی (ع) للدفاع عن الإسلام، و قتل عمرو بن عبد ود و کان من أشجع العرب، و قد بلغت تضحیات و شجاعة و إخلاص علی (ع) مستوى عبر عنه النبی (ص) قائلا: «لمبارزة علی لعمرو بن عبد ود (یوم الخندق) افضل من عبادة الثقلین، او افضل من اعمال امتی الی یوم القیامة».[1]

و کما نلاحظ فقد رجح عمل واحد من الأعمال الجهادیة لعلی بن أبی طالب (ع) فی الدفاع عن الإسلام على کل عبادة أمة النبی (ص) إلى یوم القیامة، مع الحفاظ على مکانة الفتوحات التی قام بها الخلفاء و أتباعهم. و قد قال النبی (ص) عن علی (ع) فی فتح خیبر: "کرّار غیر فرّار"؛ و جاء هذا التعبیر النبوی بحق علی(ع) بعد أن أرسل النبی (ص) شخصین سبقا علیا (ع) فی حمل رایة الاسلام  إلی خیبر غیر أنهما لاذا بالفرار من ساحة المعرکة.

و بالإضافة إلى جهاد علی (ع) للمشرکین، فقد جاهد ثلاثة فرق أخرى: الناکثین، القاسطین، المارقین.

و قد ورد فی حدیث النبی (ص) التصریح بهذه الفرق الثلاث.

هذا عن أئمة الشیعة، أما نفس الشیعة فیکفی أن نذکر أن شیعة علی (ع) شارکوا فی الفتوحات، فقد کانت القبائل الیمنیة مثل همدان، و کندة و سواهما من شیعة علی (ع)، و کان سبب هجرة بعض هذه القبائل من الیمن و استیطانهم العراق هی الرغبة فی المشارکة فی الفتوحات الإسلامیة.

و الذی فتح الشام، و دیار بکر و آسیا الصغرى هو أبو أیوب الأنصاری مضیٌف النبی (ص)، و هو من خلص شیعة علی (ع) و ما یزال قبره فی اسطنبول مزارا للشیعة. و محمد بن أبی بکر الذی یعد الابن الروحی لعلی (ع)، ذهب إلى مصر بأمر من علی (ع) لأجل استدامة نشر الإسلام فی مصر فاستشهد هناک، و جاء بعده مالک الأشتر لتتمیم المسیرة فقصد مصر إلا أنه اغتیل فی الطریق بدسیسة من معاویة، فمات مسموما، و ما یزال قبر إلى الیوم مزارا.

فی عهد الخلفاء لم یکن هناک تباعد بین السنة و الشیعة کما هو الیوم، بل کان الجمیع و من مختلف الاتجاهات یشارکون فی الفتوحات.

هذا من عهد السلف و أما ما یتعلق بعهد الخلف، فیکفی أن نعلم أن المرابطة (حفظ الحدود) کانت من المهام الإسلامیة الکبرى، و کانت فی الغالب بعهدة الدول الشیعیة.

الحمدانیون فی بلاد الشام، الفاطمیون فی شمال أفریقیا، و العلویون فی طبرستان و الدیلم و جیلان کانوا حراسا للحدود الإسلامیة. و الدول الشیعیة فی الهند کان لها دور هام فی جهاد الوثنیین و تأسیس دول إسلامیة مستقلة. و کانت منطقة أکبر آباد مرکزا للدول الشیعیة فی الهند.

و من یرغب فی التعرف على الجهاد العسکری للشیعة فی العالم فعلیه بمراجعة کتاب "جهاد الشیعة" للدکتورة "سمیرة مختار اللیثی" نشر دار الجیل.

حرب الدولة الصفویة ضد البرتغالیین فی جنوب إیران، و حرب الإیرانیین ضد الروس و الانجلیز فی شمال و جنوبی إیران، من الصفحات الذهبیة لجهاد الشیعة للکفار. فعندما احتل البرتغالیون بندر عباس، و غیروا اسمه إلى "بندر غمبرون" استرجعه الشاه عباس الصفوی بقوة الإیمان الشیعیة، و سماه "بندر عباس". و جهاد نادر شاه ضد المشرکین الهنود من أعظم صفحات الجهاد الإسلامی ضد الشرک.

و فی القرن العشرین عندما کان العراق یقبع تحت نیر الاحتلال الانجلیزی، استطاعت المرجعیة الشیعیة بقیادة آیة الله محمد تقی الشیرازی من إشعال "ثورة العشرین" فی عام 1920 میلادیة، و طهرت هذه البلاد الإسلامیة من المستعمر الانجلیزی، و منحت هذه البلاد استقلالها.

و فی الأعوام الأخیرة وجه شیعة لبنان أقوى الضربات للکیان الصهیونی، و استطاعت المقاومة الإسلامیة فی لبنان أن تکبد العدو الإسرائیلی الذی تمکن من احتلال العاصمة اللبنانیة هزائم مذلة، فانسحب یجر وراءه أذیال العار، هذا الانجاز التاریخی لم تستطع الدول العربیة مجتمعة أن تقوم به. و کذلک شیعة إیران قاموا بثورة إسلامیة طردت الاستعمار الغربی من هذه البلاد الإسلامیة. و الیوم یحمل الشعب و الحکومة الإیرانیة رایة الجهاد ضد الاستعمار الغربی فی الشرق الأوسط، بل و فی کل العالم، و قد اقتدت العدید من الشعوب بنضال الشعب الإیرانی، من جملتها الشعب اللبنانی و الفلسطینی و العراقی و السودانی و ... .

و لقد ذکرنا هنا و باختصار شدید الجهاد الحربی للشیعة، لکن الحقیقة هی أن السائل قد یتصور أن الجهاد ینحصر بالجهاد الحربی، و قد یغفل عن عظمة الجهاد العلمی و الفکری و الثقافی.

فلو لم یتوفر جهاد القلم و الفکر، لما أمکن تواجد الجنود المضحون بحیاتهم فی ساحات الحرب و الجهاد.

و قد نقل أئمة أهل البیت (ع) عن رسول الله (ص) قوله: "ثلاثة تخرق الحجب و تنتهی إلی ما بین یدی الله، صریر أقلام العلماء، و وطء أقدام المجاهدین، و صوت مغازل المحصنات".[2]

و کذا قال: "أفضل الجهاد کلمة حق عند سلطان جائر".[3]

و قد استشهد أئمة الشیعة المعصومون بسیف الظلم و الطغیان؛ بسبب قولهم الحق عند سلاطین الجور، بینما نرى بقیة الفرق تواطأت مع الخلفاء الأمویین و العباسیین سوى قلة نادرة منهم لا یحسب لها حساب.

یتصور البعض أن ساحة الجهاد هی ساحة المعرکة العسکریة فقط، لکن التاریخ یشهد خلاف ذلک. فقد استشهد العدید من علماء و مفکری الشیعة بسبب جهادهم الفکری من أجل نشر الإسلام المحمدی الأصیل، فقد تعرضوا للقتل بالسیف تارة، و صعدوا لحبال المشانق تارة أخرى، و أحیانا تعرضت أجسادهم للحرق.[4]

یعترف علماء الشیعة و السنة على السواء بحقیقة أن أکثر العلوم الإسلامیة تأسست على أیدی أئمة الشیعة و أتباعهم، فالحضارة الإسلامیة العظمى من القرن الثانی الهجری، إلى القرن الخامس مدینة لجهود أئمة الشیعة و تلامذتهم.

علم النحو من العلوم الذی یتفق علماء الفریقین على أنه تأسس على ید أئمة أهل بیت النبی (ص). و تعود أصول تأسیس هذا إلى الإمام علی بین أبی طالب (ع)، من أجل أن یتمکن المسلمون بواسطته من القراءة السلیمة للمتون العربیة من قرآن و سنة، و سواهما. و قد أشار الإمام علی (ع) إلى أبی الأسود الدوئلی و هو من تلامذته أن یدون فروع علم النحو تحت إشرافه، و بعد هذه الخطوة قام أبو الأسود بإعراب القرآن الکریم مستعینا بعلم النحو. و بعد قرن من الزمن أکمل شیعی آخر إعراب القرآن الکریم على ما هو علیه الیوم، و هذا الشیعی هو الخلیل بن أحمد الفراهیدی و هو مؤسس لعدة علوم إسلامیة.

و علیه فکل المسلمین سواء الشیعة أو السنة و من صدر الإسلام إلى یومنا هذا، إنما یستطیعون قراءة القرآن بشکل سلیم بواسطة الإعراب الذی أنجزه أمیر المؤمنین (ع) و الجهود التی بذلها تلامذته و علماء الشیعة من بعدهم.

و على کل حال یفخر الشیعة أن بجهادهم الفکری و الثقافی استطاعوا أن یعرضوا الإسلام المحمدی الصافی عن طریق تعالیم أهل البیت (ع) – عدل القرآن – إلى العالم أجمع.[5]

و بالإضافة إلى ذلک إذا کان مقیاس فضل الأشخاص بمقدار السعة الجغرافیة لدولهم، فسوف یرجح جانب الخلیفتین الأول و الثانی على النبی (ص)؛ لأن السلطة التی حازها الإسلام فی عهده (ص) کانت أقل مما هی علیه فی عهدهما.

و إذا کان المقیاس الحقیقی هو السعة الجغرافیة للحکومة، فسوف یکون عهد هارون الرشید هو الأفضل، حیث سطعت شمس الإسلام فیه أکثر من أی عهد سبق، و یکون بذلک هارون متقدما حتى على النبی (ص) و الخلفاء السابقین!

و هنا نقطة فی غایة الدقة ینبغی الإشارة إلیها و هی أن انتشار الإسلام لم یکن متوقفا على خلافة هذین الشخصین، بل کان مستندا إلى تعالیم الإسلام السامیة التی استطاعت أن تأسر القلوب، و تحرر الشعوب المضطهدة من نیر الحکومات المستبدة.

لقد اجتذب نداء لا إله إلا الله الذی کان صنوا للعدل و المساواة، الشعوب نحو الإسلام، و فی نفس الوقت لا ینبغی تناسی ثقافة الجهاد و الشهادة التی جاء بها الإسلام.

و بالإضافة إلى ذلک فقد کانت الاختلاف و النزاع أیام خلافة الإمام علی (ع) ناشئا من أسلوب حکم الخلفاء السابقین علیه، خصوصا الخلیفة الثالث، فقد تبدلت العدالة و المحبة إلى تعصب قبلی و تکالب على الأموال و اکتناز للذهب، و کان الإمام یسعى للعودة بهذه الأمة التی تشربت بحب الدنیا إلى عهد رسول الله (ص). لکن طالبی الدنیا عارضوا الحکومة العلویة، و جهزوا الجیوش لمحاربة علی (ع) بواسطة الأموال التی اکتنزوها قبلا، و قد قاتلهم الإمام تنفیذا للأوامر النبویة، و الآیات القرآنیة الصریحة.[6]

و علیه فإن الاضطراب، و الاختلاف لم یکن بسبب حکومة علی(ع)، بل کان بسبب التدابیر التی قام بها من سبقوه حیث مستعدین لتقبل حکومة العدل الإلهی.[7]



[1] - مستدرک الحاکم، ج 3، ص 32؛ المناقب، الخوارزمی، ص 58؛ شرح المواقف، ج 8، ص 371؛ فرائد السمطین، ج 1، ص 256؛ تاریخ بغداد، ج 13، ص 19؛ شواهد التنزیل، ج 2، ص 14؛ التفسیر الکبیر، الفخر الرازی، ج 32، ص 31؛ شرح المقاصد، التفتازانی، ج 5، ص 298؛ مجمع البیان، ج 8، ص 343.

[2] - الشهاب فی الحکم و الآداب، ص 22، نقلا عن الطبری، محمد، جواب شاب شیعی، ص 134. "ثلاثة تخرق الحجب و تنتهی إلی ما بین یدی الله، صریر أقلام العلماء و وطء أقدام المجاهدین، و صوت مغازل المحصنات"

[3] - عوالی ‏اللآلی، ج 1، ص 432، حدیث 131،"قال رسول الله ص أفضل الجهاد کلمة حق عند سلطان جائر".

[4] - الأمینی، شهداء الفضیلة، نقلا عن الطبری، محمد، جواب شاب شیعی، ص 135.

[5] - الطبری، محمد، جواب شاب شیعی، ص 131- 135.

[6] - صحیح ابن حبان، ج 15، ص 285، الحدیث 6937؛ مستدرک الحاکم، ج 3، ص 122؛ مسند احمد، ج 17، ص 360، الحدیث 11258، نقلا عن الطبری، محمد، جواب شاب شیعی، ص 106-107.

[7] - الطبری، محمد، جواب شاب شیعی، ص 105-107.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

أسئلة عشوائية