بحث متقدم
الزيارة
5772
محدثة عن: 2011/03/06
خلاصة السؤال
نظراً لکون آخر مقام متصور للانسان هو مقام لقاء الله، فکیف یکون لبعض المعصومین مقامات أعلی؟
السؤال
نظراً لکون آخر مقام متصور للانسان هو مقام لقاء الله، و قد وصل بعض أولیاء الله و الانبیاء الی هذا المقام، فهؤلاء العظام الذین وصلوا الی المقام الاخیر هم أفضل من الآخرین، فاذا کانوا قد وصلوا الی الدرجة الاخیرة فکیف یمکن أن یختلفوا عن بعضهم، فیکون بعضهم أفضل من البعض الآخر، حیث لایوجد هناک درجة أعلی لیمکنهم أن یصلوا الیها؟
الجواب الإجمالي

ان الهدف الاصلی من خلقة الانسان هو الوصول الی الکمال، و یتحقق الکمال بالتقرب من الله و الذی یعبر عنه بمقام الولایة و لقاء الله. و یعد الانبیاء و المعصومون (ع) أبرز الافراد من بین الناس فی هذا المجال. و اما من هم أصحاب المقام الافضل من بین نفس هؤلاء الافراد، فانه ینبغی الالتفات الی هذه الملاحظة و هی ان مقام الولایة أعلی من مقام النبوة، و انه یمکن فرض الاختلاف فی مقام الولایة أیضاً فیما بین أصحاب الولایة الذین هم المعصومون، و لکن من الممکن أن یقال ان الحصول علی إمتیاز و فضیلة لیس معناه دائماً الافضلیة فی مقام الولایة و زیادة درجات القرب من الله، أی انه من الممکن مع فرض التساوی فی مقام الولایة أیضاً أن یکون البعض أفضل فینال فضائل مثل النبوة و ...

و کلمتنا الاخیرة هی اننا نوافق علی وجود امتیازات لأحد المعصومین و خصوصاً الامام الحسین (ع) وهی مذکورة فی الروایات ،و لکن لا یمکننا أن نقول جازمین بان هذه الامتیازات هی بسبب اختلاف الائمة (ع) فی مقام الولایة التکوینیة. و فی الحقیقة ان هذه الامتیازات لا یمکن أن تکون دلیلاً علی أفضلیة البعض من ناحیة القرب من الله.

الجواب التفصيلي

من البدیهی ان یکون لکل مقارنة معیار و ملاک و میزان خاص. و علی اساس التعالیم الدینیة فان التأله و الاتصاف بالاسماء و الصفات الالهیة هو معیار افضلیة الناس بعضهم علی البعض الاخر [1].و هذا المقام الذی یعبر عنه ایضاً بمقام الولایة[2] هو الهدف النهائی  و میزان التفاضل بین الناس، و لکن الولایة نفسها علی نوعین :الولایة التشریعیة و معناها حق التشریع و التقنین، و الولایة التکوینیة و معناها قدرة النفس و تمکنها فی التصرف فی مادة الکائنات بالاذن الالهی التکوینی [3].و بالطبع  فانه یجب ان یعلم بان مقام الولایة یحصل عن طریق القرب من الله و الفناء فی الله و یحصل القرب من الله بدوره، من طاعة الله[4].

و بعبارة أخری:

ان التأله یتحقق بالقرب من الله و التقرب الی الله مرهون بإطاعة الله. و علی هذا الاساس فمن البدیهی أن یتصف مقام الولایة أیضاً بالشدة و الضعف[5] تبعاً لمقدار و عدد درجات القرب من الله و الفناء فیه[6] .فلا یکون شخصان حائزان علی مقام الولایة فی رتبة واحدة عند مقارنتهما ببعضهما، فان کلاً منهما بمقدار اتصاله بالمصدر الالهی و بمقدار قربه من الله، تتجلی فیه أسماء الله و صفاته فیکون أحدهما أفضل من الاخر.

ولا شک فی ان أهل البیت (ع) جمیعهم حائزون علی مقام الولایة، یقول أمیر المؤمنین (ع) فی ذکره لخصائص أهل البیت (ع) :(ولهم خصائص حق الولایة) [7] و من جانب آخر، فبملاحظة الاختلاف بین مقام الولایة و مقام النبوة نعلم ان مقام الولایة أعلی من مقام النبوة، و علی هذا الاساس یمکننا القول بسهولة ان المعصومین الاربعة عشر و بسبب أفضلیة مقام ولایتهم فانهم أفضل من الانبیاء[8] .و لکن ینبغی التأمل فی الحکم بأفضلیة کل من المعصومین علی الآخر.

یجب أن نعلم بان للمعصومین الاربعة عشر حقیقة واحدة. و بتعبیر آخر:هم من نور واحد .و هذا الاتحاد النوری لاهل البیت (ع) ورد بصراحة فی روایات کثیرة، و بالطبع فان هذا الاتحاد النوری لیس معناه بالضرورة الاتحاد فی الدرجة النوریة، بل یمکن الالتزام به مع افتراض درجات نوریة مختلفة أیضاً [9].

و فیما یتعلق بأفضلیة کل واحد من أهل البیت علی الآخر ،فقد جعلت هذه الافضلیة فی بعض المصادر الدینیة للنبی (ص) و أمیر المؤمنین (ع) [10]و السیدة فاطمة الزهراء (ع)[11] و الامام الحسین (ع) [12]و لکن هل هذه الافضلیة تدل علی اختلاف المقام و تفاوت درجة ولایة أهل البیت (ع) و النبی (ص). فربما أمکن ان یقال ان الحصول علی امتیاز و فضیلة لیس معناه دائماً الافضلیة فی مقام الولایة و زیادة درجات القرب من الله أی انه من الممکن مع فرض التساوی فی مقام الولایة أیضاً أن یکون البعض أفضل فینال فضائل مثل النبوة و... و هذا الامر یحصل فیما لو اقتضت الظروف ذلک. فقد کانت النبوة فضیلة و اقتضت الظروف فی زمن عیسی (ع) أن تکون من نصیبه، و لم یحصل الامام المهدی (عج) علی تلک الفضیلة ،و لکن یعلم الجمیع ان الامام المهدی (عج) من ناحیة مقام الولایة له رتبة أعلی من سیدنا عیسی (ع) .و للکننا نؤکد علی ان هذه الفضیلة و هذه العنایة الخاصة یمکن ان تجتمع أیضاً مع تساوی درجة ولایة الائمة أیضاً. و ببیان آخر: نحن نوافق علی وجود إمتیازات لأحد المعصومین و خصوصاً الامام الحسین (ع) مذکورة فی الروایات، و لکن لا یمکننا ان نقول جازمین بان هذه الامتیازات هی بسبب اختلاف الائمة فی مقام الولایة التکوینیة، فانه و ان کان یمکن الموافقة علی إمکان وجود هذا الاختلاف فی مقام الثبوت، و لکن کلامنا هو انه لا یمکن الحصول علی شواهد واضحة علیه فی مقام الاثبات .

و علی أیة حال فان القدر المتیقن هو ان المعصومین جمیعهم تجلیات لنور واحد و لجمیعهم ولایة تکوینیة، ولو کان کل منهم فی موضع الآخر لقام بنفس العمل الذی قام به الآخر[13].



[1] ( ان أکرمکم عند الله أتقاکم ) الحجرات :13.

[2] جعل فی العرفان، مصطلح (المقام ) فی قبال مصطلح (الحال) . و(المقام) یطلق علی المنزل و المرتبة التی یبلغها العارف بعد سنین من المعاناة و التهذیب. و بناءً علی هذا فان زوال الشئ و تغیره الذی حصل علیه بصعوبة ،لا یحصل عادة و غالباً بسهولة و یکون متصفاً بالبقاء و الدوام. و اما (الحال) فهو بعکس (المقام) أی انه نوع من الکیف و التحول یطرأ علی قلب العارف دفعة و من دون اختیاره، کما انه یمکن ان یزول بصورة دفعیة، فالحال کیفیة غیر ثابتة، فهی دوماً فی تغیر و تحول.

[3] ببیان آخر، فان صاحب الولایة التکوینیة یخلق بهمته شیئاً فی خارج محل الهمة، و علی هذا الاساس فان جمیع المعجزات و الکرامات التی حصلت للاولیاء الالهیین هی بواسطة هذه الولایة التکوینیة.

[4] و علی هذا الاساس، قال الامام الحسن المجتبی (ع): "من عبد الله، عبد الله له کل شیء"، و معناه ان منشأ الولایة التکوینیة هو العبودیة لله.

[5] للفناء عدة مراتب: الاولی: فناء الظاهر و هو فناء الافعال،الثانیة: فناء الباطن و هو فناء الصفات، الثالثة: فناء الذات. یراجع : دانشکر، أحمد ، دیوان حافظ بشرح عرفانی ص: 144 -145 ،ابن سینا، ابو علی حسین بن عبد الله، الاشارات و التنبیهات، شرح الخواجة نصیر الدین الطوسی، 3، مقامات العارفین:390، الامام الخمینی، الاربعون حدیثاً: 382.

[6] ومن الجدیر بالذکر ان السلوک العرفانی یقع فی اربعة أسفار:

أ‌.         من الخلق الی الحق.

ب‌.      من الحق الی الحق بالحق.

ت‌.      من الحق الی الخلق بالحق.

ث‌.      من الخلق الی الخلق بالحق. لاحظ فی هذا المجال:

الملا صدرا الشیرازی، صدر الدین، الحکمة المتعالیة فی الاسفار العقلیة الاربعة، 1 :13. یقول العرفاء الواصلون: مقام الولایة و ان کان یحصل للسالک فی نهایة السفر الاول، و لکن دائرة الولایة تکتمل فی السفر الثانی، و بناءً علی هذا فان السالکین ینالون مرتبة من مقام الولایة تتناسب مع مرحلتهم فی السیر و السلوک.

[7] نهج البلاغة، الخطبة 2.

[8] ورد فی الروایات انه بعد ظهور الامام المهدی (عج) فان عیسی (ع) سیقتدی به فی الصلاة. المجلسی، محمد باقر، بحار الانوار، 9 :195، مکارم الشیرازی، ناصر، تفسیر الامثل ، 4 :205. الکاشانی، السید عباس، المخازن، 1: 286.

[9] أی انه یمکن تصور أفضلیة بعض أهل البیت (ع) علی البعض الآخر.

[10] حینما طلب الامام الباقر(ع) بلسان الحال من الامام السجاد( ع) ان لا یشق علی نفسه بالعبادة، أشار الامام الی عبادة أمیر المؤمنین (ع) و قال: ( من یقوی علی عبادة علی (ع). الارشاد فی معرفة حجج الله علی العباد ، 2: 142.

[11] یستفاد من بعض الادلة ان الافضلیة هی للسیدة فاطمة الزهراء (ع). فقد ورد فی حدیث منسوب الی الامام الحسن العسکری (ع) قوله: "نحن حجج الله علی خلقه و جدتنا فاطمة حجة الله علینا"، الطیب، السید عبد الحسین، أطیب البیان فی تفسیر القرآن، 13 : 225، البحرانی، عبد الله، عوالم العلوم و المعارف و الاحوال، 11: 5 .

[12] ذکر فی المتون الروائیة امتیازات کثیرة للامام الحسین (ع)، و کمثال علی ذلک، نشیر الی بعضها:

ا.انتقال مقام الامامة الی نسل الامام الحسین (ع).

ب.الشفاء فی تربة الامام الحسین (ع) .

ج. استجابة الدعاء عند قبر سید الشهداء (ع).

د.التخییر فی قصر الصلاة و اتمامها فی الحائر الحسینی.

"ان الله تعالی عوض الحسین (ع) من قتله ان جعل الامامة فی ذریته و الشفاء فی تربته و اجابة الدعاء عند قبره" المجلسی، محمد باقر، بحار الانوار، 44 : 221.

[13] و للاطلاع أکثر، لاحظ: ترخان، قاسم، نظرة عرفانیة فلسفیة و کلامیة لثورة الامام الحسین (ع) و شخصیته، الناشر: جلجراغ، الطبعة الاولی، قم، 1388 ه. ش.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    280436 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    259079 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    129796 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    116135 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89681 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    61284 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    60534 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    57458 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    52043 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • هل أن أكل سرطان البحر هو حرام؟
    48061 الحقوق والاحکام 2019/06/10
    لقد ورد معيار في أقوال و عبارات الفقهاء بخصوص حلية لحوم الحيوانات المائية حيث قالوا: بالاستناد إلى الروايات فان لحوم الحيوانات البحرية لا تؤكل و هذا يعني إن أكلها حرام[1]. إلا إذا كانت من نوع الأسماك التي لها فلس[2]، و ...