بحث متقدم
الزيارة
6805
محدثة عن: 2010/02/09
خلاصة السؤال
لماذا وردت کلمة «الشمائل» في الآیة 48 من سورة النحل بصورة الجمع في حین إن کلمة «الیمین» وردت مفردة؟
السؤال
جاء في الآیة 48 من سورة النحل "أَوَ لَمْ يَرَوْاْ إِلىَ‏ مَا خَلَقَ اللَّهُ مِن شىَ‏ْءٍ يَتَفَيَّؤُاْ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَ الشَّمَائلِ سُجَّدًا لِّلَّهِ وَ هُمْ دَاخِرُون" فتشت عن سبب ورود کلمة «الشمائل» بصورة الجمع و «الیمین» بصورة المفرد في تفسیر المیزان و الأمثل و فیض الإسلام، لکني لم أفهم شیئاً من إیضاحاتهم فقد کانت مبهمة بالنسبة لي. أرجوا مع الإمکان توضیح المراد من الیمین و الشمال في هذه الآیة ببیان سهل مرن، و لماذا جاءت کلمة الشمال بصورة الجمع؟
الجواب الإجمالي

لقد جعل الله سبحانه حرکة ظلّ الأجسام یمیناً و شمالاً في هذه الآیة دلیلاً علی عظمته و أن هذه الحرکة بالنسبة لهذه الأجسام سجود تواضع و خضوع أمام الله سبحانه. فلظلال الأجسام دور مهم و مؤثّر في حیاتنا فهي تقوم بتعدیل نور أشعة و حرارة الشمس، و تساعدنا في رؤیة الأجسام و غیر ذلک. و للمفسّرین نظریات متعددة لعلة مجيء لفظ «الیمین» مفرداً و «الشمائل» جمعاً نشیر إلیها في الجواب التفصیلي.

الجواب التفصيلي

لقد جعل الله سبحانه حرکة ظلّ الأجسام یمیناً و شمالاً في هذه الآیة دلیلاً علی عظمته و أن هذه الحرکة بالنسبة لهذه الأجسام سجود تواضع و خضوع أمام الله سبحانه. و مما لا شک فیه أن لظلال الأجسام دور مهم و مؤثّر في حیاتنا و لعل الکثیر منا غیر ملتفت إلی هذه الحقیقة، من هنا وضع القرآن الکریم إصبعه علی هذه المسألة لیثير الإنتباه حول هذه القضية المهمة.[1]

للظلال (التي هي لیست سوی عدم النور) فوائد جمّة:

1- کما أن لأشعة الشمس دوراً أساسياً في حیاتنا، فکذلک الظلال، لأنها تقوم بعملیة تعدیل حرارة أشعة الشمس، إن الحرکة المتناوبة للظلال تحفظ حرارة الشمس لحد متعادل و مؤثر، و بدون الظلال یحترق کل شيء أمام حرارة الشمس الثابتة و بدرجة واحدة و لمدة طویلة.

2- و ثمّة موضوع مهم آخر و ربّما علی خلاف تصوّر معظم الناس ألا و هو: إن النور لیس هو السبب الوحید في الرؤیة، بل لابدّ من اقتران الظل بالنور لتحقق الرؤیة بشکل طبیعي. و بعبارة أخری: إن النور لو کان یحیط بجسم ما و یشع علیه باستمرار بما لا یکون هناک مجال للظلّ أو نصف الظلّ، فإنه و الحال هذه لا یمکن رؤیة ذلک الجسم و هو غارق بالنور.

أي: کما أنه لا یمکن رؤیة الأشیاء في الظلمة المطلقة، فکذا الحال بالنسبة للنور المطلق، و یمکن رؤیة الأشیاء بوجود النور و الظلمة (النور و الظلال)، و علی هذا یکون للظلال دور مؤثّر جدّاً في مشاهدة و تشخیص و معرفة الأشیاء و تمییزها (فتأمل).

و ثمة ملاحظة أخری في الآیة: و هي ورود «الیمین» بصیغة المفرد في حین جاءت الشمال بصیغة الجمع «شمائل». فللمفسّرین نظریات مختلفة في بیان علّتها نشیر هنا إلی بعضهت:

1- فالاختلاف في التعبیر یمکن أن یکون لوقوع الظلّ في الصباح علی یمین الذي یقف مواجهاً للجنوب ثم یتحرّک باستمرار نحو الشمال حتی وقت الغروب حین یختفي في أفق الشرق،[2] فللظلّ معنیً في جهة الشمال.

2- ان کلمة «الیمین» مفردة إلا أنّه یمکن أن یراد بها الجمع في بعض الحالات، و هي في هذه الآیة تدل علی الجمع. [3]

قیل: ان الله سبحانه جاء بلفظ «الیمین» مفرداً للخلاصة و الاختصار (و إن أراد منه الجمع)، و «یمین» ترجع إلی لفظ «الشيء» و هو مفرد، أما «شمائل» فترجع إلی معنی «الشيء» و هو جمعٌ، لأن المراد من لفظ «الشيء» هو الجمع.[4]

3- إفراد لفظ «الیمین» و جمع «الشمائل» للإشارة لکن جهة الشمال متعددة، لأن الیمین المعنویة لکل شيء هي الجهة الإلهیة له، أما شماله فالجهات الخلقیة له و کثرة الوجهة الإلهیة منطویة في وحدتها، و وحدة الوجهة الخلقیة فانیة في الکثرة.[5]

4. و هناك من قال انه ذلك من قبيل التفنن، و ان الله تعالى: أفرد اليمين، لأن المراد به جنس الجهة كما يقال المشرق. و جمع الشَّمائِلِ مرادا به تعدّد جنس جهة الشمال بتعدّد أصحابها، كما قال: فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ [سورة المعارج: 40]. فالمخالفة بالإفراد و الجمع تفنّ.[6]

 


[1]  المکارم الشیرازي، ناصر، الأمثل، ج 8، ص 206 (بقلیل من التصرّف)، مدرسة الإمام علي بن أبي طالب (ع)، قم، 1421 ق.

[2]  تفسیر القرطبي، ذیل الآیة المذکورة.

[3]  الرازي، أبو الفتوح، روض الجنان و روح الجنان في تفسیر القرآن (تفسیر أبو الفتوح الرازي)، ج 12، ص 45، نشر مؤسسة التحقق الإسلامیة للعتبة الرضویة المقدسة، مشهد، 1408 ق.

[4]  البغدادي، علاء الدین علي بن محمد، لباب التأویل في معاني التنزیل، ج 3، ص 80، نشر دار الکتب العلمیة، بیروت، 1415 ق.

[5]  الخاني رضا/ الریاضي، حشمة الله، ترجمة بیان السعادة، ج 8، ص 130، طبع و نشر جامعة پیام نور، طهران، 1372 ش.

[6]  الطاهر بن عاشور، التحرير و التنوير، ج‏13، ص: 136.

 

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279435 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257253 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128143 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113248 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    88997 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59838 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59551 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56857 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49743 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47165 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...