بحث متقدم
الزيارة
5362
محدثة عن: 2007/06/02
خلاصة السؤال
ارجو بیان المصطلحات الواردة فی قوله تعالى«وَلا رَطْبٍ وَلا یَابِسٍ إِلاَّ فِی کِتَابٍ مُبِینٍ» بصورة مختصرة
السؤال
ارجو بیان المصطلحات الواردة فی قوله تعالى«وَلا رَطْبٍ وَلا یَابِسٍ إِلاَّ فِی کِتَابٍ مُبِینٍ» بصورة مختصرة
الجواب الإجمالي

مع أن المراد (بالکتاب المبین) فی بعض الآیات الأخرى هو (القرآن الکریم) أما فی هذه الآیة و الآیات المشابهة لها و التی تتحدث عن منبع العلم الإلهی و أساسه، فإن المراد(بالکتاب المبین) مرحلة العلم الإلهی بالمخلوقات قبل الخلق، و الذی یشمل الکتب الأخرى و الألواح الأخرى، و لکن کیفیته و کمیته مجهولة بالنسبة لنا.

و الرطب و الیابس فی هذه الآیة الکریمة کنایة عن (کل شیء) و لیس فیها إشارة إلى موجود خاص بعینه، و ذکر هذا التعبیر من باب الإجمال بعد التفصیل، أی أنه بعد أن قال تعالى: «وَ عِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَیْبِ لا یَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَ یَعْلَمُ مَا فِی الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ وَ مَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ یَعْلَمُهَا» فإنه ینقل الکلام من ذکر الأمثلة التفصیلیة الجزئیة إلى الأمر الشامل المستوعب، و المحصلة فیه و خلاصة القول أنه «وَلا رَطْبٍ وَلا یَابِسٍ إِلاَّ فِی کِتَابٍ مُبِینٍ» مضبوط و مسطور و معلوم بالنسبة إلى الله.

الجواب التفصيلي

ما یستفاد من الآیات القرآنیة و الروایات و الأحادیث و کلام المحققین و الفلاسفة و المتکلمین و المفسرین هو أن العلم الإلهی على أقسام ثلاثة:[1]

أ- علم الله بصفاته و ذاته، و هو علمه بمقتضیات ذاته، و هذا ما یعبرون عنه (بالعلم الذاتی) و هذا النوع من العلم بالذات و صفاتها ثابت لا یتغیر، و لیس مراد الآیة هذه المرتبة من مراتب العلم الإلهی.

ب – العلم الإلهی بالمخلوقات بعد الخلق: و هو العلم بجزئیات حوادث المخلوقات بعد الخلق، و هذا اللحاظ هو لحاظ انتزاعی یحتاج إلى لحاظ طرفی الإضافة، أی الله العالم و الحوادث المعلومة، و حیث أن طرفی هذا العلم متغیرین تبعاً لتغیر المخلوقات و تعددها و یترتب على کونها زمانیة أن یکون العلم زمانیاً أیضاً.

و هذا العلم یطلقون علیه اسم (العلم الفعلی) و یعد من الصفات الفعلیة، و هذا اللحاظ هو أیضاً غیر مراد فی الآیة.

ج- العلم بالمخلوقات و جزئیاتها فی الأزل و قبل أن تخلق، أی أن الله یعلم بالموجودات قبل أن تخلق السماوات و الأرض و ما فیها من موجودات و قبل أن توجد الحوادث بالنسبة لها، فإنه یعلم بکل مراحل خلقها و ما یحدث لها و کل جزئیات و جودها. و هذا العلم المستوعب الشامل مثبت و منعکس و متجل فی موجود یعبر عنه (بالکتاب المبین) الذی یشمل (اللوح المحفوظ) و (لوح المحو و الإثبات) فهذا العلم له قسمان إذن، قسم غیبی، و قسم مشهود بادٍ للعیان واقع بمرور الزمان، و قسم ثابت و لا یتغیر، و قسم قابل للمحو و الإثبات، فالمراد من (الکتاب المبین) فی هذه المجموعة[2] من الآیات هو سعة العلم الإلهی الشامل لکل المخلوقات قبل خلقتها و ما یکون من فعالیاتها و نشاطها و کل تحرکاتها، و إن المراد من (الرطب و الیابس) کل الموجودات التی تنضوی بأی نحو من الأنحاء تحت هذین العنوانین.

فالرطب و الیابس نقیضان، أی أنه لا یمکن لأی موجود أن لا یندرج تحت عنوان من هذین العنوانین، کما أنه لا یمکن لأی مصداق موجود أن یندرج تحت هذین العنوانین معاً و فی نفس الوقت، أو یکون خارجاً عنهما فی نفس الوقت. فذکر هذین العنوانین فی الآیة کنایة عن کل موجودات عالم الوجود، و لذلک لا یمکن تعیین مصداق خاص لهذین المفهومین. و مع أن بعض الروایات[3] أشارت إلى بعض المصادیق و من أمثلة ذلک أن الیابس یمثل الجنین السقط، و الرطب هو الولید الجدید، أو أن الزرع الحصید هو الیابس، و الذی لم یقطف بعد هو الرطب، و لکن هذا کله من باب النموذج و المثال.

و لکن فی المجموعة الأخرى[4] من الآیات فإن المراد من (الکتاب المبین) هو القرآن الذی بین أیدینا، لا تلک المرتبة من مراتب العلم الإلهی بخصوص المخلوقات قبل الخلق، و إن تشخیص المعنى المراد فی الآیات یحتاج إلى النظر فی الآیات السابقة و اللاحقة للآیة لأن السیاق کثیراً ما یکون دلیلاً على تشخیص المعنى، ففی المجموعة الأولى مثلاً کان المراد هو الإشارة إلى سعة العلم الإلهی، و لکن فی المجموعة الثانیة جاء لفظ (الکتاب المبین) مصحوباً بقرائن أخرى کالإنزال و الوحی و ...

و لکن معنى (الکتاب المبین) هو واحد فی المجموعتین بلحاظ المعنى اللغوی و معناه الکتاب الواضح الظاهر، الذی لیس فیه أی خطأ أو إبهام.

المصادر:

1- القرآن الکریم.

2- مصباح الیزدی، محمد تقی، معارف قرآن" معارف القرآن"، ج 1 – 3 ، ص182 - 194.

3- الطباطبائی، محمد حسین، المیزان، ج 7، ص176 – 184 – 211 – 212 – 119 – 150 – 417.

4- القمی المشهدی، محمد بن محمد رضا، کنز الدقائق، ج 4 ، ص 342 ـ 344.

5- الطبرسی، أبو علی الفضل بن الحسن، مجمع البیان، ج 2، ص311.

6- مکارم الشیرازی، ناصر، التفسیر الأمثل، ج 8 و 9 و 15 و 18.

7- الطیب، السید عبد الحسین، أطیب البیان، ص 91 – 92.



[1] انظر: معارف القرآن، ج1ـ3، ص 186 ـ 194.

[2] الأنعام، 6؛ سبأ، 3؛ النمل، 57؛ هود، 6؛ یونس، 61.

[3] انظر: المیزان، ج 7، ص212؛ کنز الدقائق، ج7 ، ص342 ـ 344.

[4] القصص، 2؛ النمل، 1؛ الشعراء، 2؛ الحجر، 1؛ یوسف، 1؛ المائدة، 15.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279470 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257335 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128200 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113312 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89027 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59880 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59590 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56882 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49822 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47191 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...