بحث متقدم
الزيارة
7863
محدثة عن: 2011/06/02
خلاصة السؤال
لماذا تظهر الصورة الباطنیة لبعض الافراد فی عالم الرؤیا على شکل حیوان، و الحال انهم وصلوا بعد التوبة من الذنوب الى مقامات عالیة؟
السؤال
تشیر بعض المصادر الى وجود أفراد مارسوا الرذیلة فی شبابهم و اقترفوا الذنوب و لکن سطع النور الالهی فی نفوسهم لیتحولوا الى مؤمنین، مثال ذلک رسول الترک الذی حرره الامام الحسین (ع).
توضیح ذلک: المشهور بین الناس أن شخصا رأى رسول الترک- قبل توبته- فی عالم الرؤیا بصورة کلب یحمی خیام الامام الحسین (ع) و یمنع من دخول الاجانب الى تلک الخیام. الأمر الذی إنجر الى حدوث حالة من التحول و الانقلاب فی شخصیة الرجل فتاب الى الله توبة خالصة و نال على أثرها مقامات معنویة عالیة.
و السؤال هنا: لماذا ارتضى الامام الحسین (ع) هذا الرجل یحمی عیاله على صورة کلب، أ لیس مقام الانسان أکرم من ذلک؟ فلماذا قبله الامام على هذه الحالة و بصورة الکلب؟ علما أنی قرأت کتاب تحریر الامام لرسول الترک؟؟!
الجواب الإجمالي
هناک آیات و روایات کثیرة تثبت تغیر الباطن و خروجه من الحالة الانسانیة الى الصورة الحیوانیة بسب الاعمال القبیحة التی یقترفها، و من تلک الاعمال تعاطی الخمرة و الادمان علیها حیث یحول صورة الانسان الباطنیة الى صورة کلبیة. و فی السؤال المطروح أن الامام الحسین (ع) لم یغیر صورة الرجل الباطنیة بل اظهر له الصورة التی هو علیها لیکون ذلک سببا فی انقلاب حاله و توبته الى الله، و من ثم تغیر صورة الباطنیة القبیحة الى صورة بهیّة هی من أجمل الصور الانسانیة، و لو ذلک ما وفق للتوبة و لبقی على حالته التی هو علیها.
الجواب التفصيلي

نقرأ فی کتاب الله تعالى قوله تعالى: "واذا الوحوش حشرت"[1] و قد ذکر المفسرون للآیة المبارکة معنیین:

الاول: أن الحیوانات الوحشیة تحشر للقصاص و الشهادة على أعمال الناس.

الثانی: أی النفوس المستوحشة الآبیة الوحشیة التائهة فی بوادی الطبیعة و قفر الهیولى حُشِرَتْ و جمعت الى ما فیه انتشت و بدت[2].

و نقرأ أیضا قوله تعالى: "فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ قُلْنا لَهُمْ کُونُوا قِرَدَةً خاسِئِین"‏[3] إن بعض بنی اسرائیل بناء على هذه الآیة قد تمردوا على أمر الله تعالى فی عدم الامتناع عن الصید یوم السبت لذلک قال لهم تعالى کونوا قردة خاسئین.

و هذا یکشف عن کون بعض الاعمال تؤدی الى اختلاف الصورة الباطنیة للانسان عن صورته الظاهریة فهو فی الظاهر انسان حسن الملامح و لکنه فی الباطن یحمل صورة حیوانیة.

و هناک روایات کثیرة تثبت تغیر الباطن و خروجه من الحالة الانسانیة الى الصورة الحیوانیة بسب الاعمال القبیحة التی یقترفها، و من تلک الروایات:

1. منها ما رواه ابو بصیر عن الامام الباقر (ع) فی موسم الحج و التی رواها صاحب البحار.[4]

2. ما رواه کامل التمار عن الامام الباقر (ع) أیضا.[5]

3.روی عن النبی الاکرم (ص) أنه قال: "یَظْهَرُ فِی أُمَّتِی الْخَسْفُ وَ الْقَذْفُ! قَالُوا: مَتَى ذَلِکَ؟ قَال: إِذَا ظَهَرَتِ الْمَعَازِفُ وَ الْقَیْنَاتُ وَ شُرِبَتِ الْخُمُورُ وَ اللَّهِ لَیَبِیتَنَّ أُنَاسٌ مِنْ أُمَّتِی عَلَى أَشَرٍ وَ بَطَرٍ وَ لَعِبٍ فَیُصْبِحُونَ قِرَدَةً وَ خَنَازِیرَ لاسْتِحْلالهمُ الْحَرَامَ وَ اتِّخَاذِهِمُ الْقَیْنَاتِ و شُرْبِهِمُ الْخُمُورَ وَ أَکْلِهِمُ الرِّبَا وَ لُبْسِهِمُ الْحَرِیر".[6]

و هذه الروایة تثبت أن بعض الاعمال تغیر باطن الانسان و تحوله من صورة الى أخرى.

من هنا اتضح أن بعض الآیات و الروایات تشیر الى أن باطن بعض الناس یتحول الى صورة حیوان نتیجة لما یقترفونه من موبقات و أعمال قبیحة.

أما لماذا ظهر الشخص المذکور فی السؤال فی عالم الرؤیا بهذه الصورة؟

و ذلک لانه کان یدمن تعاطی الخمرة و کان لا یمتنع عنها الا فی أیام محرم احتراما لسید الشهداء، و لاریب ان تعاطی الخمرة و الادمان علیها یؤدی الى تغیر الصورة الباطنیة للانسان.

من هنا لم یغیر الامام الحسین (ع) باطنة بل الرجل هو الذی أصلح حاله و غیر سلوکه مما انعکس ایجابیا على صورته الباطنیة فاصلحها.

اما لماذا کشف الامام عن سره و خفایاه و أظهر باطنه بالصورة المذکورة مع کرامة الانسان و احترامه؟

جوابه: أراد أن یقول له: مع ما انت علیه من الانحراف و الصورة الباطنیة القبیحة الناتجة من عملک القبیح، لکن مع ذلک نحن لا نتنکر للعمل الحسن و لا نضیع اجره حتى لو صدر ممن هو على شاکلتک، کذلک لا یحق لانسان أن یتعرض لشخص التجأ الى حضرة الامام (ع)، و هذا یکشف عن جلالتهم و عظیم کرم اخلاقهم.

و ثالثا، أن الامام أراد أن یفتح له نافذة على الطریق الذی ینبغی له أن یسلکه لیصلح حاله. و من المعروف أن التوبة لا یستتبعها لوم أو مذمة کما قال الرسول الاکرم (ص): " التائب من الذنب کمن لا ذنب له".[7]

اما لماذا ظهر بصورة الکلب؟

فهذا فی الحقیقة نتیجة اعماله و تعاطیه للخمرة و الادمان علیها، لکنه کان ینتهی عنها و یمنع الآخرین من تعاطیه فی تلک الایام احتراما لأیام عاشوراء، و بهذا المقدار کان یکشف عن ولائه للامام (ع)، و اما بعد التوبة فقد تغیرت حالته و خرج عن الصورة المذکورة و تحول الى صورة هی من أبهى صور الانسانیة.



[1]التکویر، 4.

[2]  نخجوانی، نعمة الله بن محمود، الفواتح الالهیة و المفاتح الغیبیة، ج2،ص487، دار رکابی للنشر، مصر ، 1999م

[3]الاعراف، 166.

[4]انظر: بحارالأنوار ج 27، ص 30. موسسةالوفاء، بیروت، 1404.

[5] الکافی ،ج 2 ،ص 242،(باب فی قلة عدد المؤمنین).

[6]الحر العاملی، وسائل الشیعة، ج17، ص311، ح22623، مؤسسة آل البیت (ع)، 1409هـ.

[7] وسائل الشیعه ج 16 ص 75. موسسة آل البیت، 1409.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279360 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    256924 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128057 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    112886 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    88920 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59630 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59356 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56813 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49394 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47111 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...