Please Wait
8086
بالرغم من ذهاب بعض علماء أهل السنة کأبن خلدون الى عدم الفرق بین الامام و الخلیفة و أنهما مستعملان فی معنى واحد و هو النیابة عن صاحب الشریعة فی حفظ الدین و سیاسة الدنیا.
لکن یجب القول على نحو الاجمال و الخلاصة أن مقام الامامة ـ کما یستفاد من القرآن و الروایات ـ هو مقام عال و رفیع الى درجة بحیث انه أعلى و أفضل حتى من مقام و منصب النبوة و الرسالة، کما یستفاد من معنى الامام أن الامام هو الذی یتقلد القیادة و زعامة الناس فی جمیع شؤون الحیاة الدینیة و الدنیویة.
أما الخلیفة فهو بمعنى النائب و القائم مقام و من البدیهی أن لا تکون له شروط الامام و شؤونه.
و على الرغم من أن هذین المقامین(الامامة و الخلافة) یمکن أجتماعهماـ من وجهة نظر الشیعة ـ کما أجتمعا فی أمیر المؤمنین و أئمة الشیعة المعصومین (ع) حیث کانت فیهم خصائص الامامة و شروطها و کانوا خلفاءً للنبی (ص) أیضاً لکن قد یکون شخص أماماً لکنه لیس خلیفة کالنبی ابراهیم (ع) حیث منحه الله مقام الامامة بعد ابتلائه بامتحانات عسیرة، لکنه لم یکن خلیفة و نائباً لنبی بالمعنى الخاص للخلافة. کما یمکن أن یکون شخص خلیفة لکنه لیس أماماً و ذلک کخلفاء النبی (ص) مثل ابن مکتوم حینما استخلفه النبی علی المدینة فی بعض غزواته (ص). و على هذا فالنسبة بین الامام و الخلیفة نسبة العموم و الخصوص من وجه.
الذی یبدو من السؤال أنه حول الفرق بین الامام و الخلیفة، أی نیابة النبی (ص) و من البدیهی أن تبحث هذه القضیة من و جهة النظر الکلامیة و الاعتقادیة لا من الناحیة العرفانیة، و لکن ینبغی أن نقول و باختصار بأن الخلافة من الناحیة العرفانیة هی ما یکون فی حدوثه و بقائه مرآة للاستخلاف و أن الخلیفة هو من یکون فی بدو مسؤولیته و ختامها مرآة للمستخلف عنه و لا ینحرف عن تلک القبلة اًبداً. فان الخلیفة هو بلا شک من یقوم مقام غیره، فکل خلیفة متکفل بخلافة المستخلف عنه فیجب أن یکون متخلقاً بأخلاق المستخلف عنه و منفذاً للاحکام الالهیة. ان الخلافة الالهیة هی من سنخ الکمال الوجودی و هی مقولة بالتشکیک و مراتبها العالیة موجودة فی الناس الکمٌل کالأنبیاء و الأولیاء، و مراتبها الأدنى موجودة فی أحرار الناس[1].
و بناء على ذلک فان کلمة الخلافة و النیابة تتضمن فی داخلها هذا المعنى و هوأن الخلافة ظهور المستخلف عنه فی الخلیفة، و ان الخلیفة هو من تکون هویته مستندة الى المستخلف عنه و لا یمکن أن یتصور معنى و حقیقة منفصلاً عنه.
بحث المسألة کلامیاً:
الامام فی اللغة هو بمعنى القائد و الرئیس و الامامة بمعنى الرئاسة و القیادة. أما فی اصطلاح علم الکلام فقد ذکر المتکلمون تعاریف مختلفة للامامة و أکثرهم أعتبرها رئاسة و قیادة عامة للمجتمع فی الامور الدینیة و الدنیویة و على هذا فالامام یعنی القائد و المقتدى الذی یکون فی منطقه و سلوکه أسوة للآخرین و یتحمل مسؤولیة قیادة المجتمع سواء کانت قیادته مجعولة من قبل النبی بالنیابة، أم أنه حصل على هذا المقام بالاصالة.
و لکلمة (الامام) فی القرآن معنى واسع بحیث یمتد لیشمل الکثیر من الأنبیاء. و کما یقول ابن منظور فأن نبی الاسلام (ص) نفسه هو إمام الائمة [2]. لأنه على أرفع مقام قیادی و لقیادته أصالتها الخاصة فلیس هو نائباً عن أحد. و الحال أن موضوع القیادة یتخذ شکلاً آخر فی مسألة الخلافة حیث ان القیادة تکون بمعنى خلافة النبی.
و لهذا السبب أدخل بعض العلماء فی تعریف الامامة تعبیرخلافة عن الرسول.
و الخلیفة استعمل فی اللغة بمعنى النائب و القائم مقام الشخص، و فی الواقع فانه یستفاد منه معنى النیابة. و بناء على هذا و بالالتفات الى الروایة الواردة عن الرسول (ص) حول خلفائه من بعده حیث یقول: " الائمة بعدی إثنا عشر أولهم علی بن أبی طالب (ع) و آخرهم القائم (ع) فهم خلفائی و أوصیائی وأولیائی وحجج الله على أمتی بعدی ".[3] حیث أوضح أن الائمة المعصومین بشکل خاص هم خلفاؤه، و بالالتفات الى حدیث النبی (ص) الذی یقول فیه:" اللهم أرحم خلفائی. قیل یارسول الله و من خلفائک؟ قال(ص): الذین یأتون من بعدی یروون حدیثی و سنتی " [4] حیث أشار الى خلفائه بشکل عام، و المقصود برواة الاحادیث و سنة النبی (ص) هم فقهاء زمن الغیبة، و لذا فان خلیفة النبی (ص) عنوان یطلق على من یقوم باعمال النبی و وظائفه من بعده و یتحمل جمیع مسؤولیاته بأستثناء مسألة الاتیان بالشریعة.
و ذهب أکثر علماء أهل السنة الى اعتبار الخلافة و الإمامة مترادفین و قالوا إن الخلافة و الإمامة بمعنى واحد، فحیثما صدق أحدهما یصدق الآخر أیضاً. و کمثال على ذلک یقول إبن خلدون:و إذ قد بیّنّا حقیقة هذا المنصب و إنه نیابة عن صاحب الشریعة فی حفظ الدین و سیاسة الدنیا به تسمى خلافة و إمامة و القائم به خلیفة و إماماً.[5]
إن هاتین الکلمتین "الإمامة و الخلافة" و بالرغم من ترادفهما فی الاستعمال اللغوی، لکن یبدو ان لهما معنیین مختلفین لأنه لتحقق معنى الإمامة یشترط القیادة، فیجب أن یکون الإمام عاملاً بما یقوله و ان یوجه الناس و یقودهم بکلامه و بسلوکه. و لکن یکفی لتحقق المعنى اللغوی للخلافة أن یکون الشخص معیّناً لخلافة النبی (ص) و یتصدى فی غیابه للقیام بمهامه، حتى أن الخلیفة لو یکن عاملاً طِبقاً لأقواله فیمکن أیضاً ًتسمیته لغة ًبالخلیفة.
بِناءاً على هذا فلیست الإمامة و الخلافة مترادفتین، و یمکن أن یجتمع هذان المعنیان فی شخص واحد فمثلاً: إذا عَیّن النبی شخصاً فاضلاً ممتازاً ملتزماً بأحکام الد ین و تعالیمه و اسوة للناس فی سلوکه " کأمیر المؤمنین علی (ع) مثلاً" خلیفةً له و نائباً و سلّمه زمام الامور الاجتماعیة و السیاسیة و أوکل إلیه مهمة حمایة الدین و قوانین الشریعة فمثل هذا الشخص هو بالحقیقة إمام و هو أیضاً خلیفة بخصوص تنفیذ القوانین و التعالیم الدینیة و الاحکام الإلهیة. و یمکن أحیاناً أن یکون الشخص إماماً لکنه لیس خلیفة، کالنبی إبراهیم (ع)، و المراد هنا أن النبی إبراهیم لم یکن خلیفة و نائباً لنبی بالمعنى الخاص أی یکون إماماً و خلیفة (مثل أمیر المؤمنین علی (ع) الذی هو إمام و خلیفة) لکنه کان خلیفة الله قطعاً، لأن الأنبیاء کلهم خلفاء الله فی الأرض.
و قد تصدق الخلافة أحیاناً دون أن تصدق الإمامة، أی إنه یمکن أن یکون الشخص خلیفة و نائباً و لکن لا یکون إماماً؛ فمثلاً إذا عَیّن النبی الاکرم شخصاً خلیفة له و أسند إلیه القیام ببعض الامور المعیّنة فی غیابة فإنه یقال لهذا الشخص خلیفة النبی لغة، لکنه لا یعتبر إماماً مطلقاً و اسوة فی جمیع الامور. و کذلک اذا انتخب أفراد الشعب شخصاً من بینهم و أسندوا إلیه القیام بأحد أعمال النبی فإنه یمکن أن یعتبروه خلیفة طبقاً لإعتقادهم و لا مانع من ذلک أیضاً من الناحیة اللغویة لکن الإمامة المطلقة و القدوة الحقیقیة لا تصدق علیه.
و من وجهة نظر القرآن فإن لمنصب الإمامة مقاماً خاصاً حیث اعتبرها القرآن آخر مرحلة لتکامل الانسان و لم یصل إلیها إلا القلیل حیث یقول "و إذ ابتلى إبراهیم ربه بکلمات فأتمهنّ قال إنی جاعلک للناس إماماً"[6] إن مقام الامامة الذی حصل علیه إبراهیم هو المقام الأسمى و الارفع جزماً، ذلک المقام التی إستحقه إبراهیم (ع) بعد کل تلک الابتلاءات العظیمة، و على هذا فإن منصب الإمامة أرفع من منصب النبوة، و بالطبع فإن مقام الإمامة إجتمع مع مقام النبوة فی الانبیاء أُولی العزم.
و تعتقد الشیعة خلافاً لأهل السنة بأن الإمامة التی هی خلافة النبی هی مقام انتصابی کالنبوة ـ و لیست إنتخابیةـ و إن المتقّلد لهذا المقام یعیّن من قبل الله و لذا فان الإمام یشترک مع النبی فی جمیع الشؤون عدا مسألة الوحی أما أهل السنة فإنهم یعتبرون خلافة النبی مقاماً و موهبة إجتماعیة و لیست منصباً إلهیاً یمنح من جانب الناس الى الخلیفة، و إن شخص الخلیفة یحصل على هذا المقام عن طریق الانتخاب.
و من وجهة نظر الشیعة فإن هذا المقام (الإمامة) إنما یکون مشروعاً إذا کان من قبل الله تعالى و ان من یکون له هذا المقام بالاصالة فانه سیکون معصوماً و مصوناً من الخطأ فی بیان الاحکام و المعارف الاسلامیة و عن الذنوب أیضاً.
و على هذا فإن الاختلاف بین الشیعة و أهل السنة فی موضوع الإمامة یظهر فی مسائل ثلاث:
1. نصب الإمام من قبل الله تعالى
2. علم الإمام و مصونیته من الخطأ
3.عصمة الإمام
بالطبع أن العصمة لیست مساویة للإمامة، لأنه و کما یعتقد الشیعة فإن الصدیّقة الزهراء (س) معصومة لکن لیس لها مقام الإمامة، و کذلک کانت السیدة مریم (س) معصومة.
و قد یشکل البعض على مثل هذه الابحاث و یقول ان مسألة الخلافة و نیابة النبی هی مسألة تاریخیة ترتبط بالماضی فما هی الفائدة من طرحها فی عصرنا الحاضر؟
إنه و من وجهة نظر الشیعة فإن الاعتقاد بالامامة له آثار و ثمرات لا تحصل من الاعتقاد بالخلافة:
فأولاً :إن الإمامة من اصول الدین و هی استمرار للنبوة، لأن الشیعة ترى الإمامة استمراراً لمسؤولیة النبی فی التبلیغ و الهدایة. و بناء على هذا فإن الدین حی دوماً الى آخر الزمان.
ثانیاً: ان البحث عن شکل الحکومة الذی هو من الابحاث الضروریة مترتب على هذه المسألة. حیث ان هناک مئات الاحکام و الأوامر فی القرآن و الأحادیث ترتبط بالحاکم و ولی الأمر. فان کان مقام الإمامة إنتصابیاً فیجب أن یکون تنفیذ هذه الأحکام من قبل الذین أوکل الله إلیهم مسؤولیة قیادة الأمة.
ثالثاً: ان موضوع بیان و شرح اصول الدین و معارفه و بیان أحکام فروع الدین و هدایة الناس [7] هو أحد الثمرات الأخرى لهذا الموضوع الکلامی الذی یتولى أمره الإمام.
و هذه الاهداف التی تقّدم ذکرها إنما یمکن الوصول إلیها فی ظل قیادة المصطفین الذین یکون المحتوى التکوینی لهم بمستوى یمکنٌهم من القیام بدور بیان الدین الإلهی بدقة و هذا ما یمکن الحصول علیه فی ظل الاعتقاد بالإمامة.
[1] . جوادی الآملی، عبد الله، تفسیرتسنیم "تفسیر التسنیم", ج 3، 56.
[2] . ابن منظور, لسان العرب، ج 14، ص 29 کلمة"أم".
[3] . الصدوق، من لا یحضره الفقیه،ج 4، ص 180.
[4] . نفس المصدر، ص 420 .
[5] . إبن خلدون, المقدمة، ص 191.
[6] . البقرة، 124.
[7] . الهدایة الباطنیة هی من الامور المختصة بالإمامة بناء على اعتقاد الشیعة و لا توجد هذه الخصوصیة فی مفهوم الخلیفة.